لماذا “يطبّع″ اردوغان العلاقات مع تل ابيب وليس موسكو؟

 وما هي “مغريات” الصفقة وشيكة التوقيع؟ وهل يكون ميناء غزة هو الغطاء؟

اكدت وزارة الخارجية التركية في بيان رسمي مساء امس تحقيق “تقدم” و”تقارب” بين تركيا واسرائيل، وان الطرفين اتفقا على الاسراع في وضع “اللمسات لاخيرة” على اتفاق لتطبيع علاقاتهما “الباردة” منذ عام 2010، وبالتحديد منذ الهجوم الذي نفذته وحدة كوماندوز بحري اسرائيلي ضد سفينة “مرمرة”، واستشهاد عشرة من الناشطين الذين كانوا على ظهرها في اطار مهمتهم لانهاء الحصار التجويعي على قطاع غزة.

المفاوضات بين الجانبين بدأت في انقرة، وانتقلت الى جنيف، والجولة الاخيرة منها اختتمت اعمالها في لندن قبل يومين، وشارك فيها نائب وزير الخارجية التركي فريدون سيرينلي اوغلو، ممثلا لحكومته، اما الجانب الاسرائيلي فمثله جوزيف سيهانوفر، الموفد الخاص لبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء.

الرئيس رجب طيب اردوغان ربط تطبيع العلاقات بثلاثة شروط: اولها، اعتذار اسرائيلي واضح عن الجريمة، وثانيها، تقديم تعويضات لاسر الشهداء، وثالثها، رفع الحصار المفروض على قطاع غزة، ولمح السيد احمد داوود اوغلو رئيس الوزراء ان اسرائيل تجاوبت مع الشروط الثلاثة، وان التوقيع على الاتفاق النهائي ربما يتم في الجولة المقبلة والاخيرة من المفاوضات.

هناك امران ملفتان للنظر: الاول، ان التسريبات حول هذه اللقاءات وفحواها تأتي في الغالب من الجانب التركي وليس الاسرائيلي، والثاني، ان تفاصيل هذا الاتفاق وبنوده ما زالت “سرية”، ولكن اطالة امد المفاوضات يوحي بوجود “عقبات” لا بد من تذليلها.

لا نعتقد ان الشرطين الاولين من الشروط التركية، وهما مسألتا الاعتذار، والتعويض يمكن ان يشكلا صعوبة، فنتنياهو اعتذر، او بالاحرى، عبر عن اسفه عن الجريمة في مكالمة هاتفية اجراها مع اردوغان بطلب وحضور الرئيس الامريكي باراك اوباما، وبادر الرئيس التركي بالاتصال هاتفيا بنظيره الاسرائيلي روفين ريفيلين قبل اسبوعين معزيا بمقتل خمسة اسرائيليين في تفجير اسطنبول الاخير الذي اعلنت تركيا ان “الدولة الاسلامية” تقف خلفه، وعبرت الحكومة الاسرائيلية اكثر من مرة عن استعدادها لدفع تعويضات مالية لاسر الشهداء.

المشكلة في تقديرنا تكمن في الشرط الثالث، وهو رفع الحصار المفروض على قطاع غزة، فاسرائيل كانت تعارض بشدة هذه الخطوة، ورفضت معظم، ان لم يكن كل المقترحات التركية للتوصل الى حل يخفف الحصار منذ عشر سنوات تقريبا، ومن الاغلاقات شبه الدائمة لمعبر رفح.

السؤال المطروح حاليا هو حول طبيعة الاتفاق الذي جرى التوصل اليه بين الحانبين حول هذه المسألة، وهل من الجائز ان نتكهن بأن الاقتراح التركي باقامة خط بحري بين ميناء غزة، وآخر في قبرص التركية، يخضع لاشراف امني دولي في الظاهر، واسرائيلي من الباطن، على غرار اتفاق معبر رفح الذي جرى توقيعه مع السلطة باشراف الاتحاد الاوروبي، هو جوهر هذا الاتفاق؟

لا نملك اجابة واضحة عن هذا السؤال، لكن ما يمكن قوله ان الرئيس اردوغان، وفي ظل تصاعد حالة التوتر في علاقات بلاده مع روسيا على ارضية اسقاط طائرة قاذفة روسية من طراز “سو 25″ قرب الحدود السورية التركية، توصل الى قناعة بأن اسرائيل قد تكون هي المخرج والملاذ لمواجهة الحصار، وربما التهديد الروسي، تماما مثلما يعتقد بعض حلفائه العرب في منطقة الخليج، والسعودي من بينهم، بالنظر الى الخطر الايراني.

الرئيس اردوغان الذي تعتمد بلاده بنسبه 60 بالمئة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي على وارداتها من روسيا يبحث عن مصادر بديلة وقريبة كأجراء احتياطي لمواجهة اي وقف لضخ الغاز الروسي عبر ابنوب مشترك، لاي سبب من الاسباب، ويعتقد ان اسرائيل، وبدرجة اقل قطر، يمكن ان توفر طوق النجاة في هذا المضمار، مضافا الى ذلك ان الرئيس اردوغان يريد استمالة “اللوبي اليهودي”، الى جانبه مرة اخرى في مواجهة الادارة الامريكية التي باتت اكثر ميلا الى خصومه الاكراد، وترفض مطالبه بوضع ميليشيا قوات حماية الشعوب الكردية السورية على قائمة الارهاب.

الرئيس اردوغان، نقولها والمرارة في حلوقنا، يستجير من الرمضاء بالنار، والرمضاء في هذه الحالة “موسكو” والنار هي “تل ابيب”.

هذا ينطوي في رأينا، في هذه الصحيفة “راي اليوم”، على خطأ كبير في الحسابات، علاوة على كونه خيار محفوف بالكثير من المخاطر على مكانة الرئيس التركي، ومستقبله السياسي، والانجازات الكبيرة، اقتصاديا وسياسيا، التي حققها حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه على مدى السنوات العشر الماضية.

فاذا كانت المسألة مسألة كرامة شحصية، واعتداء بالنفس، ونحن نعتقد انها كذلك، فانه من الاولى والاكرم للرئيس اردوغان ان يتصالح مع موسكو، وان يقدم لها الاعتذار المطلوب لحل الازمة معها، وطي صفحة اسقاط الطائرة الروسية، فروسيا دولة عظمى، وجارة لبلاده، ويمكن ان تكون بديلا لامريكا الحليف الذي ادار له الظهر، وتخلى عنه في الازمة مع روسيا، ولم يقف الى جانبه في الوقت الحرج.

الرئيس اردوغان اساء التقدير في موقفه تجاه سورية عندما اعتقد ان النظام سيسقط في غضون اسابيع، وان ايامه معدودة، وها هو يخطيء مرة اخرى، عندما يذهب من النقيض الى النقيض، ويطبع العلاقات مع اسرائيل، الدولة المارقة التي تحتل المقدسات الاسلامية، واراض عربية، وتسلب حقوق شعب مسلم، ولا تتوقف عن شن العدوان تلو الآخر ضده، وتقتل الآلاف من ابنائه.

اسرائيل قد توفر “الغاز″ البديل لتركيا، ولكنها قطعا لن تقف الى جانبها في اي حرب ضد روسيا، والا لكان حلف “الناتو” الذي يعتبر انقرة احد مؤسسيه فعل ذلك.