لم يترك لي الحق صاحبا النتيجة المؤقتة / سيدي علي بلعمش

 “حوار وطني” لم تتوفر فيه أبسط شروط الشرعية و لا الجدية، قاطعته كل المعارضة و كل القوى الوطنية المسؤولة و كل الشخصيات المحترمة و رفض سفراء العالم حضور افتتاحه، تم فرضه على المجتمع باسم “الأغلبية و المعارضة الوطنية” المكذوبتين ، المزورتين (بفتح و كسر الواو)…

ـ القفز على المادة 38 من الدستور، المعبرة عن جهل و استهتار العصابة و استعدادها لانتهاك القانون متى شاءت لفرض ما تريد، بعد رفض مجلس الشيوخ لمشروع تغيير الدستور، لتدخل البلاد في أزمة بلا حل…

ـ فرض استفتاء غير دستوري بفهم شاذ لمادة غير معنية، ناتج عن توصيات “حوار” أعد على المقاس، أخذت منها العصابة ما تريد و ألغت ما لا تريد بشكل لا يمكن أن يقبله لا حتى بيجل ولد هميت…

ـ فرض تبني التغييرات الدستورية باستفتاء من دون استفتاء (لأن ما حدث لا يمكن وصفه باستفتاء و لا تصويت) تماما كما تم اغتصاب المواد الدستورية و انتهاك صلاحيات مجلس الشيوخ على أيادي عصابة جاهلة و مستهترة ظلت رسالتها الواضحة إلى الشعب هي أن القانون الوحيد في هذا البلد هو ما يريده ولد عبد العزيز. أحجم العالم أجمع عن مباركة نتيجته و لو بإشارة في الحدود الدنيا للباقة الدبلوماسية الرمزية..!

ـ لجنة وطنية للانتخابات تم انتقاؤها من بين أتفه مخابرات البلد و أكثرهم انحطاطا على امتداد تاريخه، لا تخجلها شهادة زور و لا تأخذها في الطاعة للعصابة لومة لائم لا بوازع ديني و لا بإحساس وطني و لا بوخزة أخلاق من أي درجة …

 

ـ مجلس دستوري (في الحقيقة و من دون أي مبالغة ، هذا بالفعل هو ما يمكن أن نسميه مجلس دستور ولد عبد العزيز) فلا يمكن أن نحصل على دستور مزور من دون مجلس دستوري مزور .. لا يمكن أن نحصل على دستور مغشوش من دون تأمين مجلس دستوري غشاش .. لا يمكن أن نحصل على دستور لاغي من دون توقيعه من مجلس دستوري لاغي .. لا يمكن أن نحصل على دستور لا يحترمه أحد و لا يعني أي أحد من دون مجلس دستوري حقير ، يزور البكالوريا متى شاء و الدستور متى شاء، يحول شهادة زوره إلى وثيقة وطنية ملزمة و حقارته إلى مسؤولية وطنية تؤنبه الضمائر في التقصير في شأنها و استماتته في إرضاء من يحكم إلى مسؤولية أخلاقية على غرار مجلس الإفتاء الذي سدت عنه أبواب الاستجابة لأن ” مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام (فأنى يستجاب له ؟).

ـ القضاء اليوم في موريتانيا، لا يمكن ـ مع بالغ الأسف و الخجل ـ أن نقول سوى أنه عار على البشرية أن يكون بينها في القرن الواحد و العشرين ماخور بغي و فسق و فجور و تخلف و تزلف مثل القضاء الموريتاني!!؟

الأسوأ من هذا كله و الأغرب منه و الأخطر و الأدعى إلى الحيرة و الخجل و البؤس هو أن ما زال حتى من بين قادة معارضتنا و مثقفينا و رجالنا و نسائنا المحترمين من يقول “رئيس الدولة” و “الحكومة” و “المؤسسات الدستورية”…!!!؟

أين الدولة ؟ في ماذا تتجسد الحكومة اليوم؟ أين ترون غير المؤسسات اللادستورية .. غير المؤسسات المسيئة إلى الدستور؟

إذا لم تتحرك المعارضة أو الجيش لإسقاط هذه العصابة فليتأكد الجميع أنه لم يبق أمام الشعب الموريتاني سوى العصيان المدني أو الكفاح المسلح: “يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافةً ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوٌ مبين” (صدق الله العظيم) إن الشيطان ولد عبد العزيز يرفض الدخول في أي عمل يمكن أن يفضي إلى السلم في هذا البلد .. إنه يقول لنا اليوم بالصريح ، إما أن تتركوا هذا البلد لي أو أمحقكم . سيقول لكم مجلس الإفتاء المتبحر في التملق و تبرير جرائم الطغاة، إن عليكم ـ إلزاما و بلا قيد و لا شرط ـ بطاعة ولي الأمر!؟ .. و ليست المشكلة في أنهم يريدون أن نطيع ولي أمرنا و إنما المشكلة الحقيقية في أنهم يريدون أن نطيع ولي أمرهم هم “الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف” (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا) .

لن نطيع أمر ولد عبد العزيز يا مجلس الإفتاء تحت الطلب.. لن يستطيع أن يجرنا إلى حرب أهلية كما يسعى و كما تباركون له يا مجلس الخجل و حطب الحرب.. ستزولون جميعا، قريبا، و يبقى الشعب الموريتاني أبيا من دونكم .. كريما من دونكم .. حرا من دونكم، فاعبدوا ولد عبد العزيز و أطيعوه و تزلفوا له .. كيفوا الآيات الكريمة و الأحاديث الشريفة على طلبه.. فسروها على مزاجه .. أنتم مصيبتنا المؤسفة .. أنتم ورطتنا المستمرة .. أنتم كذبتنا الكبرى.. أنتم خطيئتنا المخجلة..!

ـ اختطاف ممثل حزب تكتل القوى الديمقراطية في نواذيبو و تعذيبه و إهانته و أخذ هواتفه للتجسس على مكالماته و سرقة ممتلكاته (أين سمعتم أو رأيتم أمن دولة يسرق ممتلكات الناس(على طريقة “الهنتاته”)؟ . إن مرور هذه الحادثة كأن شيئا لم يكن ـ من دون حتى أن تعتذر عنه الأجهزة الأمنية أو تبرره و لو بإحدى أكاذيبها الجاهزة ـ أمر خطير للغاية لأنه يعني بوضوح أننا دخلنا الدائرة العمياء لرادار إرهاب الدولة..

ـ اغتيال المحامي و الأستاذ الجامعي الشهيد الشيخ ولد حرمة الله ، رحمه الله (2 مايو 2017) رميا بالرصاص و عدم فتح تحقيق جاد في قضيته التي يتضح لأغبى الناس أنها على خلفية ملفات مخدرات موجودة في مكتبه، يمكن بسهولة التوصل إلى أصحابها ، لا يمكن أن يعني سوى أنها شخصيات محمية في رأس هرم السلطة ، تقوم بتصفية كل من يعترض طريقها بشجاعة الأستاذ ولد حرمة الله و التزامه و إحساسه بالمسؤولية الوطنية!

ـ اغتيال الرئيس السابق اعلي ولد محمد فال و دفنه من دون تشريح بعد دعوته للمعارضة إلى التوجه بمظاهراتها إلى بوابة القصر و اعتراضه على التوجه إلى ساحة ابن عباس ..

ـ و “آخرا و ليس أخيرا” اصطياد (بترصد و سبق إصرار) الشيخ محمد ولد غدة ، مرة باسم حادث سير (تم فيه تجاوز كل الإجراءات المتبعة) .. و مرة بسبب تسريبات من هاتفه الشخصي تحولت جريمة نشرها من قبل الدرك و المخابرات الممنوع في كل القوانين و الأعراف، إلى جريمة ضده بدعوى تقديم رجل أعمال موريتاني مساعدات إلى المعارضة!! .. و مرة بسبب تكوين جمعية أشرار كما جاء في بيان “النيابة” (و هي في الحقيقة ليست سوى نيابة عن ولد عبد العزيز) التي شوهت سمعة البلد بممارساتها الشاذة و تخلخل موازين عدلها الغريب و انحراف حتى موازين ظلمها الأكثر غرابة. إن ما يخضع له النائب ولد غده اليوم ليس ظلما و إنما هو ما يسمى القهر .. و ما يخضع له الشعب الموريتاني اليوم هو القهر في أسوأ تجلياته .. فإلى متى و ماذا بعد؟؟

ـ لا حوار عبثي يتم إصدار توصياته قبل بدئه، يجدي .. 
ـ لا مشاركة في انتخابات ستمولها الخزينة العامة و تشرف الإدارة على تزويرها و تقسم اللجنة الوهمية المستغلة على نزاهتها و يبصم المجلس الدستوري المخجل بالعشر على شرعيتها، تجدي ..

ـ لا مقاطعة المعارضة لانتخابات لا تتوفر على أبسط ضمان شفافية، تجدي..

فإلى أين المفر؟ ماذا بقي غير العصيان المدني أو الكفاح المسلح؟

ليس من الغريب أن يجرنا ولد عبد العزيز المحاصر بجرائمه إلى حرب أهلية بحثا عن مخرج لم يعد محتمل إلا بالهروب من البلد في غياب وجود أي لسلطة مركزية : هذا الأمر واضح و ليس أمام ولد عبد العزيز أصلا ما يمنعه من تدبيره غير احتمال خطره عليه لأنه جبان بطبعه و إن كان الكثيرون يعتبرون تهور هجومه الدفاعي شجاعة، عكس ما يؤكده علم النفس و السلوك البشري المجرب..

لقد شكل إعراض أكثر من ثلثي عناصر الجيش و الأمن (حسب معلومات دقيقة، تؤكدها نتيجة التصويت المعلنة بعد التزوير) هزة كبرى لقادة العصابة. و لن أعلق على الأسباب بما يمكن أن يفيدهم، لكن قراءتهم لما حدث هي كانت أن الأمر لا يمكن أن يحدث من دون أن يكون من ورائه تنظيم محكم على مستوى قيادات الوحدات. و لا شك أن قائد الأركان و الممثل الحصري لاستيراد الدجاج في موريتانيا، عاكف الآن على ترتيبات شاملة لاستبدال قادة الوحدات و الولايات، متناسيا أنهم أبناء و أخوان شعب كامل لا يمكن أن يساهموا في قتله لصالح عصابة حقيرة لا تتذكر أن تثني على الجيش و لو بكلمة، إلا حين يضيق عليها الخناق.

على الرغم من هذا كله، لن يستطيع الشيطان ولد عبد العزيز و أتباعه من المردة أن يجروا المعارضة الموريتانية إلى أي عمل مسلح . و قوة المعارضة الموريتانية ليست في قدرتها على بلوغ أهدافها و إنما في قدرتها على منع العصابة من الوصول إلى أهدافها أو جر المعارضة إلى ميدان معركتها : سيموت ولد عبد العزيز بهدوء في المشنقة التي أعدت له المعارضة و سيُرد (مضاعفا) كل فلس سُرق بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خزائن الدولة و ستتم محاسبة كل من أساء إلى البلد و الشعب حتى تنظف موريتانيا من المافيا و عقلياتها و سلوكها الذي حولته إلى نهج حياة في البلد. لقد تألم هذا الشعب كثيرا و صبر كثيرا و دين علينا أن يسترد كرامته و حقوقه و حرمته و هيبته و سمعته الطيبة التي ملأت الدنيا و شغلت الناس . و لإن كنا أمة ابتلاء فلن ننسى أننا أبناء شعب لا يقهر و أمة لا تستسلم.

و على من يقولون إن الشعب الموريتاني مستهتر و منافق (و هو ما نقوله جميعا في أوقات جلد الذات والإحباط)، أن يتذكروا أن أي حاكم لم ينجح في موريتانيا يوما من دون اللجوء إلى التزوير و استغلال الإدارة و الممتلكات العامة .. فماذا تطلبون من الشعب أكثر من هذا؟

و على من يقول إن المثقفين الموريتانيين خونة أن يتذكروا أنه رغم التزوير و القمع و الرشوة و التجويع و التهميش، لم يستطع نظام أن ينجح يوما في مدن تمركز المتعلمين و المثقفين : نواكشوط ، نواذيبو ، أزويرات ، روصو (…) فكيف نعيب “المثقف”؟

إن مشكلة الشعب الموريتاني بصفة عامة هي نزوع أهل هذا البلد إلى السلم و احترامهم الرائع لحرمة الإنسان و حرمة دم المسلم و ماله و عرضه و قد استغلت الأنظمة الإجرامية هذه الفضائل السامية للركوب عليه و سترى هذه العصابة الحقيرة اليوم حين تجاوزت كل الحدود و تمادت في غيها، أن لموريتانيا وجها آخر، غبي و خاطئ من يرغمها على إماطة اللثام عنه.

كل عيوب موريتانيا على امتداد تاريخها ستحل من خلال معاقبة هذه العصابة الحقيرة و الراكضين خلفها من ولد عبد العزيز إلى حارس مقر “الاتحاد من أجل نهب الجمهورية” طولا.. و من عمدة ازويرات عرضا مرورا بالسلحفاة الغبية امربيه ربو و الصحراوي إلى بنه ولد الشنوف و زيدان …

و مهما أظهرت العصابة الحقيرة اليوم من تماسك و ثبات لن تستطيع أن تخفي تخلخلها و إحباطها من نتيجة هذا الاستفتاء المرعبة التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك قرب نهايتها. و كل شمس تشرق من جديد ستزداد الناس بغضا و احتقارا لها بعد انكشاف كل حقائقها و تأكد الجميع من أكاذيبها و خداعها و انحطاط ممارساتها..

و ما تلميح العصابة اليوم و رسائلها المشفرة بحثا عن حوار جديد إلا محاولة يائسة للخروج من أزمة سدت المعارضة منافذها بتسع سنين من الصبر على الأذى من قبل من لا يساوي شسع نعلها، حفاظا على سلامة شعب أثبت في الأخير أنه جدير بالتضحية و الاحترام : لقد أدركت المعارضة المسؤولة أن اعتبار ولد عبد العزيز طرفا معنيا بالشأن الوطني، عقوقا للوطن و إساءة إلى أهله و عليه اليوم أن يفعل ما يشاء لكن لا يفكر في حوار أو لقاء مع المعارضة لأنه بكل بساطة أحقر من أن ينال هذا الشرف.