الخلفيات السيكولوجية ل”قنبلة ولد سالم”

    أمين شيغالي

في أول اجتماع رسمي لحكومة إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا، كان اجتماعا استثنائيا من حيث أنه لم يتخذ إجراءات خصوصية ذات أهمية، كما أنه لم يصدر مراسيم ذات بال مثلما تعودنا مساء كل خميس بعيد اختتام اجتماع مجلس الوزراء، غير أن الأمر الاستثنائي الآخر والذي يمكن وصفه بالقنبلة هو تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة سيدي ولد سالم والذي قال فيه إن هذا النظام الجديد مجرد استمرار لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وأنه يسير على نفس النهج، فهل الأمر هفوة لسان أم أنها قلة خبرة، أم أن ما يدور في الخفاء أصبح يمكن الإعلان عنه دون حرج كما تصور الوير؟

إن وصف الرجل لولد عبد العزيز ب”الرئيس” دون صفة السابق، ينم عن لاوعي ما زال يعشش فيه هذا الاعتبار الذي يتعامل مع ولد الغزواني بوصفه مجرد “وكّاف” على حد تعبير أحد مرشحي الرئاسة في دكان عزيز.

لكن هذا الأمر أيضا يعبر عن نمط من الكلام وأسلوب من التعبير تعوّد عليه المسؤولون الموريتانيون لدرجة أنه أصبح “ثقافة شفهية” لا تتطلب الكثير من التفكير، ولذا سالت المفردات على لسان الرجل كما هي تماما في عقله الباطن، وكما هي مكرسة أصلا في الإعلام وفي المجالس الخاصة.

وإذا كانت هفوة اللسان هي التعبير عن المكبوتات والمسكوت عنه بلغة فرويد، فإن الوزير ولد سالم عبر عن ما يجول في خاطره، أو ما يعتقده أو ربما ما يقتنع به، وإن كان التوقيت والمكان خاناه. إلا أنه يمكن أن يكون الأمر أيضا مجرد قلة خبرة، فمن أين لرجل متخصص في الفيزياء وفرانكفوني الثقافة أن يكون ناطقا باسم الحكومة ويعطي تصريحات بالعربية؟.
هل هو الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب كما يقول بعض المراقبين الذين يبررون هذا الخطأ بالخطأ الأصلي هو تعيين رجل لا علاقة له بالمجال في حكومة تعطي عن نفسها انطباعا أنها تكنوقراطية وحكومة كفاءات؟.

الخرجة الأولى غير الموفقة للوزير سيدي ولد سالم تشي بأن حكومة ولد الشيخ سيديا لم تنسجم بعد في خطابها مع المرحلة الجديدة، ولم تتبن رؤية واضحة ولم تحدد طبيعة علاقتها بشخص ولد عبد العزيز ونظامه السابق، كما أنها تطرح عدة أسئلة ما زالت تتفاقم حول حقيقة نظام ولد الغزواني في ظل التعيتم والتكتم الذي يطبع الرجل في قراراته ونواياه وتوجهاته، وهو ما ينسجم ودوره السابق كرجل أمن وليس مع دروها الحالي كرئيس جمهورية يجب أن تكون توجهاته واضحة للشارع الموريتاني بأسره، ويبدو أن الرجل المتعود على الظل وربما على “الكهف” ما زال عملية التحديق في النور والتفكير في النور، والكلام في النور عملية مؤلمة وشاقة بالنسبة له.

هفوة أو “قنبلة ولد سالم” ليست مجرد خطأ بروتوكولي بسيط، بل ربما تكشف فقط عن رأس جبل جليد الأسرار والغموض الذيْن أصبحا سمة نظام ولد الغزواني، كما أن التعامل معها بالحجب والقص لا يقل عدم توفيق عن الحادثة نفسها، ومن المحتمل أن يكون لها تداعيات في الأيام القادمة لا شك، وتحدد طبيعة العلاقة بين نظام ولد الغزواني وشخص الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.