هل من حوار؟

يتفق الجميع على أن حل اي مشكلة في السياسة بصورة خاصة هو الحوار ، والكل أيضا متفق وتلك - حقيقة مسلم بها – انه لابد من طرفين متنازعين كي يحصل حوار سواء كان ذلك الحوار عميقا ـ أو خلافا بسيطا في وجهات النظر.

    ويتفق الكل أيضا على أن الوضعية الحالية للبلد تتطلب حوارا مفتوحا وشاملا، صريحا وبدو ن محاذير ، وهذا الحوار الذي يأمله الجميع والذي هو ضروري لمعالجة آلام تشكو منها موريتانيا كان دائما من الاستقلال والى اليوم يشكل محور سياسات الأغلبية والمعارضة وحجر عثرة تحطمت عليه كل فكرة للوفاق والمصالحة المفيدة والتجاوز عن طريق التشاور حول مختلف المشاكل التي يواجهها البلد .

   وإذا كان المرحوم المختار ولد داداه أول رئيس للجمهورية الشابة قد تمكن من إرساء  الأسس ومد اليد لمختلف المناوئين ( الكادحين ) سبيلا الى توحيد الآراء حول بعض المشاكل وخاصة مشكلة الاعتراف بموريتانيا من لدن المغرب وإنشاء عملة وطنية وتاميم شركة ميفرما ، فإنه وفي وقت لاحق أضحى مفهوم الحوار ذا قيمة ضعيفة الغرس سواء من لدن اصحاب الحكم او المصطفين في المعارضة.

   وفي ظل الحكم العسكري ( 1987-1992) والذي امتاز بتكميم الأفواه أصبحت حرية الرأي والتعبير –التي هي أساس الديمقراطية – طامسة تكاد تشع في ظل حكام يستصدرون شرعيتهم من القوة  ، مما جعلهم مترددين أمام أي اعتراض أو انفتاح يعنيان في مفهومهم الضعف ( الذي لا يقبلون الظهور به ) . 

      وتميز حكم العقيد معاوية ولد سيد احمد الطائع الذي خلع بذلته العسكرية أمام ( شبه الديمقراطية ) ولعل كلمة التعدد الحزبي خلا الفترة (1992-2005)أصبحت ذا مفهوم  وان كان بسيطا إلا أنه مميز مقارنة بالفترة ( 1986-1992) التي تميزت بالانتهاكات الواسعة لحقوق الانسان ، ومع ذلك لم يتمكن هو الآخر من بدا مشاورات صريحة مع القوى الحية لنبذ نواقص الديمقراطية التي يعاني منها البلد  .

فظاهرة الاسترقاق والإرث الإنساني ظلت تعرقل الحريات العمومية جاعلة من موريتانيا (بلد الحقوق ) بلدا يحتضر .

وفي نهاية مأموريته قام ولد الطائع بلم شمل ، عن طريق حزب الديمقراطية والوحدة (حزب عضو في الأغلبية الرئاسية ) ، و(منتدى القيم الديمقراطية والمواطنة ) ، ففي يوم 11  و 12 ابريل 2005 وبمشاركة عدة أحزاب قام ولد الطائع مع هؤلاء بمغامرة لم تدم طويلا بسبب اسقاطه 2005 من طرف لجنة عسكرية  هي اللجنة العسكرية للعدالة والديمقراطية بقيادة العقيد اعل ولد محمد فال .

وخلال الفترة الديمقراطية تم التشاور بين الحكومة والطبقة السياسية والمجتمع المدني مما مكن من تقدم كبير : رجوع عدة مبعدين ( فرسان التغير وهم مدبرو محاولة انقلاب يوليو 2003  ، ومناضلو افلام التجديد ......الخ ) ، وتم كذلك استفتاء 26 يوليو 2006 الذي بموجبه غير دستور 1991 ونظمت انتخابات بلدية وتشريعية سنة 2006 وانتخابات للشيوخ وأخرى رئاسية 2007 .

ثم انه تحت الحكم العسكري لهذه اللجنة تم إلغاء الأمر رقم 91/023 بتاريخ 25 يوليو 1991 الذي يتضمن المادة: 11 المشهورة حول الصحافة ، والتي  تعطي لوزارة الداخلية الحق في معاقبة أي صحيفة دونما تبرير ، وقد تم إلغاء هذا الأمر بالأمر رقم 2006/017 بتاريخ 12 يوليو 2006 .

ودائما تحت السلطة العسكرية تم إنشاء اللجنة الوطنية  المستقلة للانتخابات ، واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان( 2006/015 بتاريخ 12 يوليو 2006 ) والسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية ( الأمر رقم :2006/094 بتاريخ :20/10/ 2006/10/%202006  )من بين امور أخرى .

وخلال الحكم القصير للرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله نظمت أيام تشاوريه في 21-22-23 نوفمبر 2007 ضمت القوى الحية وناقشت مجمل المشاكل التي تنوء بها موريتانيا ، وقد شكلت ثمرة هذه النقاشات موضوع تقرير وتوصيات حول زوايا مختلفة ، فمن جهة بدأت عودة المبعدين بإنشاء الوكالة الموريتانية لدعم ودمج المبعدين التي حلت محلها (التضامن ) .

أما المواضيع الأخرى فبقيت في وضعيتها دون جراك .

    بعد ذلك جاء الجنرال محمد ولد عبد العزيز الى الحكم وحصلت حوارات لكنها لم تنجح جميعها ، ومن بينا اتفق داكار الذي مكن من انتخابات رئاسية 2009 ، والذي تميز بعدم تطبيق بعض مقتضياته ، وكلك الحوار بين السلطة ومجموعة من المعارضة منضوية تحت لواء (الاتفاق من اجل التناوب السلمي ) والذي مكن من تعديلات دستورية ومن تنظيم انتخابات بلدية وتشريعية ، وهنا ايضا تم الاعتراض على عدم التطبيق الكلي لنتائج الحوار مع تلك الأحزاب . 

   ومنذ إذ تحاول السلطة بدأ حوار مع المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة ، غير ان كثرة التذبذب وعدم التفاهم وانعدام الثقة بين الطرفين وقف دون انطلاقه .

    غير أن قلق الموريتانيين على مستقبل بلدهم ، والمشاكل المتنوعة ، والركود الاقتصادي ، كلها أمور تساعد يجاد حل سريع لحوار صريح بغية إرساء موريتانيا الجديدة.

       وللأسف فإن أربعة أسباب رئيسية ما زالت تحول دون تجسيد لهذا الحوار المؤمل :

- فالسلطة التي تعلن بأعلى صوتها أنها تريد الحوار لاتبدو صادقة في مسارها ، أجل لقد تم وضع نظام مغلق يريد إخضاع وإضعاف كل القوى السياسية كي يبقى وحده السيد المطاع ، ويجعل اللعبة في صالحه .

     فهذا النظام يشجع ويقوي سلوكا سياسيا في موريتانيا التي مازالت تضع لمعاير تقليدية اثنيه وقبلية ودينية وجهوية ، ولا يهتم كل طرف ( النظام والقوى الحية ) سوى بمصالحه الخاصة معتبرا أن كل من حوله أغبياء ولم يكن يعير الهم العام إلا قليلا من اهتمامه .   

    فقد كان شغلهم الشاغل الوصول الى سدة الحكم مهما كانت التكاليف ، وقد أجروا التعديلات  الدستورية للوصول الى مآربهم الخاصة ، بينما كانت المعارضة تأمل الوصول إلى مآرب يقصر المقام عن حصرها .

- انعدام الثقة بين الفاعلين "المعارضة: الجبهة الوطنية للدمقراطية والوحدة فالمعارضة تحت تأثير اتفاقية داكار تتهم النظام بالسعى إلى الإستمرار في الإئقاع بها , وفي نفس الوقت تواجه صعوبات جساما في التوصل إلى توحيد مواقفها نظرا لتنوعها وتشكيلاتها (الجبهة والوطنية للدمقراطية والوحدة) تتألف من أربعة أقطاب:

القطب السياسي ،  وقطب المجتمع المدني ،  والقطب النقابي،  وقطب الشخصيات المستقلة.

  وهو مايدل على أن الانقسامات لتي تواجهها الجبهة الوطنية للديمقراطية والوحدة" إذا لم تنتهي فقد تؤدي إلى القضاء على أي أمل في الحوار المؤمل من الكثير من الموريتانيين.

-  السبب الرابع فيمكن في أن كثير من الموريتانيين لهم انطباع سيئ عن بعض زعماء  المعارضة المتهميين بسوابق وأنهم غير مستقبلين فكريا ولا عمليا , وبسبب ترحالهم الملحوظ , كل هذا يؤدي إلى أن كثيرا من الموريتانيين يبحثون عن حوار بناء يمكن من نتائج إيجابية ولهذا فهم يطمحون إلى تغيير للزعمات لتي لم تعد محلا للوفاق (بالرغم من القيمة الأصلية لكل واحد منهم) وإبدالها بأوجه جديدة جدية من شأنها حمل طموحات.

وعلى الرغم من كل هذا وبغض النظر عن رغبة كل من الفقراء في الإستئثار بالشأن فإن الحوار يظل أمرا لازما والتزما مستعجلا.

ولهذا الأسباب يظل الأمل قائما.

 

 

ذ / امين عبد الله

محام لدى المحكمة وأستاذ بجامعة انواكشوط

رئيس اللجنة الموريتانية لحقوق الإنسان

رئيس PCOVP  موريتانيا