الليلة البارحة شاهدتُ وزيراً ليته ” سَكت” يقول إن مجموع اللائحة الانتخابية مليون وأربعمائة ألف ناخب تقريبا، بينهم مليون ومائة وخمسة عشر ألف منتسب للحزب الحاكم، أي أن على قرابة مائة حزب أخرى أن ” تتزاين الشرك” فى أصوات حوالي ثلاثمائة ألف ناخب لم ينضموا بعدُ إلى حزب الحِصان الأبيض.
لم يدقق عزيز فى الأرقام – على غير عادته- إلى أنْ جاءت الترشيحات فانْهَار الإسطبل وجمح الحِصان الأبيض وانقشع الغبار عن الحقيقة الصادمة: مليون ومائة وخمسة عشر ألف منتسب بينهم قُصَّرٌ وفاقدو ذاكرة وموتى ومفقودون فى بلاد الله الواسعة، تَنافس المتشاكسون فى تحويلهم إلى وحدات لن تتجمع إلا يوم يُنفخ فى الصُّور.
وقبل أن يُفيق من هول الصدمة، كان “كِبار” الناخبين من حزب الحصان الأبيض قد حزموا أمرهم استعدادا لرئاسيات 2019.
قال قائلهم: من الغباء الرهان على عزيز وهو خارج السلطة، و قد تكاثرت الأحصنة بين مُسرَج وصافنٍ ومغِير، ومن الحصافة السياسية التموقع بقوة على خارطة المستقبل.
إنها الطامة الكبرى : كيف لعزيز أن يترك السلطة التنفيذية وليس له فى السلطة التشريعية حامٍ من السلطة القضائية؟
عاد إلى موَّاله القديم: المأمورية الثالثة، يراوح بين التصريح بها لمًّا لشملٍ تَمزَّق، والتلميح إليها سداًّ لذرائع الحنث تحت القسم.
لوثة المأمورية الثالثة أفقدت عزيز آخر ذرة من المصداقية لدى من كانوا “يتمسكون به”، فصار حديثه عنها “عطر منشم” تكسرت النصال به على النصال.
فى النعمة تحدث عزيز عن المأمورية الثالثة مغازلة لــــ”خوارج الحزب”، وفى لعيون ألمح إليها طلبا للانضباط الحزبي، وفى كيفة تَجلَّدَ وقال إنه يريد حزبا ليس كالحزب الجمهوري، وفى روصو حاباه محام بذمٍّ يشبه المدح فقال: ” متمسكون بك فابحث عن مخرج مقبول قانونيا ودوليا للبقاء فى السلطة”.
و فى تجكجة أبلغوه، بعد عشر سنوات من حكمه، أنهم أحوج إلى شربة ماء منهم إلى عمدة أو نائب أو مجلس جهوي.
و من “بنشاب” أبلغوه ،بالصوت والصورة،أن الكيل قد طفح، وأن من لم ينل دعم واحترام عشيرته الأقربين لن يلتف حوله أهل “فصَّالة” و “كرمسين”.
فى هذا الجو السياسي المُناوئ يسخِّر عزيز الطيران العسكري،وسيارات الرئاسة، و المرافق العمومية،ووسائل الدولة كلها لإنقاذ حزبٍ يتوهم أن يكون قارب نجاته فى خضم السياسة الموريتانية المتقلبة.
يكابر عزيز لكسب الوقت بحثا عن مخرج لن ترشده إليه بطانة “تتخذ كل الأساليب القذرة من شعوذة وسحر وكذب وأعمال كهنوتية”، على حد قول النائب المخضرم الخليل ولد الطيب.
و قد يكون عزيز اختار فاتح سبتمبر موعدا للاقتراع “تيمُّنا” بثورة الزعيم الليبي الراحل الذي بقي فى السلطة اثنتين وأربعين سنة، لكن فاتح سبتمبر ارتبط أيضا بحدث سياسي آخر ذي دلالة وهو سحْب حق التصويت من المعارضة فى رومانيا سنة 1950.
تخلصت رومانيا من آخر طغاتها (نيكولاي تشاوسيسكو) رميا بالرصاص فى مشهد لا يحب أحد أن يراه يتكرر ولو مع كلب مسعور.
اللهم احفظ موريتانيا، وألهِمْ عزيز مَخرجا بأقل الخسائر، يميز فيه بين الحِزب والحَرب، بين الانفراج والانفجار، وبين الرفض والفرض.