تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن تكلفة استخراج طن واحد من خام الحديد تصل إلى أكثر من 70 دولار في حوالي 40% من مناجم الحديد العالمية الحالية .وإذا نظرنا إلى حالة السوق العالمي للمادة الخام نجد أن الأسعار انخفضت إلى أقل من التكلفة المذكورة منذ نوفمبر2014 م مما أدى إلى إفلاس
وإغلاق الكثير من المناجم خاصة الصينية، وخلق تراجعا يزداد يوما بعد يوم في الإنتاج الصيني المحلي للمادة الخام، وإذا استمرت هذه الوضعية الحالية للأسعار على مدى زمني طويل فإنها قد تخلق فجوة مؤقتة في السوق يكون فيها المعروض أقل من المطلوب ، وبالتالي خلق الظروف المناسبة لقفزة للأسعار خاصة في السوق الصيني وذالك للأسباب التالية :
أولا:- أن نموذج الاقتصاد الصيني يعتمد على استيراد المواد الأولية، وتوريد الصادرات الصناعية،
حيث شكل قطاع الصناعة حوالي 56% من الناتج المحلي الإجمالي الصيني لسنة2015، وتعد صناعة الصلب العمود الفقري الذي تعتمد عليه كل الصناعات الأخرى.
ثانيا:- لإنتاج طن واحد من الصلب الخام عن طريق الفرن العالي نحتاج إلى 1.6 طن من خام الحديد، و90% من مصانع الصلب الصينية تستخدم الفرن العالي لإنتاج الحديد .
ثالثا: - غالبية مناجم الحديد الصينية صغيرة الحجم، وتكلفة استخراج خام الحديد منها عالية جدا تصل ( 80 -100 دولار) للطن، وفي أحسن الأحوال (50-60 دولار للطن) أكثر من المعدل العالمي (20-40 دولار) وذلك نتيجة لأن خامات الحديد في الصين من النوع ضعيف التركيز حيث غالبية المكامن المنجمية نسبة الحديد فيها أقل من 30%. بالإضافة إلى تعقد ظروف الاستغلال و الحصيلة العالية للضرائب .
رابعا:- دخول خطة الحكومية الصينية لتنشيط اقتصادها الوطني حيز التنفيذ والتي تركز على سياسة مالية تدعم الاستثمار في المجال العقاري والبنية التحتية، وهما المجالين المستهلكين للحديد في ظل وجود مخزون احتياطي صيني من المادة الخام يغطي فقط حوالي 25 يوم إنتاج.
وعند أخذ جميع هذه الأسباب المذكورة أعلاه وغيرها في الاعتبار، فإن ارتفاع الطلب متجاوزا العرض المحتل في السوق الصيني لتغطية النقص الحاد الذي سيحصل في الإنتاج الصيني قد يدفع أسعار خام الحديد إلى ما فوق التوقعات حتى ولو لفترة مؤقتة بل قد يكون بداية لنتيجة غير معلنة عن خسارة الصين حرب الأسعار التي ذكرتها في مقال سابق تحت عنوان " انهيار أسعار الحديد الخام ومستقبل السنيم" وبالتالي دخول دورة سعرية جديد .
ونظرة بسطية على المؤشرات الجديدة لبيانات السوق الصيني تدعم هذا التوجه حيث تشير البيانات الصينية إلى انخفاض بواقع 8.7% في الإنتاج الصيني لسنة 2015 وقد تراجع الإنتاج من (1.514مليار طن) سنة 2014 إلى (1.381مليار طن )سنة 2015 ، وقد صاحب هذا التراجع في الإنتاج تزايد في الاعتماد على خام الحديد المستورد لتغطية احتياجاتها و حسب التصريحات الأخيرة لنائب رئيس الجمعية الصينية لصناعة الحديد والصلب قد بلغ اعتماد الصين على الحديد المستورد 84% سنة 2015 و 86.7 % خلال الشهرين الأولين من 2016.
لكن يبقى تحديد وقت هذه القفزة المرتقبة وكم من الوقت ستستمر أمر يحتاج إلى المزيد من الدراسات والبحث.
مع أن جل المحللين الدوليين يعتقدون أن هذه القفزة المتوقعة لن تكون خلال هذه السنة الجارية حيث يعتقد عدد كبير منهم وبعض مسؤولي الشركات العالمية الكبرى في مجال التعدين أن ارتفاع الأسعار تدريجيا خلال الأسبوعين الماضيين إلى أكثر من 60 دولار للطن ليس إلى استجابة لرفع الفائدة الأخير الذي أثر على أسعار كل السلع الأولية المقومة بالدولار، وأن الاتجاه العام للأسعار هو المزيد من الهبوط خاصة في الربع الأخير من السنة الجارية بل يعتقد البعض أن الأسعار قد تصل إلى حدود 35 دولار للطن قبل نهاية العام الجاري .
ويتفق مع الرأي السالف الذكر السيد Sam Walsh المدير التنفيذي لشركة ريو تينت (Rio Tinto ) ويقول : أن الزيادات الجديدة في الإنتاج العالمي ستغطي الطلب الصيني الجديد لذا من المحتمل أن تهبط الأسعار في النصف الثاني من السنة الجارية.
كما توقعت سيتي غروب ) (Citigroup وهي أحد أكبر شركات الخدمات المالية الأمريكية أن تنخفض الأسعار إلى حدود 45 دولار للطن خلال النصف الثاني من2016 .
هذا الرأي يتفق أيضا مع توقعات كابيتال ليمتد Capital Economics Ltd إحدى الشركات المستقلة الرائدة في مجال البحوث الاقتصادية والتي توقعت أن يكون هناك فائض كبير من خام الحديد مع نهاية هذا العالم مما قد يتسبب في انهيار الأسعار .
وكذالك توقع بنك الاستثمار Liberum Capital Ltd أن تتراجع الأسعار في النصف الثاني من هذه السنة إلى 40 دولار للطن.
ويضيف مُحَلّل غولدمان ساكس ( Goldman Sachs ) السيد Christian Lelong على الرغم من أن أسعار خام الحديد حققت قفزة مهمة في الربع الأول من السنة الجارية إلى أن مصيرها في النهاية إلى الانحدار.
المتتبع لمؤشرات الأسواق العالمية في الآونة الأخيرة يلاحظ ارتفاعا عاما لأسعار خام الحديد خاصة في السوق الصيني رغم كل التوقعات التي كانت وما زالت تؤكد عكس ذلك. وتشير مؤشرات نفس السوق إلى تراجع كبير في الإنتاج الصيني يزداد يوما بعد يوم مما قد يخلق فجوة، وبالتالي قفزة سعرية يصعب علينا حاليا تحديد وقتها، ومدتها. وعلى الرغم من توقع البعض عدم حدوثها خلال السنة الجارية كما ذكرنا سالفا ،لكن في الحقيقة حدوثها يبقى احتمالاً وارداً خاصة في ظل تبني الحكومة الصينية سياسة صارمة لإعادة هيكلة الاقتصاد الصيني بصورة عامة وبصورة خاصة قطاع صناعة الحديد والصلب .
وقبل أن أختم لابد أن أشير إلى أنه في عصر الحروب المالية، والإلكترونية، واستخدام المواد الأولية كسلاح سياسي أصبحت استقلالية ومصداقية مراكز البحوث العالمية على المحك، وعلى كل دولة تحترم نفسها تطوير مراكز بحوث خاصة بها .