مسارات انجاح قمة انوكشوط العربية / أ.أحمد محمد مصطفى

ترحيب موريتانيا باستضافة القمة العربية السنوية وبالرئاسة الدورية لجامعة الدول العربية لم ينطلق من فراغ ، فبلاد شنقيط المنارة والرباط أرض الرجال منبع الماضي والحاضر والمستقبل كانت وستظل أرض لقاء ووسطية وتواصل ، وهي بوابة الوطن العربي والعالم الاسلامي الغربية ، ويحق لها أن تكون على موعد مع التاريخ وأن تصبح منطلق التطلعات المشروعة  نحو أفق عربي جديد تلوح بوادره المشرقة على أكثر من صعيد.

لكن لا تنال المطامح بالتمني وإنما تؤخذ الدنيا غلابا ، ومبادرة موريتانيا الأخوية الشجاعة لاستضافة القمة العربية تحتاج إلى انزال لأرض الواقع ، تحتاج إلى مبادرات داخلية وخارجية لإنجاحها ، فداخليا سيكون على موريتانيا أن تعد نفسها في حدود الزمن المتاح وفي حدود المتوفر من الوسائل لاستكمال التحضيرات اللوجستيكية الضرورية لاستضافة القادة العرب والاحتفاء بهم في أرض الكرامة والضيافة والأصالة ، وهذا يتطلب توضيب وتشذيب الموجود والتحضير الجدي الممنهج لليوم الموعود.
وبالإضافة إلى تأمين ضروريات التئام الجمع العربي الكبير في أفضل الظروف تمثل القمة سانحة لموريتانيا لتسويق منتوجها الحضاري والثقافي وثرائها الانساني وجمالها الطبيعي وعبقرية شعبها الخلاقة وحكامتها السياسية التعددية القائمة على الحرية والتنمية وصيانة الكرامة الانسانية ، وهي فرصة لتغيير صور نمطية مشوهة لدور موريتانيا عربيا وبناء صورة جاذبة صادقة على أنقاضها تعيد الأمور إلي نصابها الطبيعي.
وسيكتشف الأشقاء أن رحلتهم إلي موريتانيا هي رحلة رمزية وجدانية نحو ذواتهم العميقة ، نحو القواسم المشتركة ، نحو ثوابت الأمة ومتغيراتها ، نحو البساطة المفعمة بالأريحية وعبق الأصالة .. طبعا لن تستقبلهم ناطحات سحاب صماء من الأسمنت والحديد ، لكنهم على موعد مع قصور منيفة من الأخوة والمحبة والإيمان والمشاعر الجياشة الصادقة التي لم تدنسها اكراهات الزمن الرديء الموار ، قصور محبة وشهامة أصلها ثابت في النفوس وفروعها مشرئبة إلي عنان السماء تستشرف مآلات أفضل وأرحم وأنبل لأمة عظيمة حملها الله الأمانة وخصها بخاتمة رسالاته للناس كافة .. سيكتشف الأشقاء أن شنقيط هي أقصر طريق لحضر موت وأن مسارات الماضي والحاضر والمستقبل سالكة بين انواكشوط ومكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف ودمشق وطرابلس وبغداد والقاهرة والخرطوم ومسقط وأبوظبي والدوحة والرياض والرباط وتونس والجزائر والكويت والمنامة وبيروت وغزة والخليل وعمان ومقديشو وكل حواضر الوطن العربي الكبير ، وسيدركون عمق تلاحم المحيط الأطلسي مع الخليج العربي ، طبعا سيدركون أنهم في المكان المناسب لانجاز العمل العربي المناسب الذي عليه يعقد مستقبل الأمة.
وفي إطار الجهد الخارجي الموريتاني الممهد للقمة يتعين على موريتانيا أن تطلق حملة ديبلوماسية ممنهجة لتعبئة الموارد الضرورية لانجاح الاستضافة ولتفعيل التنسيق مع الجامعة العربية ، وعلى موريتانيا التي تتوفر على علاقات جيدة مع الجميع أن تتحرك بسرعة نحو كل الأشقاء لضمان مشاركتهم على أعلى المستويات ، فحضورهم واجب قومي وهو تشريف تستحقه موريتانيا ، والتحرك الناجع يبدأ على كافة المستويات الثنائية والاقليمية العربية – مستوى اتحاد دول المغرب العربي – ومستوى – مجلس التعاون الخليجي – وعلى مستوى الدول العربية الأخرى ، فكل الدول مهمة وأساسية وكل المشاركات تمثل إضافات ضرورية.
كذلك يجب تأمين حضور المنظمات الاقليمية والقارية والدولية ، فمواكبة هذه المنظمات للعمل العربي المشترك أمر حيوي ، وتحرك موريتانيا الديبلوماسي مطلوب على مستوى الجوهر فالأوضاع العربية وصلت المستوى الحدي للتقبل في أكثر من بقعة على امتداد الوطن العربي ويجب أن تسعى موريتانيا مع كل الفرقاء العرب الذين تعيش مناطقهم حالات توتر للتوصل إلى تفاهمات وحلول مؤسسة على جهود الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية ، منسجمة مع الشرعية الدولية ، مفعلة للمبادرات العربية – العربية التي يفترض أن تصدر عن قمة انواكشوط آلية لتفعيلها ، فالتوصل إلي ورقة توافقية جامعة نجاح لموريتانيا ونجاح للقمة التي تنعقد في لحظة مفصلية من تاريخ العمل العربي المشترك ، فلا وجود للمستحيل ومن جد وجد ومن زرع حصد ، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم وعلى قدر الكرام تأتي المكارم ، والنجاح في المتناول.
فقمة انواكشوط يمكن لها أن تكون قمة تاريخية ناجحة بكل المقاييس ، وعلى الموريتانيين كل الموريتانيين في الداخل والخارج موالاة ومعارضة أن يتساموا فوق تجاذبات اللحظة إلي مستوى المصلحة الوطنية والعربية العليا ، فتزاحم كل العقول وتلاقي كل الإرادات وتشابك كل السواعد وتفتق كل العبقريات أمور ضرورية لإنجاح اللقاء العربي الكبير الذي تحتضنه انواكشوط والذي كان له ما قبله وسيكون له ما بعده.