زيارة النعمة وخلق أسباب التنمية وحماية الوحدة الوطنية ؟! / د.محمد المختار دية الشنقيطي

زيارة النعمة وخلق أسباب التنمية وحماية الوحدة الوطنية لو فعلها رئيس الجمهورية ؟!

 النعمة حاضرة في  أقصى الشرق الموريتاني ظلت محطة حاضرة وبارزة للرؤساء الموريتانيين منها يعلنون عن مشاريع كبيرة يعتبرونها عناوين لانجازات وطنية ينوون العمل لتحقيقها وإنجازها، فمذا لو خصها الرئيس  في زيارته المرتقبة في هذه اللحظة التاريخية الضاغطة أساسا في قضايا الوحدة الوطنية المهددة، والأزمة السياسية المستعصية بالإعلان عن استرداد الدولة لحقها في جمع وتوزيع الزكاة وخلق فرص وحوافز الوقف لإيجاد الموارد اللازمة 100 مليار أوقية من الزكاة المضمونة والثابتة والمؤتمنة لتمويل مشاريع تنموية لحل مشكلات الوحدة الوطنية ومعوقات التطور والنهوض !!!

تحقيق الوحدة الوطنية ركيزة ضرورية لعمليات التنمية وعامل مهم وأساسي في توحيد اللحمة الوطنية واستشراء التكامل في كافة جوانب الحياة على أرض الوطن، إذا ما أسست قواعدها على تكريم للإنسان والعدل والإنصاف والتعويض للضحايا،  عن الظلم وتوفير الحاجيات للإنسان في حقيقته ووجوده وأسباب عيشه يقول الله تبارك وتعالى:{ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً..} .

وهو التكريم والتفضيل الذي على رأسه ومن أساسه وأعظمه{أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} فالتكريم والعدل والإطعام والأمن مقومات الاستقرار والإنتاج كل ذلك يحصل لهم بكسبهم إذا ما حققوا موجباته، قال تعالى:{ واعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا } ذلك أن الاختلاف الذي منشؤه الظلم والحرمان والبغي والفساد هو عين الطريق السالك للإلغاء والاستبدال بل للخراب والفناء والزوال، ولذلك جاء الوحي بشقيه الكتاب والسنة بالوصايا المحذرة والهادية، يقول الحبيب القدوة الهادي المعلم والمبشر والمنذر الشفيع محمد – صلى الله عليه وسلم-:"عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة"،أي فاحذروا أسبابها ومستوجباتها، وحققوا قواعد الإصلاح والصلاح يقول:"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"، ويقول: ما آمن من بات شبعان وجاره جائع"ويقول:"ولا زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".

والحق جل وعلا  يجلى لنا في السنن الناظمة للحياة وللوجود الإنساني فيها أن الوحدة الوطنية هي أحد أهم مقومات الأمم ومقومات وجود وبقاء الأوطان، فهي المصدر لتقدم كل وطن  وازدهاره، وهي  تتجسد في تلاحم الشعب مع بعضه البعض حباً ومنفعة، أو بينه وبين قيمه الوطنية أحياءا وتمسكا.

ووجودها وتحقيقها هو الذي يساعد على تحقيق الأمن وضمان الطمأنينة بين ربوع الوطن باعتبار إن الشعب يؤمن بوحدته ويؤمن بتعدده العرقي وتنوعه الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي كل ذلك في إطار القيم الشرعية ومنظومة الوحدة الوطنية التي لا تفرق بين الأفراد والأجناس إلا على أساس الكفاءة والانجاز وحين يحقق الوطن ذلك ويقوم بتكريم الفرد وإنصافه وتقديم كل الخدمات له فإن ذلك حتماً يقوي وجوده ويعزز وحدته  ويدفعه إلى الأمام .

فالوحدة الوطنية تعني وجود وطن واحد موحد من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب يسكن فيه شعب يربطه تاريخ مشترك ومصير مشترك ومصالح مشتركة .
ويتألف مفهوم الوحدة الوطنية من عنصرين هما الوحدة وهي التي تجمع الأشياء المتفرقة ،و الوطنية هي انتماء الإنسان إلى دولة معينة تحميه وتخدمه، ويحمل جنسيتها ويدين بالولاء إليها، على اعتبار أن الدولة ما هي إلا جماعة من الناس تستقر في إقليم محدد بحقوق متساوية وتخضع لحكومة منظمة منتخبة ومختارة من  ذوى الكفاءات والقدرات من أفراد الشعب.
ونظرا للأهمية التي يحتلها مفهوم الوحدة الوطنية في تاريخ الأمم والشعوب فقد أسهم في تعريفها وإبراز مقوماتها وتوضيح مقصدها العديد من العلماء والمفكرين والكتاب على مر التاريخ، وان اختلفت تعريفاتهم بحسب السياق التي قيلت فيها وبحسب التطورات التي جرى فيها تناول مثل قضية الوحدة الوطنية،.

فقد ربط المفكر الإسلامي الأبرز والفقيه الأشهر أبو حامد الغزالي تحقق الوحدة الوطنية بوجود الحاكم (الإمام)؛ لأنه- في رأيه- هو أساس وحدة الأمة، ومحور اتفاق الإدارات المتناقضة، والشهوات المتباينة المتنافرة وذلك لجمعه أبناء الأمة حول رأى واحد وتعود هذه الوحدة الوطنية إلى مهابة الحاكم وشدته وتأييد الأمة له من خلال تعاقد سياسي بين الرعية وبين الحاكم، على شرط أن يقوم هذا التعاقد على الرضي لا على الإكراه، وعلى الخدمة لا على الاستخدام، وهو الأمر الذي يراه الغزالي كافيا للقضاء على التشتت وتحقيق التضامن بين أعضاء الجماعة الوطنية حول سلطتهم.

ونحن اليوم وفي هذا الوقت الذي فشلت فيه كل مؤسساتنا وأحزابنا ومنظماتنا  في تجسيد الوحدة الوطنية عمليا وواقعياً لفي أشد الحاجة إلى مؤسسات فاعلة تحقق وتنجز لنا عملاً ملموساً ودراسات علمية في المجالات التالية: عوامل تحقيق الوحدة الوطنية، الوحدة الوطنية والمسؤولية الاجتماعية، مهددات الوحدة الوطنية، دور الوحدة الوطنية في إرساء الأمن الاقتصادي، والفكري، والأخلاقي، ودورها تجاه التنمية الشاملة، بل ودورها في أمن واستقرار البلدان ونهوضها؟! .

وفي السياق ذاته يكون من الواجب شرعاً ولا زم وطنياً إنشاء الكراسي الدراسية والمراكز لإقامة الأنشطة البحثية والدراسات المتعلقة بالوحدة الوطنية، وإرساء وسائل المحافظة عليها وتقويتها وكذلك التعرف على تهديداتها، وتحديد الأسباب التي يمكن أن تخل بها، كما تركز على تفعيل وترسيخ دور الوحدة الوطنية في التنمية واستتباب الأمن الفكري والأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي، إضافة إلى تكثيف عقد المؤتمرات والندوات والدورات التدريبية التي ستسهم في تحقيق الوحدة الوطنية وحقوقها: المواطنة وواجباتها بما يتسق والنظام السياسي والاجتماعي في البلاد، واستشراف قضايا الوحدة الوطنية، وتنمية الشعور بالانتماء للوطن، وتعزيز المسؤولية الاجتماعية تجاهه، والمساهمة في بناء فكر استراتجي شبابي قويم، وإبراز دور المؤسسات التعليمية والتربوية والثقافية والدعوية في ترسيخ مفاهيم الوحدة الوطنية، وإعلاء قيم الحقوق والواجبات والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، وغير ذلك من الأهداف الوطنية الكبرى ؟!

والوحدة الوطنية عموماً تعني العدل والإنصاف والأمن والاستقرار، ومن ثمراتها تنمية المجتمع في كل انشطة الحياة  وتعاون مؤسساته في تحقيق ذلك، ومحاربة أشكال وأنواع الفساد ونشر الشفافية بين أفراد المجتمع دون تمايز .
وديننا وموارد بلدنا قادران على تلبية تطلعاتنا وإشباع حاجياتنا وكبح جماح أنواع الظلم والحيف والضيم الواقع تاريخياً والباقية آثاره الضاغطة على جزء كبير من المواطنين لهذا البلد المنكوب بالظلم والفساد والاستبداد والفقر وسوء التسيير؟!
ما من شك أن للإسلام رؤية تنموية نابعة من علاقة الإنسان بربه، واعتبارا للوظيفة الإستخلافية الفردية والجماعية التي منحها الله جل في علاه لعباده.
هذه الرؤية تجعل من كل فرد يفكر في الضوابط والآليات التي تؤمنه من الجوع والخوف ونقيضها من الترف والغفلة، لأن تركز الثروة في أيدي فئة قليلة من الناس يؤدي حتماً إلى الفوضى والاضطراب واللاتوازن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، حيث تصبح قرارات التسيير والمنافع في يد تلك الفئة القليلة توفرها لمصالحها دون غيرها وذلك هو عين وبحبوحة الفساد الذي نهى الله عنه في قوله:{ لكي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم}..وقال:{ كلا إن الإنسان ليطغى أرؤاه استغنى}.
ولان كان الإسلام قد أبرز سنة الله وقدره في التفاوت الطبقي في الرزق والمعاش بين الناس جزاءاً وفاقاً وعدلاً محكماً، نتيجة لتفاوت القدرات والمواهب والملكات والجهود والطاقات، فإنه قرر في الوقت ذاته أنّ الاعتراف بهذا التفاوت والتفاضل لا يعني بحال من الأحوال أن يدع الإسلام الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقرا، فتتسع الشقة بينهما وتضيع مقومات الحياة في الوجود والبقاء والتطور والنهوض، كلا إنما ذلك فقط لتحقيق سنة الله في الخلق وتجلي الإرادة الإلهية في سر خلق الإنسان وتفاوت جهده وقدراته، قال تعلى:{...ليتخذ بعضكم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون}
وسعيا  من الإسلام لكي لا يكون المال دولة بين الأغنياء، وتحريكاً لفواعل التنمية وفاعلية دور المال لصالح الفقراء نجد في النظام الإسلامي في المال ما يصح وصفه بالوجهين لعملة واحدة:
أولهما : ممثل بالزكاة الركن الثالث من أركان الإسلام، والنظام المالي والاقتصادي الذي يميز المجتمع الإسلامي عن غيره من المجتمعات في توزيع الثروة وتعميم منافع المال.
وثانيهما:  يمثله الوقف الإسلامي والذي يمثل نظام التمويل غير الربحي في الإسلام، واللبنة الأساس لتمويل المشاريع الاستثمارية الخيرية لتوفير الشغل وتحقيق أسباب العيش الكريم. ولكل منهما مساهمته في معالجة الاختلالات التي يمكن أن تصيب الاقتصاد، وبالتالي المساهمة الفعالة في تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة، انطلاقا من التركيز أولا  وآخرا على تنمية الناس بالناس وللناس،قال تعالى :{ ... ليتخذ بعضكم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون}
ومن هذا المفهوم والمنطلق نتساءل: كيف تعمل كل من الزكاة والوقف لتحقيق التنمية البشرية، أي تنمية الناس بالناس وللناس؟
والتجارب التطبيقية تثبت عملياً أن للزكاة والوقف دور كبير في حل مشاكل ودعم الصحة والتعليم والبحث العلمي من ثم بناء التكافل الاجتماعي ومحاربة الفقر، فهم بهذا يصنعون التنمية ويمسون ويساهمون في جميع جواب التنمية البشرية
وكذلك أثبتت تطبيقات الوقف والزكاة عبر التاريخ أنهما يعملان على تكوين وتوظيف القدرات البشرية، وبالتالي خلق عوامل وأسباب وإحقاق التنمية البشرية الشاملة والمستديمة يقول الحق جل وعلا:{ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهو عن المنكر ولله عاقبة الأمور}.
ويقول:{ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم}. فلو أقدم رئيس الجمهورية  في زيارته للنعمة على إصدار مرسوم بإنشاء جهاز لجمع الزكاة من 18 مليون رأس من الماشية و500 مليار من عروض التجارة والصيد والمعادن والزراعة وزكاة الفطر وبقيت الخدمات لوفر 100 مليار أوقية سنوياً ثابتة ومضمونة تزيد سنوياً  ولا تنقص، ولا تتبعها ديون ولا فوائد، كفيلة بتمويل مشاريع الوحدة الوطنية والتعليم ومكافحة الفقر  والظلم؟!.
فالزكاة هي الفريضة المغيبة والركن الخامس من أركان الإسلام المضيع دوره وأثره في المجتمع، وتفعيلها يساهم قطعاً في إرضاء الرب وتطبيق الدين وحل مشاكل التنمية في المجتمع، بما لهما من دور كبير وفاعل في بناء التكافل الاجتماعي ومواجهة المظاهر السلبية المنتشرة في مجتمعنا الإسلامي بالكامل، و من أهم المشاكل