من تاريخ الإلحاد في هذه البلاد/ زايد المسلمين ولد ما العينين

في مطار من مطارات مدن العالم تقدم الي رجل في منتصف العمر جميل المحيا بجبهته اثر سجود يظهر بالنظرة الاولي ، ويختفي اذا أعدت النظر اليه ، حفرت في ذاكرتي عمن يكون فلم أتذكره ، لاحظ انني لم اعرفه فلم يقدم نفسه ولم أتجرأ علي سؤاله ركبنا الطائرة و قبل هبوطها بقليل تذكرت او خمنت انه ربما يكون صديق صديقي الملحد سعيد. تمنيت لو يكون هو ولأ قطع الشك باليقين هرولت نازلا من الطائرة فور هبوطها لأ سبقه الي من اعرف انه يكون دائما في استقبال المسافرين ويعرفني ويعرف سعيد ولم يخب ظني كان المعني هو سعيد ، لقد كان سعيد ملحدا الحادا حادا طالما ناقشته معه ومع صديقنا المشترك بداية الثمانينات. كان صديقنا المشترك ايضا ملحدا تتلمذ في إلحاده علي يد صديقه وزميله في محظرة الحي الذي بهرته مدن الشمال الامريكي الكندية فاعتقد ان ماكان تلقاه علي يد أبويه الطاهرين ليس الا ترهات واباطيل وانه ” وما يهلكنا الا الدهر ” كان اكتشافي لصديقي انه ملحد في نقاشنا لموضوعية القرءان في نقاشه لخصومه فيورد دعاويهم دون تعتيم او هروب ويرد عليها فجاءت منه سقطة ان نسب القرءان لمحمد صَل الله عليه وسلم بدل انه كتاب الله المنزل من عنده ، كنت شديد الاعتداد بمبدأ حرية الاخر في رأيه الا انه في الحقيقة صدمني الحاد صديقي المهندس المتميز و المثقف والفقيه البارع وصرت امازحه بالفقيه الملحد ، توالت احداث الدهر وشطحاته لأ تعرّف علي كثير من الشباب اذ ذاك الملحد حتي صرت اعرفهم في لحن القول وفلتات اللسان ودوام الدخول مع اول مصل دون عناء الوضوء او التيمم ، وقد لقيت بعد سنوات جمهرة من شباب الحوض الشرقي يثيرون نكتا حول احد السياسيين الذي صحبوه في حملة سياسية بان وضوءه لا ينقض فهو دائما علي طهارة . لقد كان الإلحاد فاشيا في شبابنا اكثر من الان ولقد كانت المساجد خالية منهم حتي ان احدهم لا يحتاج لسؤال صاحبه عن إلحاده فكان أصلا عندهم حتي يثبت العكس وترسخت في ممارسة المؤمنين من أصحابهم الانفراد بالصلاة والتخفي بها حتي صارت طبعا لهم وديدنا ، حدثني احدهم انه شرع يصلي بجماعة من أصدقائه وهو ليس ملحدا فاقترب احدهم من أذنه وقال له اختصر لنا الصلاة واجعل لنا الركعة الاولي هي الاخيرة واتبع ذلك بالقول تعرف ان امر الصلاة ليس جديا عندك هذ الشخص نفسه ساله احد هم هل أنت صائم فقال تمنعني ثلاث : مسافر وكافر ومريض لكن هذ الشخص ايضا الان من اكبر روادي المساجد والمحافظين علي الصلاة فقد رجع اليه إيمانه عن قناعة وتسليم . كان صديقي الذي ساسميه عبد الله مبهورا بالإلحاد وطالما جادلته انا وصديقا ءاخر مؤمنا فكنانحاصره بالأسئلة فيعجز عن الرد ويلجأ الي رد الأسئلة بأسئلة لنا ، كانت لديه مشكلة منظومة القيم السائدة في المجتمع فبمقتضي الإلحاد تغدوا المبادئ والا خلاق وعمل البر مما لا داعي له كالطهارة وعقد النكاح وووجوب الذكاة ووجوب الصدق والامانة ، وهو يرد بانه ربما علي الانسان ان يحتفظ بها مراعاة لا نسجام المجتمع وسكينته ، لم تطل صحبتنا الا سنتين حتي تزوج صديقي وفي احدي زيارتي له ضبطته متلبسا بقراءة المصحف أظهرت له ان الامر عادي وحمدت الله في قرارة نفسي – بوصفي شخصا غير محايد بشان الايمان – وان كنت لا اعرف هل هي مجرد مطالعة ام قراءة تدبر وايمان لم يلبث الجواب ان جاءني منه بعد ايام وان لم يقنعني في حينه لقد قال لي تزوجت ولدي مسؤولية ابناء في مجتمع لابد ان يكونوا علي نسيجه و منواله فلم يكن لي بد من الرجوع الي المصحف والرجوع الي الايمان تظاهرت بأنني اقتنعت لكني اعتقد ان صديقي إنما كان ملحدا الحاد موضة وشك او الحاد الماجنين كما يقول الفيلسوف عبد الرحمن بدوي وليس الحاد قناعة وعندما أعاد ترتيب مجريات تفكيره غلبت فيه قناعة ُ الايمان قناعةَ الإلحاد ، وهو يستحي من تناقض التفكير او يرجع خانعا الي ماكان يعيبه علي َّ وعلي صديقي من ممارسة التفكير الديني . لما يمكن ان نسميه تاريخ الإلحاد في موريتانيا مسيرة مد وجزر فلقد حدثني من تغمده الله برحمته ان حد زملائه في حكومات ما بعد الاستقلال كان ييمم نصف وجهه ويشرع الصلاة ثم مايلبث ان تصيبه موجة ضحك عارم ويقطع الصلاة ويجلس وكان يبرر ذلك علي المستوي الفكري بان محمدا صَل الله عليه وسلم ليس مرسلا الا للعرب وليس للناس كافة ، اعتزل المعني الحياة باكرا ومالبث ان تاب وأناب وصار من كبار مفكري هذ البلد واهل الرأي الأصيل فيه ، من ذلك الجيل من حدثني بعض العامة انه كان يفسر لهم حركات الصلاة بأنها مجرد ترويض للا عضاء ومادامت الغاية تلك فا لإنسان في سعة من أمره في القيام با لصلاة باي شكل . هناك الإلحاد العالِم الذي مايليث ان يتلاشي مع تلاشي المراهقة الفكرية للا نسان العالم وفي هذه الطريق انخرط الكثير من أوائل مثقفي هذ البلد لكنهم استطاعوا التعامل مع الحالة العقَد يّة والفكرية باحترام النظام العام للا مة والمجتمع وهم علي نوعين نوع يعتقد ان دين المجتمع هو في عداد التقاليد والاعراف فيجب احترامه بالصفة تلك والنوع الثاني يعتقد بطلانه ويود التخلص منه لكنه مرغم بقوة المجتمع وضعفه عن مجابهته عن اعلان رأيه ، لكن فلتات لسانه واستهزاءه باداء الفرائض وإدمانه علي انتهاك المحرمات مايلبث ان يشي بمكنون رأيه . عآش الفيلسوف المصري عبد الرحمن بدوي ملحدا لكنه في نهاية عمره عدل عن الا لحاد كما فعل سابقه زكي نجيب محمود ، وتوصلا الي ان مسالة الايمان مسالة قناعة لا يحسم فيها العقل بالمعني المنطقي الفلسفي . من مستخلص السرد السابق انه من الحكمة عدم الجنوح الي تطبيق حد الردة الفوري علي كل جنوح فكري بالشكل الذي في النصوص القانونية والفقهية وهو مالايمنع منه الاجتهاد في تعليق النص او التحري في تطبيقه الانسب فالأنسب هل الأفضل قتل شخص ام محاولة محاورته والنقاش معه حتي يتضح له الحق من الباطل ويجعل الله من نفسه و صلبه من يعبده ، متي مالتزم حصر رأيه الا لحادي في نفسه ولم يَدْعُ غيره اليه ولم يتخذ السباب والقذف طريقة في النقاش والتفكير كما وقع وصدر من مراهقي الإلحاد البارزين الان بسب رسول لله صَل الله عليه وسلم والتعدي علي الذات الا لهية في بلد مسلم . كما انه من الأفضل الا بتعاد من المجتمع عن الا نتقائية في اخذ بيد البعض في إلحاده والتجاوز عن البعض الاخر ، ففي قضية المسيء في انواذيب وأثناء نقاش لها في احدي القنوات انبرت احدي الحقوقيات لتقول بأنها لا تستطيع قبول حكم الشرع الاسلامي في كثير من الامور ومنها عدم مساواة النوع في العدة فكيف يكون من حق الرجل الزواج فور انصرافه من دفن زوجته بينما علي المراة انتظار أربعة أشهر وعشرا او انقضاء حملها ، وقد غيب المبدأ الحقوقي الحقيقة الصحية للعدة بالنسبة للمرأة ، ومشكلة مقاربة النوع في الاد بيات المعاصرة لحقوق الانسان مشكلة في بعض او جهها حيث يتم اجراء قواعدها الي حد محاولة نفي الطبيعة الخَلْقية بين الرجل و المرأة والتي لو سارت بمنطقها الحالي لربما طالب النساء بالحق بإلزام الرجال بالحمل والولادة ، تصريح السيدة هذه سار بردا وسلاما ولم ينتفض الشارع ولم تقع المظاهرات او تتصدر التنديدات عناوين الصحف اووسائل التواصل الاجتماعي وهو نفس ماوقع سابقا مع من قال في مجلس لهو جامع الكاف المشهور : ل ُ نوب تارك لَوْقاتِ متْرَق ِّ عن ذيك الحال ما نعبد ماه سيدات تبارك وتعال وقد ذكر احدهم في مجلس هو فيه قوله تعالي (قل هو الله احد ) فقال معلوم رداد الاخبار افراص . لم تتحرك ضمائر المجتمع للتصدي لهذ التجديف الواضح لانه ربما يكون من قبيل الجذب وهذر ابناء الصالحين نفعنا الله ببركتهم ، علي كل حال تاب المعني وأناب حتي صار احد اعضاء جمعيات الدعوة والمساجد في بلد إربي معين . أستهجن المجتمع الموريتاني قيام بعض المحامين بالدفاع عن ولد امخيطير لكنه تجاوز عن محامين ءاخرين دافعوا عنه من اول يوم وءازروه حتي بلغوا حد مهاجمة الفقه والفقهاء . والخلاصة : ان الا لحاد العالم والعامي كليهما موجود منذ القدم في المجتمع وان كانت صدمة التعرف علي الحضارة الغربية ومناهج التفكير فيها رفعت من كم وكيف الإلحاد العالم ، وان احسن تعامل معه هو صرفه الي مسلك الحوار واتخاذ التعامل في النفس والاهل طريقة من اصاب منكم شيء من هذه القاذورات فاليستتر بستر الله . وحسب التجربة فسيؤول الي إيمان قوي ومتماسك كما شهدت وسمعت . (لا تقولوا لي لا يوجد اله فانا الان في حضرته ) السير فرنسيس نيو برت رئيس نادي الملحدين البريطانيين . وقت موته . قال تعالي : { لَقَد كنت في غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيد }. سورة. ق } ( اجمل النظم علي الإطلاق هو الكون ولا يمكن ان ينبثق الا عن حكمة وهيمنة خالق ذكي وقادر) ( اسحق نيوتن )