انعقدت أم لم تنعقد... سواء!

لكأني بالتلفزيون والإذاعة الرسميين يملآن الأبصار ويشنفان الأسماع برئاسة السيد رئيس الدولة للجامعة العربية، ويؤكدان أنها لا تترك عذرا لمن يشككون في معجزات الدبلوماسية الموريتانية.

أجل، فخامة الرئيس سيضاف لقب جديد إلى ألقابه؛ وسيجمع إلى رئاساته السابقة رئاسة جديدة، سيصبح وسمه الرسمي: رئيس الجمهورية، رئيس الجامعة العربية، رئيس الاتحاد الإفريقي ـ سابقا ـ رئيس مجموعة الساحل، ورئيس اللجنة رفيعة المستوى، ورئيس الفقراء، والعمل الإسلامي... الخ. هنيئا!

أخيرا ستستضيف موريتانيا مؤتمر القمة العربية على أرضها، ولا أحد يتحفظ على ذلك ولا ينافس، بل مع خالص الامتنان من جميع الدول الأعضاء!

**

كانت القمم العربية في السابق نوعا من السياحة: تستفيد منه الدولة المضيفة، حيث يظهر حاكمها "زعيما للعرب"، ويستفيد الضيوف "فسحة" بالسفر خارج قصورهم، وتكسب وسائل الإعلام العربية حشوا لفراغاتها الكثيرة.

أما بيان القمة وقراراتها فتتكفل بها مصلحة الأرشيف في الأمانة العامة للجامعة، وهي المصلحة الوحيدة في الجامعة التي لها عمل تقوم به!

غير أن مؤتمرات القمة العربية لم يعد لها حتى ذلك الإغراء الإعلامي، لأسباب كثيرة؛ فقد رحل أكبر نجومها الكوميديين (القذافي)، وأكرم مضيفيها (صدام)، وضاق أعضاؤها ذرعا بالقضية الفلسطينية وباتوا يبخلون عليها بذلك الدعم الذي لا يتجاوز بيانات شجب وقرارات تأييد نصية من الأرشيف!

وهكذا فلم تعد هناك إغراءات تسلية ولا مصالح دعائية ولا حتى عواطف خيالية تدعو القادة العرب لاستضافة القمة العربية، ولا الضيافة عليها!

بل بلغ الهوان بالجامعة العربية نفسها أن يتبرأ أمينها العام من رئاستها ويفر من تجديدها ـ ومن عادة العرب طلب التجديد في الرئاسات ـ بينما يشعر موظفوها الذين انتفخت عيونهم من النوم، بالقرف من مرتباتهم التي يتقاضونها مقابل الفراغ والتجمد!

وهكذا أصبحت القمة العربية كالأجرب الذي لا يريد أحد الاقتراب منه حتى باتت تبحث عن أي مكان، فعادت إلى أرشيفها ولكن هذه المرة لمعرفة أسماء أعضائها، حيث اكتشفت أن في باب "حرف الميم" موريتانيا، وأنها ـ لسبب ما ـ لم تستضف هذه القمة من قبل، وبالتالي فإن قانون الترتيب الأبجدي قد جعلها "متعينة" عليها (بمصطلح الفقهاء).

والحق أن موريتانيا ليست من هواة استضافة القمم، أيا كانت (دعك من CILSS وOMVS وأخواتهما) وتلك عادة حميدة فيها وواقعية أيضا.

قمة نواكشوط، للأسباب السابقة، لن تكون ـ إن كانت ـ إلا قمة ناجحة، لأن المطلوب الآن كأقصى غايات النجاح هو أن تنعقد "القمة العربية"، ولو على مستوى رؤساء مصالح الأرشيف وفي أي مكان من الكوكب الأرضي أو أقرب الكواكب الأخرى!

ولعل هذه الحقيقة هي التي ستساعد بلدنا على استضافة القمة العربية رقم 27، ولا أظن إلا أن قبولنا لهذه الاستضافة كان "فتحا" وعبقرية دبلوماسية يحيرني من أين جاءت! فدولتنا منذ استسهل العسكريون قيادتها قد تقلص نشاطها الدبلوماسي حتى اضمحل تماما، كما أنها منذئذ صاحبة الرقم القياسي، عربيا وعالميا، في عدد وزراء الخارجية، حيث لا يستقر لها وزير في هذا المنصب.

لكن قبولها لاستضافة القمة، وإن كان تكليفا ورميا بالداء من إخوتنا العرب، جاء في الوقت المناسب تماما؛ حيث يتوقع أن يتخلف عنها معظم الملوك والرؤساء العرب، وحيث لن تفرض الجامعة ولا غيرها أي شروط أو متطلبات خاصة لهذه الاستضافة، بل قد تساعدنا مهارتنا المألوفة في "التبتيب" و"الكومسة" في كسب "دولارات" معتبرة من استضافة هذه القمة؛ فالمرافق المتوفرة، من قاعات وفنادق ووسائل الأمن، في بلادنا ستفي بالغرض أو تزيد قليلا.

أما طلب التأجيل الذي تقدمت به الحكومة الموريتانية، والذي سيقبل حتما، فأظن دافعه الأساسي هو انتظار افتتاح المطار الجديد ليكون محطة الوصول والسفر، بدل المطار القديم الذي سيكون حينها دكاكين وبقالات وقطع أرض سكنية صغيرة، كما هو نواكشوط تماما في عصره العسكري البدائي.

أخيرا، فإن تعيين أبو الغيظ، على رأس الأمانة العامة للجامعة العربية، لا يعنينا؛ إذ ليس موجها ضد موريتانيا وقمتها، وإنما هو من "الضرورات" نفسها التي ألقت بالقمة العربية إلى أرض المنكب البرزخي بين المحيط الأطلسي ونهر صنهاجة.

وأما تاريخ السيد أبو الغيط، وبالذات دوره في الاحتفاء بوزيرة خارجية الكيان الإسرائيلي (تسيبي ليفني) ـ حين كان وزير خارجية مصرـ لكي تعلن من دياره الحرب المدمرة على الفلسطينيين في قطاع غزة سنة 2008، فلا يقدح في أهليته لأمانة الجامعة العربية وإنما يتناسب ويتناغم مع حالها الذي يسر إسرائيل ولا يغيظ العرب!!

 

م. محفوظ ولد أحمد