هل يصحب الإعلام نبض التحول؟ / الولي سيدي هيبه

لا شك أن أفراد الرعيل الأول الذين انتدبوا لوضع أسس “إعلام” البلد قاموا بعمل جبار ولجوا ميدانه بتميز لافت، غير مسبوق ومن لا شيء حتى استطاعوا بذكائهم وعبقريتهم أن يواكبوا بجدارة عالية مسار التأسيس إلى أن تبدلت أحوال البلد فجأة. وبدل أن يستمر مد الرسالة الإعلامية تصاعديا كما كان إلزاما، فقد تهاوى منحدرا لتهبط معه قيم الصحافة ويختلط حابل التحول، الذي شابه “الجفاف” فوق الثلاثيني وحرب الصحراء الضروس الغير متوقعة، بحابل انقلاب القيم وترجل أهلها عن صهوات “المبادئ” إلى مستنقعات الاصطفاف النفعي والهبوط إلى منحدرات الضياع التي حفر “الفسادُ” أخاديدها، وضرب حولها “المفسدون” أسوار “النهب” الممنهج، وابتدعوا فيها أطناب طرائق التبذير.

وكان ذلك إيذانا بدخول البلاد الناشئة من “لا دولة” في أتون مجريات منعطف “تخنث” فيه “الإعلام”، و الخروج على إيقاع تشكلها، فمال كثير أصحابه هذا الإعلام،  من جيلي التأسيس والمصاحب ومن بعض اللاحقين، حيث مالت رياح “قوى الصراعات” على الحكم منذ الانقلاب الذي أطاح بالدولة المدنية الأولى برئاسة المؤسس الأستاذ المختار ولد داداه، تلكم القوى التي كانت كل منها تبقى على “المُغير نغمتَه” و”وردَه” دون السبحة في ذات قوالب الإعلام المبقي على لغة “الخشب” التي لا تتطلب التحيين بقدر مطالبتها بالولاء والتبعية.

ومن هذه المعادلة الراسية على “قواعد الجمود” خرج من الرعيل الأول والثاني بناةُ زمنهِم ومبدعون مجددون غير مطلوبين إلا بما يعارض مبادئهم ويزعزع التزامهم بمساطر الإعلام “الأخلاقية”.

ولما لم يكن هؤلاء الفرسان مطلوبين، كما سلف، فقد تفرقوا “شيعا”، ذهب منهم البعض إلى الخارج بحثا فرصته، وبدل منهم البعض الآخر المهنة للقمة العيش في ظل صون الكرامة، فيما قبل آخرون سياط “الرداءة” مقابل بقاء “مذل” في الأروقة الخلفية والدهاليز المظلمة للمؤسسات الصحفية الرسمية وللاستشارية الغير مربحة لدى الخصوصية الغير حرفية.

وبالطبع تظل هذه الوضعية المختلة السبب الحقيقي في تعطيل “الإعلام” عن الاضطلاع بدوره المحوري  كرافعة مصاحبة وعين مراقبة ومنبهة  حتى بات لا “يخبر” بحرفية وتجرد وحياد ومصداقية.

و فيما الإعلام الرسمي لا تزال تديره نفس الأطقم، التي كانت أذرع العشرية ونبضها وقد حمى أفرادها طيلة المأموريتين المفسدين فغطوا على نهبهم الصارخ، وصاحبوا بصمت المتمالئ والمغطي على فسادهم العارم، وتبرير تلاعبهم بمقدرات البلد وثرواته بالتحريف والتستر.

ويبقى الأمل معقودا لتصحيح دوره وتنقية أطقمه على كامل تنفيذ التعليمات التي أعطى رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني وقد صدرت إثر اطلاعه على محتوى التقرير المفصل الذي رفعته إليه اللجنة العليا لإصلاح الصحافة التي أمر بتشكيلها وأسند رئاستها للدبلوماسي والإعلامي المخضرم محمد محمود ولد ودادي لتعد تقريرا مفصلا عن وضعية الصحافة من ناحية، ومقترحات تصور للحلول الناجعة سبيلا إلى إصلاح قطاع الإعلام المتعطل عن دوره المحوري، وهو الوعد الذي قطعه رئيس الجمهورية وقد أدرك بحسه الإعلامي العالي أن من شان ذلك التمكين لتنفيذ برنامج الإقلاع التنموي الاقتصادي الذي وضع كل تفاصيله ضمن برنامج تعهداتي الشامل.