أطفال بموريتانيا وأحلام الدراسة

فروا مع جدهم من حرب مالي قبل ثلاث سنوات، لحظتها كان سليمان يبلغ من العمر 13 عامًا فقط وشقيقه، 9 أعوام، والآن يعيشان في نواكشوط، عاصمة موريتانيا، لكنهما تحت رحمة مدرس للقرآن؛ يجبرهما على التسول في شوارع المدينة كل يوم.
اضطر محمد البلال إلى ترك المدرسة في سن الثانية عشرة، الآن يقضي ساعات في بيع الكسكس في الشوارع، وركل الكرة في رمال الساحل، في وقت من الصعب رؤية طفل يلعب أو يمشي على الرمال، في أوقات المدرسة.
أما عبد الله، فيكافح للذهاب إلى الفصل كل يوم، على الرغم من أن والدته لا تستطيع شراء لوازم مدرسية، أو عكازًا لمساعدته على المشي.
وتفسر مثل هذه القصص، سبب عدم إنهاء 92 بالمئة، من الأطفال في موريتانيا تعليمهم الثانوي، وهو وضع تفاقم مع جائحة فيروس كورونا.
المئات منهم ليس لديهم وثائق، ومن يمتلكونها، يجبرهم الفقر على ترك كتبهم ومقاعد الدراسة.
أطفال التسول
“كلنا نريد الذهاب إلى أوروبا، ما لا نريده هو أن نموت”، هكذا يلخص حسن، البالغ من العمر 16 عامًا، والذي تمكن من إكمال دراسته الثانوية بفضل مساعدة المنظمات غير الحكومية في البلاد.
ويقول سليمان، وهو لاجئ مالي يبلغ من العمر 16 عامًا، “كل يوم علينا أن نحصل على 500 أوقية (العملة الموريتانية)، نذهب إلى الشارع ونطلب المال من الأشخاص الذين يقودون سياراتهم”.
شقيقه الأصغر، لديه نفس المهمة لأنه ليس لديه حل آخر؛ وكلهم يتعرضون لضغوط من معلم قرآني، والذي، من حيث المبدأ، وفِي الظروف العادية؛ يجب أن يعلمهم القراءة والكتابة، ولكن في هذه الظروف غير العادية يعلمهم التسول.
لم يلمسوا كتابًا قط، كما يشرح سليمان ذلك ورأسه مطأطأ، وغير قادر على النظر، وفيما كان يحدثنا، كان شقيقه يركض حول سطح أحد المنازل، مرتديًا قميصًا ممزقًا، كان أبيضًا في يوم من الأيام.
“يجب علينا الذهاب إلى إسبانيا لمساعدة عائلاتنا، ليكون لنا مستقبل”، يشرح حبيب روسو، الموريتاني البالغ من العمر 14 عامًا؛ الذي انقطع عن الدراسة، واعتقل مرةً لسرقة هاتف محمول.
ويقول حبيب، الذي بدأ بالفعل في التوقف عن الذهاب إلى الفصل، “أنا الابن الأكبر للعائلة، ومن واجبي أن أعيد لوالدي ما فعلوه من أجلي”.
92 بالمئة، من الأطفال الموريتانيين لا يكملون تعليمهم الثانوي، وهو رقم مرتفع بين الفتيات اللواتي يغادرن المدرسة الابتدائية.
وفي تيارت، أحد أفقر أحياء نواكشوط، لا توجد حتى مدارس عامة؛ المكان حي نصف مبني، محاط بالرمال، تعيش فيه عائلات مهاجرة من المناطق الريفية، أو من الدول المجاورة.
“هناك أكثر من 200 طفل ليسوا حتى في السجلات”، حسب قول ربيعة الشيخ، فاعلة مدنية موريتانية، ورئيسة منظمة غير حكومية.
أما في تفرغ زينة، حي آخر ذو مستويات دخل عالية، مئات الأطفال خارج المدرسة ووقعوا ضحايا للعنف أو الاستغلال أو سوء التغذية، وفق مصادر حقوقية حدثتها “رأي اليوم”.
في موريتانيا، تصرخ التناقض في زاوية وكل حي، فهنا بالقرب من منازل الأثرياء ذات الحدائق، والمحمية بالجدران الشاهقة، تعيش عائلات بأكملها في خيمٍ، أو منازل صغيرة مصنوعة من الخشب.
وينفي مجلس المدينة “سوء الإدارة” لولايته، ويقول أنه “طبق خطة تجريبية في 11 مدرسة ابتدائية عامة”.
وتتكون هذه الخطة من تقديم وجبة يومية لجميع الطلاب، وخفض هذا الإجراء نسبة التغيب عن المدرسة من 88 بالمئة إلى 68 بالمئة.
ولكن من الواضح أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به، فهناك أطفال لا يمكنهم الذهاب إلى المدرسة لأنهم غير مسجلين.
“شيء غير مفهوم!”، كما يقول الشيخ لمام الحضرمي، مدرس ونشط في منظمات اجتماعية.
هناك، التقينا صبيًا، اسمه محمد البلال، يبلغ من العمر 14 عامًا، وقد مضى عامان منذ أن ترك دراسته؛ ونظرًا لقلة الإمكانيات المدرسية، وجدت الأسرة له بالفعل وظيفة؛ بيع الكسكس في الشارع!.
ويعمل آخرون في أكشاك الشوارع أو يصلحون السيارات، “كل يوم للذهاب إلى المدرسة أقابل حوالي أطفالًا في الـ8 والـ9 من العمر في ورشة ميكانيكية… اضطروا لترك المدرسة للذهاب إلى العمل”، حسب ما يؤكده الحضرمي لهذه الصحيفة.
إنها واحدة من آفات بلد “لا يعتبر فيه تعليم الأطفال إلزاميًا أو شيئا ضروريًا”، يقول الحضرمي متأسفًا.

وأدى إغلاق المدارس، أثناء جائحة الفيروس التاجي “كوفيد-19″؛ إلى تفاقم وضع القاصرين؛ و”هناك أطفال عملوا خلال تلك الأشهر ولم يعد آباؤهم يرون ضرورة عودتهم”، يؤكد الناشط.
لا حق للمهاجرين
الحق في الذهاب إلى المدرسة، هو أمر ممنوع على الأطفال المهاجرين في موريتانيا، وتوضح ليدي ندياي، رئيسة منظمة المهاجرين في نواذيبو، “لا يمكن لمن لا يحملون أوراقًا ثبوتية، اجتياز الامتحانات الرسمية”.
وتهتم منظمتها بحوالي 500 طفل، وتمنحهم دروسًا غير رسمية؛ “يعيش البعض مع آبائهم، والبعض الآخر يعيشون بمفردهم ويعملون”.
وهناك أطفال تخلى عنهم آباؤهم، عندما هاجروا في قوارب الموت؛ لأنهم لا يستطيعون الاعتناء بهم، وآخرون “تيتموا بعد موت الأهل في البحر”، كما تصف ندياي.
يقول أمادو بارو، الحلاق الغيني الذي جاء مع زوجته وطفليه إلى نواذيبو للبحث عن حياة أفضل في عام 2010، أنه “لولا منظمة ندياي، لما عرف أطفالي القراءة والكتابة”.
أما عبد الله محمد، الصبي المعاق، الذي يبلغ من العمر 7 سنوات؛ فيحلم “بامتلاك دراجة وساق”.
عندما كان يبلغ من العمر بضعة أشهر، انفجرت عليه قنينة البوتان وفقد ساقه إلى الأبد، فصار يمشي بالعكاز الوحيد الذي امتلكه في حياته، والذي يصل الآن إلى ركبتيه.
ولا يجد الأطفال الموريتانيون سهولة في البقاء في المدرسة، لكن أولئك الذين ولدوا خارج البلاد محرومون من الدراسة الثانوية، وهذا هو السبب في أن عمل الكيانات الاجتماعية يستحق الثناء.
في حي تفرغ زينة، تقوم مجموعة من المنظمات غير الحكومية المحلية، بإيواء أطفال الشوارع، وتساعدهم على العودة إلى المدرسة.
“التقينا ببعض الأطفال الذين جاؤوا من القرى، والذين كانوا يعملون في الشوارع ليتمكنوا من دفع رسوم الهجرة إلى أوروبا… قررنا إيوائهم، ونرسل الطعام كل شهر إلى عائلاتهم، ومنذ ذلك الحين عادوا إلى المدرسة ويقولون إنهم لم يعودوا يريدون المخاطرة بحياتهم في البحر”، كما يقول أحد النشطاء المدنيين لـ”رأي اليوم”.
ويقول صبي آخر يقيم في هذه الشقة، “بالطبع نريد جميعًا الذهاب إلى أوروبا، كل أسرة تريد أن يدرس أطفالها هناك، لأنه المستقبل الوحيد لدينا”.
اسمه حسن، يبلغ من العمر 16 عامًا تعيش عائلته في قرية في وسط الساحل، “كانت لديهم خيول وماشية… لكن قلة الأمطار أثرت علينا كثيرا، هناك طعام أقل وأقل للماشية وهم فقراء جدا”.
الفتى جاء إلى العاصمة لدراسة المدرسة الثانوية، ويتابع قائلًا “لو لم ألتق بهذه المنظمة غير الحكومية، فلا أعرف أين سأكون”.
لقد افترض أن هذا هو أمل عائلته، لكنه لا يريد ركوب قارب تحت أي ظرف من الظروف، “لا نريد أن نموت في البحر، نريد فقط مكانًا يمكننا فيه العيش والدراسة والعمل والحصول على حقوق”، يتابع.
لا يحلم إلا بمواصلة الدراسة، “إذا حصلت على درجات جيدة، فربما أحصل على منحة دراسية في أوروبا للدراسة في الجامعة” يقول بحماس.