دوافع الصراع مع عزيز إسترجاع أموال الشعب أم لإخماد لهيب عداوة أصدقاء الأمس ؟؟

السبيل نواكشوط... إن تتبع الاحداث وحده لا يكفي لاستنباط قراءة توقعية لما سيؤول إليه مستقبل البلد ، خصوصا وأن النظام الجديد انتهج الصمت في كل الأزمات السابقة ، ولا يزال يتعمد هذا الأسلوب غير المعهود لدى الموريتانيين مما يجعل الجميع في حيرة من علاقة الرئيس بالأمور الجارية ، ويضع نقاط استفهام كثيرة حول قضايا شغلت ولا تزال تشغل بال الرأي الوطني ، من أبرزها الإقالات والتغيرات في الحرس الرئاسي قبيل ذكرى الاستقلال الماضية و قضية ديون الشيخ الرضا و محاكمة عزيز و قضية البنك المركزي الموريتاني وما عقبها من عمليات تلصص وتخريب لإدارات حساسة في الدولة و كذا إقالات وتعيينات تزامنت مع تسريب صوتيات لم تتأكد علاقتها بالإجراءات الخصوصية ، فيما يظل المشهد غامضا تبقى اللجنة البرلمانية في طليعة اهتمامات المواطنين وأصحاب الرأي.

يمكن القول باختصار أن الأمر لا يخلو من احتمالين اثنين لا ثالث لهما ، إن برنامج الرئيس الذي تجاوز في الشوط الأول "بسهولة" حمل الكثير من الآمال للمواطنين بمستقبل زاخر بالأمن والازدهار وتجسيد دولة القانون والمساواة ، حيث جاءت "تعهداتي" بلغة سهلة مبسطة مفادها أن العهد عند غزواني ذو قيمة لديه لا يقبل على نفسه عدم الوفاء به وعلى ذلك أقسم ، فموريتانيا الجديدة في نظر غزواني موريتانيا القانون والمساواة ، وهذا هو ملخص الرؤية الشاملة للرجل إذ لا مجال لاستخدام النفوذ في تعطيل الحقوق ، وهو ما يجعل الرجل يعتمد على القانون كمصدر لقوة الدولة وتكريس الحكم العادل الذي هو أساس الملك ، فعزيز الصديق والرفيق عنده سواء مع أي شخص كان إذا تعلق الأمر بالقانون ، فلا اكراه على النواب من أجل التخلي عن حقهم في مساءلة عزيز ، وليكن للقضاء كلمة الفصل في هذا الموضوع ، إذ للرئيس حدود في سلطته وللنواب سلطتهم كما للقضاء ، هكذا يكون الرئيس قد أوفى بتعهداته ، فنحن اليوم في موريتانيا نعيش دولة مؤسسات "حقيقية" ، ولا مجال للتراجع عن هذا القرار الذي جمع الموريتانيين مؤيدين بمختلف مشاربهم السياسية.

هذا الاحتمال الأول قد يبدو لدى الكثيرين ضربا من الخيال ،فالامس القريب يتناقض مع هذا الطرح إذ يعتبرون أن غزواني وعزيز وجهان لعملة واحدة ، فلم يكن عزيز دون غزواني قادرا على إتمام فترة حكمه كما لم يكن غزواني أيضا في غنى عن رفيق دربه ، إلا أن الحقيقة تبقى مجهولة لدينا ، فقط ما نفهمه من سلوكهما أنهما شخص واحد.

إن مسار الاحداث الأخير وتحديدا عند ذكرى الاستقلال الماضية يجعلنا نعيد التفكير قليلا كي نقدم طرحا آخر لعله يحمل في طياته بعض المنطق ، فما تم تداوله في الصالونات يجعل من الحدث – وهنا أقصد ذكرى الاستقلال – بداية تحول مهم في مسار العلاقة الشخصية بين المحمدين ، والتي يمكن القول بأنها بداية التحول من سيء إلى أسوء ، من هنا أراد غزواني بعد ما زاد في تأكده حتى بلغ درجة اليقين أن يرد على عزيز بطريقته الخاصة فسلك بيه أصعب المسالك واختار من بين ما كان يمكن أن يختار "محكمة العدل السامية" ، فالكتيبة البرلمانية كما تعودنا رهن إشارة الرئيس أيا كان ، وأنتم تتذكرون ذلك جيدا بداية من طلب مأمورية ثالثة وانتهاء عند مواجهة قانونية صعبة ، وهو ما يؤكد أن مسار المحكمة انطلق من قصر الرئيس نحو قبة البرلمان ولم يبدأ من البرلمان كما هو ظاهر للعيان .

إن محاكمة عزيز أيا كان الدافع وراءها ستحقق تغييرا عميقا وملموسا في جميع مفاصل الدولة ، فهي نهج جديد وليست استمرارا للنهج كما كان الخطاب الأول ، وهي نقطة الانطلاق نحو دولة القانون والعدل والمساواة.

عبد الله ولد امباتي...

السبيل نواكشوط