عبد الباري عطوان​/ما هي الملفات الثلاثة الابرز التي ستبحثها “قمة المأزومين” في القاهرة؟

.. وما هي “هدية” العاهل السعودي للمصريين؟ وماذا سيقدم الرئيس السيسي من خطوات سياسية وعسكرية في المقابل؟ اليكم بعض الاجوبة

 

تزينت مدينة القاهرة بأبهى حللها، ورفرفت اعلام المملكة العربية السعودية الخضراء، بسيفيها ونخلتها، في معظم ميادينها وشوارعها احتفالا بوصول العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في زيارة رسمية تعتبر الاولى منذ توليه العرش قبل عام ونيف، خلفا لشقيقه الراحل الملك عبدالله، الذي جعل الدعم السياسي والمالي لارض الكنانة، ونظام حكم رئيسها عبد الفتاح السيسي حجر الزاوية في سياسته الاقليمية.

من يتابع الاهتمام المبالغ فيه بهذه الزيارة “التاريخية” من قبل وسائل الاعلام بأشكالها المتعددة في البلدين، والنتائج التي ستتمخض عنها، يدرك دون ادنى تردد وجود “ازمة” في العلاقات بين البلدين، وتعليق آمال عريضة لتسويتها، وقطع السنة جميع “المشككين” الذين يحاولون ان يغردوا خارج سرب التفاؤل السائد.

بعيدا عن المبالغات الاعلامية والاحتفالات، نؤكد ان هذه الزيارة على درجة كبيرة من الاهمية، بسبب حجم الطموحات المعلقة عليها سياسيا واقتصاديا من الجانبين، وضخامة الملفات المعقدة التي تنصب عليها المحادثات الرسمية طول مدة الزيارة التي تطول الى خمسة ايام، فالتحالف المصري السعودي هو الذي ادى الى اخراج القوات العراقية من الكويت، وتدمير العراق لاحقا، والحرب بينهما في اليمن هي التي ادت الى هزيمة حزيران عام 1967.

انها قمة قيادتين اقليميتين “مأزومتين” ويبحث كل طرف فيها ان يقدم له الطرف الآخر “طوق النجاة” او سلما للنزول من فوق شجرة ازماته العالية جدا؟، والمليئة بعشش الدبابير “السامة” من كافة الاشكال.

 

***

العاهل السعودي، وبعد ان تعرض للخذلان والطعن في الظهر من قبل حليفه الامريكي، وبعد ثمانين عاما من الحماية والتنسيق الامني والعسكري والسياسي في جميع القضايا الاقليمية والدولية، بات يشعر ان ظهره بات مكشوفا في مواجهة عدو اقليمي شرس، وهو ايران (اسرائيل ليست عدوا في الوقت الراهن على الاقل)، وبات بحاجة الى نظام، او حلف امني وعسكري اسلامي وعربي جديد لتعويض الغطاء الامريكي، وليس هناك اهم من مصر لتكون حجر الاساس فيهما لمكانتها وقوتها وموقعها الاستراتيجي، وخروج القوتين الاقليميتين الآخرتين، سورية والعراق، من المعادلة لاسباب لا تحتاج الى شرح.

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يواجه ازمات اقتصادية ومالية طاحنة، ويحتاج الى 200 مليار دولار على الاقل للوصول ببلاده الى التعافي وبر الامان، ويبلغ العجز في الميزانية العامة الحالية 43 مليار دولار، بينما يصل حجم ديون بلاده الخارجية 47 مليارا، ويعتقد الرئيس المصري ان المملكة العربية السعودية اكبر مصدر للنفط في العالم (عشرة ملايين برميل يوميا) والتي تملك احتياطي نقدي في حدود 662 مليار دولار، هي الوحيدة القادرة على اخراج بلاده من مأزقها المالي والاقتصادي الحالي، ولكن شهر العسل مع العوائد والاحتياطات النفطية عمره قصير (خمس سنوات) والسنوات السمان تقترب من نهايتها، والتقشف هو عنوان الاعوام القادمة.

هناك ثلاثة ملفات سياسية وعسكرية رئيسية ستكون محور زيارة العاهل السعودي مع مضيفه المصري:

  • الملف الاول: الحرب في اليمن التي دخلت قبل ايام عامها الثاني دون نجاح “عاصفة الحزم” التي اطلقتها السعودية وحلفاؤها العرب لاعادة النظام الشرعي الذي يمثله الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته الى العاصمة صنعاء، وهزيمة التحالف “الحوثي الصالحي” وفرض الاستسلام عليه، لم تحقق اي من اهدافها، وبدأت تعطي نتائج عكسية مثل نقل الحرب الى اطراف المملكة الجنوبية، وتعاظم الخسائر المادية والبشرية، ولذلك سيحاول العاهل السعودي اقناع الرئيس السيسي التخلي عن حذره، وارسال قوات ارضية الى اليمن، وعدم الاكتفاء بوجود رمزي لتأمين الملاحة في باب المندب، والتخلص من “عقدة” حرب الستينات التي راح ضحيتها 20 الف جندي مصري.
  • الملف الثاني: يتعلق بالحرب في سورية التي تشكل فيها السعودية رأس حربة، وتصر على اسقاط الرئيس بشار الاسد وحكمه، ولكن مرور خمس سنوات دون انجاز هذا الهدف، وتصاعد الخلافات مع واشنطن حول سلم الاولويات، والتراجع التركي بسبب التفجيرات الارهابية “المتناسلة” في انقرة واسطنبول، وتفاقم الخلاف والتوتر مع روسيا، وحرب الاستنزاف مع حزب العمال الكردستاني، كل هذه العوامل تشكل عقبات كبيرة تحول دون تحقيق المملكة لاهدافها، ولذلك تحتاج الى دعم مصر التي تمسك العصا من الوسط في الازمة السورية، وتنأى بنفسها عن المعارضة المسلحة، وتبقي قنوات اتصال مع النظام، وتعزز علاقاتها مع روسيا مجددا.
  • الملف الثالث: العلاقات مع ايران التي تعتبرها السعودية الخطر الاقليمي الاساسي ضدها ودول الخليج عامة، وتخوض حربا بالانابة معها في اليمن وسورية ولبنان، ويبدو ان الرئيس السيسي استخدم الورقة الايرانية جديا للحصول على اكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والمادية من السعودية، وسمعنا السيد سامح شكري يغازل الضيف السعودي وينتقد ايران التي تحاول مد نفوذها بشكل “طائفي” في دول الجوار، مؤكدا ان مصر مستمرة في قطع العلاقات مع ايران حتى “اللحظة”، واستقبلت مصر العاهل السعودي بتقديم “هدية قيمة” بحذف قناة “المنار” من القمر الصناعي المصري “نايل سات”.

 

من الصعب علينا اصدار احكام حول نتائج زيارة العاهل السعودي لمصر، لكننا ندرك جيدا ان معيار النجاح من عدمه يعتمد بالدرجة الاولى على ما يمكن ان تقدمه السعودية من منح ومساعدات وقروض واستثمارات مالية للمضيف المصري، وما يمكن ان تحصل عليه من تنازلات، ومكاسب سياسية وامنية وعسكرية في الملفات الثلاثة المذكورة آنفا في المقابل.

نقطة اخرى ستكون عاملا حاسما في النجاح والفشل، وهي مدى استعداد القيادة المصرية للتنازل عن الزعامة والقيادة للضيف السعودي في العالمين العربي والاسلامي، فمصر تعتبر، وعلى مدى ثمانية آلاف عام، ان هذه الزعامة من نصيبها بحكم ثقلها ودورها وريادتها ومكانتها.

السفير السعودي في مصر بشر المصريين بأن العاهل السعودي يحمل له “هدية” قيمة وكبيرة رفض الافصاح عن كنهها، الامر الذي ادى الى رفع سقف توقعاتهم ماليا واقتصاديا، لكن اذا تأملنا التسريبات الاعلامية السعودية والمصرية نرى انها ما زالت اقل كثيرا من المأمول، مثل انباء عن اسثمارات بأربعة مليارات دولار لاستصلاح 1.5 مليون فدان، و1.5 مليار دولار لاعمار وتنمية سيناء، ومنحة نفطية بتغطية احتياجات مصر من النفط لخمس سنوات قيمتها 20 مليار دولار بفوائد منخفضة بحوالي 2 بالمئة فقط.

***

ولا نستطيع ان نذهب بعيدا في التعاطي مع الانباء التي تتحدث عن احتمال اقدام السعودية على تحقيق مصالحة بين مصر وتركيا لان هذه الخطوة محفوفة بالعثرات، فدعم اردوغان للاخوان المسلمين استراتيجي ومحكوم بتحالف مع دولة قطر، ولان المصالحة التركية المصرية يجب ان تسبقها، او تتبعها، مصالحة وطنية مصرية، ولا يوجد اي مؤشر على انها ممكنة.

زيارة العاهل السعودي لمصر ربما تذيب بعض الجليد، وتنجح في ادارة الخلافات، من حيث حل بعضها، وتجميد، او تقليص، مخاطر البعض الآخر، واحتفاظ كل طرف بوجهة نظره وحلفائه.

الاعلام المصري نبش صورة من ارشيفه تظهر الملك سلمان محاربا في شبابه في قناة السويس، للتأكيد على عمق العلاقات التاريخية، ولكن هناك صور اخرى في الارشيفين السعودي والمصري اتفق الطرفان على اخفائها توحي بعكس ذلك، وهذا قمة العقل والحكمة في الظروف الراهنة على الاقل.