تشهد الساحة الوطنية خلال الأيام المقبلة تنافسا انتخابيا محموما على مقعد الرئاسة. وهي مناسبة وطنية تتكرر كل خمس سنوات وتأتي في ظل ظرفية سياسية استثنائية. فلأول مرة منذ إنشاء الدولة الموريتانية سيتم التناوب السلمي على السلطة دون سابق انقلاب عسكري أو مجلس أعلى أو بيان أول. وهو حدث مثالي في عالمنا العربي الكبير إذ يعبر عن الروح الوطنية لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز من خلال حرصه على احترام الدستور وتكريس ثقافة التناوب السلمي وعدم التشبث بكرسي الرئاسة في سبيل المصلحة العليا للوطن . رغم أن دعوات ومبادرات عدة قام بها برلمانيون مشرعون من أجل تفصيل الدستور على على مقاس الرئيس إلا أنه رفض كل الرفض وفضل أن يبقى الدستور مفصلا على مصلحة الدولة وأمنها وسمعتها بين بلدان القارة ولدى شركائنا في التنمية وأن يؤسس بدءا من نفسه لمحدودية الدورات الرئاسية في هذا البلد الإفريقي المتعطش للديمقراطية أيما عطش .
وفي حين حسم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم موقفه وقدم وزير الدفاع محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني مرشح أوحد للحزب في الاستحقاقات القادمة ,لا يزال المتتبعون للساحة السياسية ينتظرون المرشح الوحيد للمعارضة على الأقل كما هو محتمل ومؤمل من خلال النقاشات والاجتماعات المكثفة , وهو الأمر الذي إن تم سيكون نتاجا لمخاض عسير فليس سهلا أن يجتمع عليك دفعة واحدة الراديكالي والإخواني واليساري والتقدمي والقومي بتوجهاتهم ومشاربهم المختلفة.
وفي ظل ظرفية كهذه وواقع سياسي مفتوح على كل الاحتمالات كهذا . ينتظر أن نشهد انتخابات ساخنة سيكون لها ما بعدها من تنافس محموم وحملات دعائية مشحونة وإرهاصات واستقطابات مكثفة .
فإلى أين تتجه التحالفات السياسية على أعتاب لانتخابات ؟
وكيف سيتأثر الجو السياسي بالحملات المبكرة ؟
وما هو شكل المرحلة التي ستفرزها انتخابات يونيو ؟
ففي خطوة مفاجئة أصدرت وزارة الداخلية بيانا يتم بموجبه سحب التراخيص عن جملة من الأحزاب السياسية تبعا لقانون الأحزاب الصادر عقب الحوار الوطني الشامل في فقرته المتعلقة بالأحزاب السياسية .
وهي خطوة طعن البعض في مصداقيتها نظرا للظرفية التي تمت فيها واعتمادا على بعض المعطيات التي اعتبروها مجحفة بحقهم , وأيا يكن فالخطوة سيكون لها تأثيرها على واقع التحالفات القادمة خاصة أن بعض الأحزاب قد استبق الخطوة وألقى بنفسه في ركب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في تصرف وصف بالذوبان والانتحار السياسي ووصفه آخرون بالخطوة السليمة لكون الاندماج أفضل من التبعية السياسية. ليبقى مصير البقية ممن شملهم قرار الحل مفتوحا على كل الاحتمالات خاصة أن بعضهم قد يعزز صفوف المعارضة , دون أن ننسى التنويه أنها أحزاب في مجملها لم تتجاوز نسبة الواحد في المائة مما قد لا يشكل تهديدا كبيرا على الحزب الحاكم والذي تربع في الانتخابات الماضية على مجمل البلديات في عموم التراب الوطني .
كما قد لا يخفى على المتتبع للمشهد السياسي كم الانسحابات المتتالية من كبريات الأحزاب وانضمامها للحزب الحاكم وهو ما قد يتيح لنا بالإضافة لما سبق قراءة جلية لطبيعة التحالفات المقبلة وأي المرشحين يحظى بالفرصة الكبيرة للظفر بمقعد الرئاسة .
خاصة إذا لاحظنا أنه بمجرد إعلان وزير الدفاع لترشحه بدعم لا محدود من فخامة رئيس الجمهورية ومؤازرة مطلقة من حزب الاتحاد بدئت حملات التأييد والمساندة انتصارا لهذا الخيار وحثا على تأييده , وهو ما اعتبره البعض حملة سابقة لأوانها وإن لم تكن ممنوعة من الناحية القانونية إلا أن كل ذلك يمكنه أن يعطينا تصورا شموليا لطبيعة الرقعة السياسية بعد انتخابات السادس عشر من يونيو المقبل .
وإذا تجاوزنا ما ستسفر عنه الانتخابات المقبلة سيبقى التساؤل واردا ومطروحا من قبل المتتبعين والمدونين والمتطلعين لطبيعة التشكلة الحكومية التي ستقود البلد في مرحلة ما بعد الانتخابات فهل ستكون تحالفية أم من طيف سياسي واحد أم أنها ستكون حكومة تكنوقراطية بحتة أو في رئاستها على الأقل , وللإجابة على هذا السؤال يلزمنا أن نستشرف قراءة مسبقة لطبيعة الترشيحات خاصة من قبل المعارضة والتي تشير أكثر الروايات إلى اتجاهها لترشيح سيدي محمد ولد بوبكر كمرشح توافقي لم يتم حسمه حتى الآن.
فعلى الرغم من قلة حظوظ مرشح المعارضة حسب التجربة والمعطيات فلا ضير أن نفترض حصول ذلك , وهو الأمر الذي إن تم وفاز ولد بوبكر بالرئاسة فحينها يمكننا أن نعود لتاريخ آخر حكومة تولاها الرجل مع ميزة كونه مرشح إجماع المعارضة وهو الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى أن حكومة تكنوقراطية ستكون خيارا مطروحا بقوة نظرا لاستحالة توافق المعارضة على حكومة تحالفية بعد أن خاضت مسارا عسيرا في الحصول على مرشح متفق عليه وهو ماقد يدفع بأسماء من الحقبة الطائعية تماما كما دفع بولد ببكر نفسه من أعماق تلك الحقبة .
وفي المقابل في حالة فوز مرشح الأغلبية وهو الأمر الوارد على أية حال فإن حكومة من الأغلبية الداعمة ستكون مطروحة بشكل مؤكد وإن كان التجديد من ضمنها سيكون حتميا بكل تأكيد , على الرغم من أنه لايستبعد أن يبقى بعض أركان الحكومة الحالية ممارسا لمهامه كما حدث في انتقالات رئاسية سابقة إلا أن المطروح هو التسمية المحتملة لرئيس الوزراء والذي يفترض فيه الاحتكاك بالملفات الكبرى ومعرفة دقيقة بالسياسة التي تنتهجها موريتانيا في شبه المنطقة والعالم كما أن عليه إدارت ملف كالغاز المتوقع بدء استغلاله في مطلع العقد القادم والذي تتولى شركة بريتش بيتروليوم البريطانية إنتناجه وتوزيعه في اتفاق مبرم مع الحكومة الموريتانية والسنغالية الشيء الذي دفع المملكة المتحدة مؤخرا لتعزيز روابطها السياسية بموريتانيا من خلال افتتاح سفارة لها بموريتانيا وهو ما قابلته الدولة الموريتانية بالمثل وعينت سفير فوق العادة وكامل السلطة ممثلا لبلادنا الشيء الذي يدفع للاعتقاد بأن اسم السفير الدكتورإسلكوأحمد إزيد بيه سيكون مطروحا بقوة .
وإلى ذلك الحين ستبقى الساحة السياسية مسرحا وثيرا تتعدد فيه التكهنات بتعدد التحالفات وصراعات الأقطاب والفاعلين إلا أن أمرا واحدا سيكون حتميا ومؤكدا وهو أن موريتانيا تمر ولأول مرة في تاريخها بتجربة سياسية فريدة لم تعهدها سابقا كما لم تعهدها عديد البلدان العربية والإفريقية في شبه المنطقة .
أحمد سالم المصطفى الفايدة