شنّ الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، هجوما عنيفا على حزب تواصل، الإسلامي، واتهمه بأنه "يتّخذ الدين الإسلامي وسيلة وجسرا للوصول إلى السلطة". كما حذّر الرئيس الموريتانيين من التصويت لصالح الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية التي تمت في أواخر الأسبوع الماضي، بحجّة أن الإخوان المسلمين يشكلون "مجموعة من المتطرفين الذين فكّكوا بعض الدول العربية ودمّروها"، مشيرا إلى أن بعض هذه الدول "أقوى وأغنى من موريتانيا". وأضاف أن "هذه ليست اتهامات وآراء، إنها وقائع حدثت على الأرض في الدول العربية التي حدثت فيها ثوراتٌ، قادت إلى صعود تلك الأحزاب المتطّرفة".
لماذا هذا الهجوم على حزبٍ كان حليفا للنظام في فترة سابقة؟ يعتبر "تواصل" من بين الأحزاب الموريتانية التي تميّزت بقاعدتها الشبابية، وبقدراتها الواسعة على التنظيم والتعبئة. ومما ميّزه عن غيره من التنظيمات الإخوانية المشابهة له في دول المنطقة أنه تجنّب العنف منذ وقت مبكّر، متأثّرا بتجربة حركة النهضة التونسية، ومتّخذا من أسلوبها في العمل مرجعيةً له يستفيد من أخطائها وعناصر القوة لديها. وهو وإن حافظ على نزعته الهجومية على النظام، قبل التعاون، وحتى التحالف معه، مخالفا بذلك بقية أحزاب المعارضة التي فضّلت أسلوب المقاطعة السياسية والانتخابية.
تغيّرت اليوم المعطيات، وأصبح هذا الحزب الإسلامي راغبا في منازلة الجنرال عبد العزيز سياسيا عبر الانتخابات، اعتقادا منه بأن النظام يمرّ بمرحلة ضعفٍ على المستويين، الاقتصادي والسياسي.
النظام الذي خبر هذا الحزب طوال المراحل السابقة، وأصبح يعرف نقاط قوته وضعفه، يستشعر اليوم أن "تواصل" قادر على تعزيز حضوره في المشهد السياسي، وفي مقدوره أن يربك السلطة، ويفسد خططها في الاستفراد بالحكم وبإدارة الشأن العام. لهذا يحاول الرجل القوي في موريتانيا أن يستغلّ ما يجري في دول عربية كثيرة من حروب ونزاعات، وانهيار أكثر من دولة، واستثمار ذلك كله في سبيل إثارة مخاوف الرأي العام الموريتاني من احتمال وصول الإسلاميين في بلادهم إلى السلطة، وبالتالي إشعار الناخبين بأنهم سيتحملون مسؤولية ما سيترتب عن منح أصواتهم للإسلاميين من أزماتٍ لا طاقة لهم بها، وأن ليس أمامهم سوى تجديد العهدة له، والولاء للنظام القائم.
لا يشكل ما فعله الرئيس الموريتاني حالة استثنائية على الصعيد الإقليمي، إذ ينتهج الحكام والقوى السياسية غير الدينية في المنطقة الأسلوب نفسه، ويردّدون التهديدات نفسها من أجل قطع الطريق أمام مختلف حركات الإسلام السياسي التي يحمّلونها مسؤولية الكوارث التي أصابت دولا عديدة... وهناك عودة من جديد إلى شيطنة الإسلاميين في الصراع من أجل احتكار السلطة، وتحويلهم إلى مشجب يضعون عليه جميع مصائب الشعوب.
ليس واردا أن ينجح حزب تواصل في الوصول إلى الحكم في موريتانيا خلال هذه المرحلة على الأقل. ولن يُسمح له بقيادة موريتانيا، حتى ولو تم ذلك عبر الديمقراطية والانتخابات النزيهة. بذلك، فموازين القوى المحلية والدولية ليست مع هذا السيناريو. لقد تخلّى الغرب عن فكرة القبول بالإسلام السياسي شريكا في اللعبة السياسية الدولية.
يضاف إلى ذلك أنه ليس من مصلحة الإسلاميين الموريتانيين الإقدام على هذه المغامرة ضمن السياق الراهن، وهو الخطأ الذي ارتكبه الإخوان المسلمون في مصر، وكلّفهم الكثير. ولعلّ من شأن تأثر قيادة "تواصل" بحركة النهضة، وبزعيمها راشد الغنوشي، أن يجنّبها الوقوع في هذا الفخ، والتحكّم في طموحها السياسي. من حق الإسلاميين التفكير في ممارسة الحكم، إلا أن ذلك قد يفتح عليها أبواب جهنم، ويؤلّب ضدها الجميع، بعد أن فقد الإسلاميون كثيرا من البريق الذي اكتسبوه بعد الثورات العربية.
على الرغم من أنها تتصدّر المعارضة التي تراجعت أهم أحزابها، بسبب مقاطعتها العديد من الانتخابات السابقة، إلا أن الحركة الإسلامية الموريتانية غير مؤهلة للحكم، في بلد فقير، ومنهك اقتصاديا، ويواجه تحدّياتٍ كبرى على أكثر من صعيد.
صلاح الدين الجورشي
العربي الجديد