السجناء السلفيون في مقابلة مع "مراسلون": كان لدينا موقف خاطئ من النظام اتضح لنا خلافه!

أعد الحوار وأجراه وحرره: أحمد سالم ولد باب

رغم الحراك الحقوقي العريض، الذي طالت "بركاته" خلال السنوات الأخيرة البشر والشجر والبر والبحر؛ يشعر 33 سجينا سلفيا في موريتانيا أنه "لا بواكي لهم"!

ويكاد عقد من الزمن ينقضي على كثير من هؤلاء خلف قضبان السجن المدني بانواكشوط، لا يُذَكِّر بقضيتهم إلا تلك الوقفات التي ينظمها أهلوهم بين الحين والآخر.

وفي حوار أجرته "مراسلون" مع السجناء السلفيين، كان الأهالي واسطته، واستغرق إعداده أكثر من أسبوعين، ووافق على مضمونه 23 سجينا، أوضح هؤلاء أنه "جرت مياه كثيرة تحت الجسر" خلال هذا العقد، فهم «باتوا يؤمنون، أكثر من أي وقت مضى، بضرورة التعايش السلمي بينهم وجميع مكونات المجتمع، وفقا لرؤية شمولية اتضحت لهم»، وقضيتهم «كانت موقفا شرعيا مغلوطا تبنوه من النظام، وقد اتضح لهم خلافه».

والآن يطالب 23 سجينا سلفيا، من أصل 33، بحوار جديد مع النظام «يدمجنا في المجتمع، ويمنحنا فرصا للحياة الطبيعية مع أحبابنا وذوينا، وأن نصلح ما أمكن... ».

ويتطلع هؤلاء بلهفة إلى اليوم الذين يعودون فيه إلى «أسر فقيرة، تعاني البعد والحرمان من عائلها الأساسي، رغم ما يتسبب فيه ذلك البعد من المآسي الاجتماعية..

وإلى "أفراخ زُغْب الحواصل لا ماء ولا شجر"، بلغوا سن الدراسة، وهم عرضة للضياع نتيجة غياب الآباء، الذين هم في الغالب المعلم الأول..

وإلى آباء وأمهات بلغوا من العمر حدا يحتاجون معه لرعاية أبنائهم السجناء».

وهم اليوم يرسلون رسالة إلى السلطة والمجتمع مفادها أن: «أطلقوا سراحنا فقد تاب مما "تحسبون" يزيد»!

ما الذي يشكوه السجناء السلفيون؟

ما الذي يشكوه السجناء السلفيون حاليا: استمرار تقييد حريتهم رغم انقضاء آجال الأحكام؟ أم سوء المعاملة؟ أم ذلك كله؟

نشكو «قسوة الأحكام الصادرة بحقنا، وطول المدة وراء القضبان على مدى عقد من الزمن دون أي نتيجة تذكر».

ويستغرب السجناء «حرمانهم التام من أي عفو رئاسي، رغم أن غيرهم يرتكب الجرائم العظام مع سبق إصرار وترصد، مع هذا يطلق سراحه ويكرم مثواه، ويستفيد من كل فرصة قضائية، أو حرية مشروطة، وهو لم يعلن توبة ولا ندما، وليس هو بالمتأول في أفعاله».

ويضيف السجناء في مرارة: «رغم اعترافنا بالأخطاء السالفة لم نستفد من أي عفو، ولا حرية مشروطة، ولا حرية مؤقتة، وتصدر في حقنا أحكام تفوق القسوة وصفا».

أما عن معاملة السجانين فيعترفون بأنها «توصف - منذ مجيء هذه الدفعة الأخيرة بالجيدة - خلافا لأغلب سابقاتها».

وعن عدد السجناء السلفيين، وطبيعة التهم الموجهة إليهم، وعن مكان احتجازهم فيقولون: «إن عدد السجناء السلفيين 33 سجينا، كلهم في السجن المدني بانواكشوط إلا واحدا، يوجد بسجن دار النعيم».

أما التهم فتتمثل في «الترويج لجماعات إرهابية، والانتماء إلى جمعية أشرار، والتعصب الديني، وحمل السلاح، والتدريب، ومحاولة اختطاف رعايا أجانب، وغيرها... كل له منها تهمة أو اثنتان أو ثلاث».

وقد أكد السجناء أنهم يدعون إلى «حوار مع السلطة، والنتيجة التي نرجوها من ورائه أن يتم إطلاق سراحنا، ودمجنا في المجتمع، ومنحنا فرصا للحياة الطبيعية مع أحبابنا وذوينا، وأن نصلح ما أمكن...».

ساهمت كتب ابن بيه والددو والقرضاوي في تغيير آرائنا

أما كيف اقتنع السلفيون بمبدإ الحوار؟ وكيف اقتنعوا أن الموقف الذي اتخذوه من السلطة كان خطأ؟

فقد حصل ذلك بعد «أن علمنا خطأ العنف، وعلمنا أنا وضعنا الشدة في غير موضعها، ولِما رأينا من تجارب القرون السالفة، وأعظمها تجربة الرعيل الأول من المسلمين، فقد كانت جل الحلول الناجعة والناجحة تأتي عن طريق الحوار والإقناع، ومن أنصع ذلك وأوضحه ما انتهجه النبي صلى الله عليه وسلم مع من يدعوهم، ومن ذلك قصة الرجل الذي اشترط إباحة الزنا لدخوله الإسلام، فرده ردا جميلا: (تحبه لأمك؟ تحبه لأختك؟)، وقصة علي مع الخوارج حين أرسل إليهم ابن عباس، وغير ذلك من القصص، زيادة على بعض التجارب المعاصرة كتجربتنا السابقة مثلا.

أما كيف اقتنعنا أن الموقف الذي اتخذناه من السلطة كان خاطئا، فنظرنا إلى مآلات كل الجماعات التي انتهجت العنف والشدة منهجا، والإسلام جاء لحفظ النفس والمال والعرض والدين والعقل، ولم نر أيا منها حفظ ذلك، بل زاد ضياعها في العراق وسوريا مثلا.

ثانيا أننا وجدنا الفرصة لقراءة كتب أهل العلم في الموضوعات التي أُتينا من قِبَلِهَا كالتكفير والخروج على الحاكم وغيرها من المواضيع؛ ككتاب "خطاب الأمن في الإسلام وثقافة التسامح والوئام" للشيخ عبد الله ولد بيه، وكتاب "فقه الخلاف" للشيخ محمد الحسن ولد الددو، وكتاب "ظاهرة الغلو في التكفير" للشيخ يوسف القرضاوي.

وكنا نتابع الندوات التي تقام من طرف مفكرين وعلماء حول ترشيد الشباب وتحصينه، مثل الندوات التي كان يقيمها المعهد الموريتاني للدراسات الإستراتيجية، وكذلك بيان العلماء الذين زاروا السجن في الحوار الماضي».

وهل حصل تواصل بين السجناء السلفيين وبين النظام الجديد بشأن الحوار؟

«لا لم يحصل تواصل بشكل مباشر مع السلطة، ونرجو ونأمل أن يتم ذلك في القريب العاجل، ليكون حافزا ودعما لغيرنا ممن يرغبون في التراجع عن تلك القناعات والمناهج التي لا مصلحة فيها للفرد والمجتمع».

لا يتفق السجناء السلفيون جميعا على مبدأ الحوار مع السلطة

وقد حملت إليهم شائعة مفادها أنني سمعتُ أن السجناء السلفيين لا يتفقون جميعا على مبدأ الحوار مع السلطة، ويبدو أن الأمر صحيح، فـ«السجناء السلفيون ليسوا تنظيما ولا جماعة، فلكل منهم خلفيته وقناعته وأسباب سجنه، ولا يجمعهم ملف واحد، وبعضهم لم يسبق له أن تَعرف على غيره إلا في السجن، إلا أن أغلبهم ولله الحمد متفقون (ثلاثة وعشرون سجينا من أصل ثلاثة وثلاثين) على القطيعة مع الماضي، ومبدأ الحوار مع السلطة، وإصلاح المسار والذات».

لكن هناك مشكلة، وهي أن بعض السلفيين التحق في الماضي، فور العفو عنه، نتيجة الحوار السابق، بالجماعات المقاتلة في شمال مالي.. فما الضمانات التي يمكن أن تمنع تكرار هذا الأمر؟

«ما ذكرته عن رجوع البعض إلى الجماعات، ممن شاركوا في الحوار الماضي، يتسم بعدم الدقة؛ إذ لا نعلم رجوع أحد من هؤلاء إلا واحدا، والحقيقة أنه أُخْرِج تحت عباءة الحوار بوساطة من جهة ما، وقد كان يكتب في الصحف يومها أنه لا زال متمسكا بقتال النظام وتكفيره، وقد كرر نفس الشيء أثناء المحاكمة، ولم يكن ممن استقبل العلماء الذين جاؤوا من أجل الحوار، فكل ما نعلمه هو أن الذين خرجوا في الحوار الماضي، وهم مقتنعون به مشاركون فيه، لا زالوا في البلد، وقد كانت مشاركتهم في الحوار الماضي عن قناعة راسخة، ولم يلتحق أي منهم بجماعة على حد علمنا.

وأما ما نقدم لضمان عدم عَوْدِنا فهو عهودنا التي تلزمنا شرعا ومروءة، ونرى الغدر سُبَّةً، وكذلك لكل منا قبيلة وحاضنة اجتماعية مستعدة لضمانه، وبعد ذلك نحن مستعدون للضمانات التي ترى الدولة أنها تضمن مستقبل الحوار».

كان لدينا موقف مغلوط من النظام اتضح لنا خلافه

من الواجب أيضا أن يطمئن شركاء السلفيين في الوطن، الذين يخالفونهم الرأي والتوجه، إلى أنهم يقبلون مبدأ التعددية في المجتمع، فهل هم مستعدون لقبول أن في المجتمع صوفيين وفروعيين وعلمانيين؟

«السلفيون باتوا يؤمنون أكثر من أي وقت مضى بضرورة التعايش السلمي بينهم وجميع مكونات المجتمع، وفقا لرؤية شمولية اتضحت لنا، تضع مصالح البلد واستقراره فوق كل القناعات، والتعايش السلمي ضرورة يقتضيها العصر والمصلحة».

جيد، وهل يعني هذا أنهم يقبلون أن تحل المغالبة السياسية السلمية، بقواعدها المعروفة، محل تكفير المجتمع وهجره؟

«نود أن نصحح معلومة متداولة على نطاق واسع، وهي اتهامنا أننا كنا نكفر المجتمع ونهجره، وهذا غير صحيح، ونحن بعيدون من ذلك كل البعد قديما وحديثا...

القضية كانت موقفا شرعيا مغلوطا، تبنيناه من النظام واتضح لنا خلافه.

وأما قبولنا بالمغالبة السياسية فنعم، فنحن اليوم ولله الحمد بتنا أكثر نضجا ووعيا وفقها ورشدا، وتقبلا للتعددية السياسية والفكرية، وأن ذلك لا يشكل عائقا أمام الإصلاح، بل هذا التعدد ضرورة يقتضيها الوجود البشري على هذه الأرض...».

حملنا الوفد البرلماني رسالة إلى رئيس الجمهورية

سمعنا أن لجنة برلمانية زارت السجن.. هل تعلقون أملا على هذه الزيارة؟

«نعم، لقد زارنا وفد من الكرام، يرأسه الشيخ الدكتور النائب الخليل ولد أنحوي، ونائبه النائب الفاضل محمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل، ممثلين للنواب، وهم أول وفد نلمس منه الاهتمام بقضايانا بشكل جاد، وقد حملناهم رسالة خطية إلى رئيس الجمهورية والشعب الموريتاني، بما نحن عليه وما نريد، وكلنا أمل أن يكونوا فاتحة خير وبارقة أمل لإنهاء قضيتنا وحلحلة هذا الملف.

ولا ننسى في هذه السانحة أن نشكر لهم سعيهم، ونثمن جهدهم، ونسأل الله تعالى أن يكلل مساعيهم بالنجاح».

أخيرا.. كيف يرى السجناء السلفيون الحياة خارج السجن إذا تم إطلاق سراحهم؟

«نراها بروح مفعمة بالأمل الممزوج بالتفاؤل، أمل في أن نَسُدَّ ثغرة أَبٍ غيّبته المحن ردحا من الزمن.. ثغرة ابن فقدته أمه في معمعان الفتن.. ثغرة زوج ضاعت أسرته...

تفاؤلا بمستقبل ملؤه العطاء والبذل والحرص على كيان البلد مجتمعا متلاحما».