الحوار السياسي المرتقب ...التحديات والفرص (تقدير موقف)

احتل مصطلح الحوار مكانة سمية في التداول السياسي في البلاد منذ الاستقلال إلى اليوم، بل كان مؤتمر ألاك على سبيل المثال سنة 1958 أول منصة للحوار الوطني بين الأطياف والقوى القبلية والسياسية في البلاد.

وقد استمرت الوتيرة بعد ذلك في الدعوة إلى الحوار أو ممارسة أشكال منه كلما مرت البلاد بمنعطف سياسي أو فترة انتقالية ماسة، وهكذا أدار البلاد الطاولة المستديرة سنة 1961، ولاحقا مؤتمرات الشباب الحزبية، ومؤتمر التقريب سنة 1974.

ثم تأسست بعد ذلك عدة محاولات للحوار الوطني، من أبرزها الحوار السياسي الذي أقامه حزب RDU سنة 2004 بين مختلف الأطياف السياسية في البلد.

ولاحقا سنجد مخرجات الحوارات الوطنية المتعددة، منذ 2005 وحتى 2011 وما حققته من تطوير في مجالات سياسية واجتماعية متعددة من بينها

إصلاح المدونة الانتخابية – تجريم الرق – تحديد مأمورية الرئيس –الحرية الحريات – حقوق وحريات الصحافة الخ.

لكن هذه الحوارات المختلفة لم تمنع من فترات صعبة من الاحتقان السياسي ولم تمنع مخرجاتها من الانقلابات العسكرية، ولا وطدت الإخاء الوطني، ولا حدت من الدعاية والشحن العنصري.

ولعل السبب في ذلك يعود إلى غياب التوازن بين مراكز النفوذ في السلطة، واضطراب الأجندات السياسية لمختلف الأطراف، وغياب التوازي بين السلطة والأطراف المعارضة، التي تتقدم المشهد مشتتة في برامجها ورموزها ودوائرها الشعبية.

ومنذ وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى السلطة، عاد مصطلح التشاور والتهدئة السياسية إلى الواجهة، خصوصا أنه يأتي بعد فترة احتقان وانسداد سياسي عصيب، وبعد عشر سنوات من تصدر الاستقطاب والصراع السياسي بين الرئيس السابق وأكثر من طرف وجهة سياسية واجتماعية واقتصادية.

ومع مطالبة القوى السياسية المعارضة وإلحاحها على الحوار السياسي مع إقرارها بعدم وجود أزمة سياسية ولا توتر في العلاقة مع النظام فإن أسئلة كثيرة تطرح نفسها الآن على المشهد

- إلى أي حد يمكن وصف الحوار السياسي بالأولوية، وهل توازي أهميته أولوية البناء الاقتصادي والنهوض التنموي، خصوصا أن البلد يعاني من وضعية اقتصادية مؤلمة ومن تدهور تنموي غير مسبوق، وهل الأولوية بالفعل حوار سياسي أو حوار اجتماعي وتنموي فعال

- ماهي المخرجات التي ينبغي أن يصل إليها التشاور الوطني، ولم تكن من مخرجات الحوارات السابقة.

- ماهي الأطراف المعنية بالحوار، وهل ينبغي أن تكون حوارا مباشرا بين النظام والقوى السياسية والنقابية أم بين الحزب الحاكم ونظرائه السياسيين

- ما موقع المؤسسة العسكرية من الحوار السياسي المرتقب..

- هل سيشمل الحوار مواضيع من قبيل نظام الحكم والمؤسسات الدستورية – الحكامة الإدارية – إشكالات الوحدة الوطنية – التنمية الجهوية – الإصلاح العقاري – تسيير الثروات – قضايا الشباب والمرأة.

- في ظل مطالبة بعض الأطراف القريبة من السلطة، بإلغاء المجالس الجهوية، هل ستتجه السلطة إلى تعديل دستوري يسمح بإلغاء هذه المجالس، وهل سيعني تعديل الدستور إقرار تعديلات أخرى، تطالب بها أطراف سياسية متعددة ( مطالب الزنوج – العلم والنشيد الوطني  - الخ)

- كيف ستتعامل السلطة مع الاشتراطات التي تتقدم بها الأطراف المعارضة، قبل دخول الحوار معتبرة أنها ممهدات لا بد منها

هل تجد السلطة نفسها في وضع سياسي مناسب لدخول حوار موسع مع مختلف الأطياف السياسية، وهل هي مستعدة بالفعل لتنفيذ بعض مخرجاته مثل

- حكومة وطنية موسعة

- انتخابات سريعة

- تعديل الدستور وتقنين المخرجات المتوقعة.

- مراجعة دور المؤسسة العسكرية في المشهد السياسي والوطني عموما.

 

آفاق النجاح

 

يتسع أفق النجاح أمام الحوار المرتقب لأسباب متعددة أبرزها

- سعي السلطة إلى إشراك جميع الطيف السياسي في الحوار، واعتراضها على إقامة حوار جزئي مع طرف أو أطراف مع المعارضة في غياب الأطراف الأخرى، وهو ما يفسر تأخر انطلاق الحوار، رغم مرور عدة أشهر على التحضير له.

- ذوبان الجليد السياسي مع مختلف أطراف المعارضة: وخصوصا المعارضة التقليدية، وكذا المعارضة العرقية، وهو ما يمثل أرضية سياسية للحوار، خصوصا مع ارتفاع مؤشرات الثقة بين النظام وأطراف متعددة من المعارضة.

 

إشكالات أخرى

 

يمكن الحديث عن جملة من الإشكالات المتعلقة بالحوار من أبرزها

- موقع الرئاسة من الحوار: هل ستكون طرفا في الحوار أم سيكون حوارا بين القوى السياسية، ليكون دور الرئاسة، دور المرجعية والضامن لتحقيق مخرجات الحوار

- تضارب مرجعيات المعارضة: وخطاباتها السياسية، وتناقض أولوياتها، رغم سعيها إلى إصدار وثيقة مرجعية توافقية، إلا أن ماضي علاقاتها لا يعزز الثقة في توافقها على خط واحد.

 

 

ورغم هذه الإشكالات تبقى الأجواء العامة للبلد، دافعة إلى التفاؤل بشأن حوار سياسي جديد، يطور الآلية الديمقراطية في البلد، ويضفي لمسات تحديثية على أنماط الحكامة السائدة .