شكلت انتخابات 2013 لحظة تحول حاسمة فى الأوزان السياسية داخل الحوض الشرقى، وخصوصا المقاطعة المركزية (النعمه) بفعل صراع الكبار فى الريف، وضعف التقدير لدى صناع القرار بالولاية وبعض الممسكين بالملفات السياسية فى العاصمة نواكشوط. وشكلت نتائج المجلس المحلى بالنعمه (البلدية) فى الشوط الأول صدمة كبيرة لدى اغلب الفاعلين فى حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بموريتانيا، وصارع أبرز رموزه من أجل تغيير النتيجة فى الشوط الثانى، لكن الشعب حكم لصالح تداول جزئى فى السلطة لصالح حزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية المعارض بفارق ضئيل (16 صوت)، رغم أن القوى المذكورة حاولت تقليص دور الحزب ونفوذه فى المقاطعة من خلال ابعاد العسكريين الذى صوتوا له فى الشوط الأول فى مفاجئة من العيار الثقيل. رموز فى الحكومة وآخرين فى دوائر فاعلة فى السلطة نافسوا من أجل الظهور عبر بوابة “النعمه” عاصمة الولاية، لكن الجهد المدعوم بخدمات حكومية، ودعم سياسى من هرم السلطة لم يشفع للحزب أو من مثلوه على الأصح فى التقاط أكثر من 2212 صوت من سكان المدينة (49.82%) الثائرة اليوم من أجل الماء والعيش والفرص المتساوية بعد 7 سنوات من انقلاب الجيش على السلطة فى موريتانيا. تبدو النعمه وكأنها المدينة النشاز فى الخريطة السياسية بالمقاطعة، حيث حافظت قوى الأغلبية على مكانتها فى المجالس المحلية الأخرى، مع ضعف الانضباط الحزبى ، وطغيان التحالف القبلى لترجيح كفة أو المحافظة على المكانة، بينما استسلم أطر البلدية المركزية للأمر الواقع وهم يخسرون وجههم الخارجى بفعل سوء التخطيط وضعف التعايش مع السكان، والاستثمار فى المشاكل خلال العشرية الأخيرة. ففى الشوط الثانى ذاته حسم حزب الحراك بلدية ” أم آفنادش” بعد تحالفه مع غريم الأغلبية ومنافسها الأبرز بالولاية (حزب تواصل)، واستثمار بعض الفاعلين فى الأغلبية الداعمة للرئيس الصراع الجارى بين الأشقاء داخل البلدية الأهم بالمقاطعة من حيث الكثافة السكانية لتقويض جهود مناوئيهم فى الساحة وخلق واقع جديد. واسفر الشوط الثانى عن فوز حزب الحراك من أجل الوطن بالمجلس المحلى بعد حصوله على 3716 من أصوات الناخبين أي حوالى 59% ، بينما حل التحالف الممثل للحزب الحاكم فى المرتبة الثانية ب 2494 صوت (40.13%) مسلما قيادة المجلس المحلى للتحالف المغاضب بفعل الترشيحات التى أفرزتها اجتماعات الحزب الحاكم بنواكشوط ومصالح بعض الأطر الفاعلين فى حسم الصراع بقوة المال والنفوذ ممن كانوا يعارضون هيمنة الحلف الممسك بالبلدية خلال العقدين الأخيرين. وبغض النظر عن خسارة الحزب الحاكم للمجلس المحلى، فقد حافظت مجمل الأطراف على نتيجة فاعلة فى الانتخابات البرلمانية فى المقاطعة، بعد تصويت الطرفين لصالح مرشحى حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ، رغم الخلاف بين القوى المحلية وبعض المرشحين فى اللائحة أو المفروضين من الرئيس ووزيره الأول. وفى بلدية “حاسى اتيل” تمكن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم من العبور فى الشوط الأول بعد حصوله على 1541 صوت من الأصوات المعبر عنها، مقابل 775 لممثل المعارضة (التحالف الشعبى)، ورغم الفوز الكاسح للحزب بالبلدية (66.54%) إلا أن النتائج أعطت رسالة أخرى بالغة السلبية بخصوص الانقسام الفئوي داخل المجتمع، واظهرت تمرد طبقات ظلت مسحوقة إلى وقت قريب، وخروجها من عباءة الحزب و الدولة الذى تنظر إليهما من خلال المشيخة التقليدية المتحكمة فى القرار الداخلى، ولعل نتيجة “أتيله” وقبلها “النعمه” تعزز ماذهبت إليه الكثير من الأوساط عن وجود احتقان اجتماعى ضاعف منه الفقر والشعور بالغبن وغياب التمثيل الشرائحى داخل الولاية الأكبر من حيث الكثافة السكانية فى موريتانيا. وفى بلدية “بيريباف” شكلت نتائج الانتخابات تكريسا لهيمنة الحزب الحاكم على المجلس المحلى، وقاد مرشح الشيوخ عن الحزب التحالف الداعم له إلى فوز كبير من الشوط الأول بنسبة بلغت 71% بعد أن ضمن تصويت 1375 صوت مقابل 311 لصالح حزب تواصل المعارض (16.88%) و 179 صوت لصالح حزب التحالف الشعبى (9.60%). وفى بلدية آكوينيت مسقط رأس فدرالى حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم القطب ولد الشيخ سعدبوه، تمكن الحزب الحاكم من العبور فى الشوط الأول بنسبة بلغت (79.75%)5164 صوت، بينما انتزع حزب تواصل المعارض نسبة كبيرة من أصوات الناخبين 1326 صوت أي مايعادل 20.43% فى منافسة قوية بين الحزبين، حسمت مبستوى الفرز القبلى بالبلدية، وبفعل التحالفات السياسية القائمة منذ فترة. وفى بلدية “بنكو” مسقط رأس الوزير الأول السابق مولاي ولد محمد لغظف حافظ الحزب الحاكم على تقدمه بالبلدية بعد حصده 1688 صوت (61.70%) بينما انتزع تواصل 600 صوت (21.97%)، وحل حزب التحالف الشعبى التقدمى المعارض فى المرتبة الثالثة بعد حصوله على 367 صوت (13.41)، وحل حزب الوئام المعارض فى المرتبة الأخيرة (2.92%). وفى بلدية “أشميم” خسر الحزب الحاكم الراهن حينما حاول فرض بعض الأطراف السياسية على الناخبين، وتمكن الحلف المغاضب من انتزاع البلدية بنسبة كبيرة بعد حصده 854 صوت أي مايعادل (52.42%)، واكتفى حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بنسبة 47.58% من أصوات الناخبين. لكن المجموعة المغاضبة اختارت حزب الوحدة والتنمية الموالى للأغلبية الرئاسية من أجل فرض ذاتها وتسفيه أحلام اللجنة المركزية المكلفة بحسم الترشيحات فى الولاية. وفى بلدية “أنولل” حسم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم الصراع المحتدم بين الأشقاء فى المركز بأغلبية بسيطة، لكن النتيجة شكلت بحد ذاتها فشلا ذريعا للحزب الذى عجز عن احتواء الخلاف بين رموزه المتصارعين، مما مكن حزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية المعارض من استثمار الصراع لصالحه والتأسيس لأول حضور جدى داخل البلدية الريفية المنكوبة بفعل التهميش وسوء التسيير. وقد اظهرت النتائج الأخيرة للصراع فوز الحزب الحاكم ب 1523 صوت أي حوالى (54.05%) بينما انتزع تواصل 45.95% من اصوات الناخبين، أي 1295 صوت. وفى بلدية “المبروك” انقسمت الأغلبية الداعمة للرئيس حول ذاتها، لكن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم فاز من شوط الانتخابات الأول بنسبة بلغت 70.20% بعد حصوله على 1213 صوت، بينما حل حزب الحراك فى المرتبة الثانية ب481 وصوت لصالح حزب التحالف الشعبى التقدمى 34 شخص ليكون الحزب المعارض الوحيد داخل البلدية. وتشكل نتائج انتخابات 2013 خارطة سياسية مؤقتة داخل المقاطعة بفعل الارتباك الذى صاحب الانتخابات، وعدم يقين بعض القوى السياسية والفاعلين المحليين فى اجراء الاقتراع فى يومه جراء تردد السلطة وتكرار تجارب مماثلة، كما أن المشاركة فيها كانت جزئية بفعل مقاطعة قوى سياسية ذات مكانة فى السابق، وحصر الخيارات المتاحة أمام القوى المحلية فى الحزب الحاكم وبعض ملحقاته الناشئة وأحزاب المعارضة الثلاثة التحالف و تواصل والوئام، فى ظل قانون انتخابات يمنع ترشيح المستقلين لأول مرة بموريتانيا.