تكريم الأحياء مكرمة ووفاء / الولي ولد سيدي هيبه

"إن الحي أبقى من الميت"/ من أدبيات الأمة
درج الموريتانيون في تقليد بنوه من إيحاء أنفسهم وأفعال قلوبهم على أن لا يكرموا حيا مهما عظم شأنه وكثر عطاؤه وتعددت شمائله وعم البرية نفع أياديه البيضاء رفعت بصماته الغراء قدر المكانة العلمية وحققت

 مواهبه وكفاءاته العالية للإبداع مراتب وأسهمت في تشييد صروح التراث والفكر.
درجوا على ذلك وكأن لسان حالهم يقول لن يفوقنا علينا ونحن أحياء إلا أمواتنا بصمتهم المطبق في قبورهم وغيابهم الأبدي عن مضمار السباق إلى متقدم الإبداع ومعترك الأفكار ومقعد التميز، أو لكأنه يقول أيضا دعوا المناقب في الحياة فإنها أولى بالمقابر، وإن لنا به فرصة تكفير في محله عن عقدة الإحساس بتأنيب الضمير، واعتذار للأموات عن التقصير بحقهم في حياتهم.
عجبا لأمة لا تكرم أصحاب المواهب فيها والكفاءات والإنجازات التي تحقق بعضا من طموحاتها، رغم مرورها في دهاليز الاستخفاف والتجاهل والتقزيم مرور الكرام وما هم كذلك، إلا من بعد أن يغيبهم الردى لتنضب ينابعهم.
وعجا لها أمة كذلك تندفع في نمط تقليدي عصي على التخلف وبحماس بعد فتور وإقبال بعد امتناع وانشغال بعد تجاهل وتردد لتكريمهم أمواتا بعد ما نسيانهم أحياء.
أوليس من الأجدر أن يشعر أصحاب العطاءات الثرة الجميلة وهو حي يرزق بأهميتهم، وإن لا خلاف في أنه بعد الموت تذكر المحاسن، فإن ذلك لا يغلق بتاتا باب وجوبا ذكرها في الحياة في حين لا يغعل عن ذكر مساوئ الأحياء، ولماذا لا يخبرون ويشعرون بهذا الجمال في حياتهم علما بأنه لا يكفي أن يقدر الإنسان بل أن يشعر بذلك.
وقديما تساءل أحدهم: هل الموت يجمل الأموات أم أن عيون الناس لم تكن ترى هذا الجمال، وأن أنفسهم لم تكن تشعر هي الأخرى بجمال الأشياء إلا عندما تفتقدها، ولماذا الانشغال بتطريز الأكفان ليقال للموتى كلمة طيبة ولا تطرز الكلمات في الحياة، ولماذا القول بخسارة شيء جميل لا سؤال عن أي كان كل هذا الجمال؟
وعجبا للسانها أمة ينعقد عن ذكر محاسن الأحياء، وننشغل بذكر مساوئهم، وعندما يغادرون ينطلق اللسان، ويحلو ويزك البيان في ذكر المناقب والسجايا وكأنها لا تظهر إلا في المقابر.

في بادرة طيبة ونادرة من نوعها نظم المرصد الموريتاني للغة العربية ندوة تكريمية للأستاذ محمذن ولد باباه يوم السبت 14 مايو 2016 في نواكشوط حضرها جمع غفير من المثقفين والسياسيين والدبلوماسيين والأدباء والإعلاميين وأصحاب الشهادات للرجل في مسيرته الحافلة بالنضال من أجل إعلاء مكانة اللغة العربية وما اقتضى ذلك من رسم للسياسات التربوية في شتى مواقع تبوأها ووظائف سامية شغلها وقد تدافعوا إلى منصة الخطابة.
ولأن الرجل رغم أثر السنين البادي على محياه كان حاضرا فقد وجد الفرصة النادرة والفريدة ليحس باعتزاز مشروع ويقدر فخر في محله أن مجهوداته ونضالاته و تضحياته و آماله وتطلعاته لم تذهب سدى وليرى أن ثلاثة أجيال تمثلت قاعة العرض والمؤتمرات بدار الشباب القديمة في العاصمة واستمعت في رهبة اللحظة المبتكرة إلى مسار الرجل الفذ منذ استقلال البلاد في مطلع الستينات إلى أن التحمت بأحلامه وطموحاته وآماله كوكبة استوعبت الدرس وأمسكت بخيوط الحاضر المتفتق عن وعي كبير والمتيح وسائل ووسائط متنوعة لتحقيق المآرب واستشراف المستقل.