أخي في الله محمد غلام بن الحاج الشيخ
سعدت كثيرا بقراءة مقالكم المتداول اليوم في وسائط التواصل الاجتماعي وما كنت أتصور أن يَنفُذ إلى قلبي من خلال هذا الجو الملبد بالسموم كَلِمٌ طيب يصدر من قامة وطنية كبيرة مثلكم .
أمَا وقد أفضى التجنِّي عليَّ على غير وجه حق ، إلى أن تجاملوني على هذا النحو المثلج للصدر ، فقد سهُل الأمر و هان الخطب . فيا ليتني تعرضتُ كل يوم إلى حملة مغرضة عاجلة و ظفرت منكم بلفتة طيبةٍ مماثلة ..إنها صفات حميدة كسوتمونيها آمل أن تكون تعكس الواقع كما عكست نُبلكم و عبرتْ عن حسن طويتكم.
أخي العزيز
أدخل في الموضوع فأقول : لا حاجة لحصافةٍ أو فطنة وقَّادة لتنبه أي إنسان طبيعي إلى خطورة أن يدخل أي لون من ألوان التزلف في نطاق خدمة الحاكم أو التقرب إليه خاصة بالنسبة لمن له عنه مندوحة بالانتماء إلى دائرة صِفوة الصفوة من المعاونين قبل الحملة و أثناءها و حتى بعد التنصيب و تسلُّم مقاليد السلطة!
و كذلك لا حاجة لحصافةٍ أو فطنة وقَّادة لتنبه أي إنسان طبيعي إلى أن ما تطالعنا به المنشورات من خبر عن تأسيسنا زاوية باسم الطريقة الغظفية
لا يستند إلى أي دليل قويم أو منطق سليم.
ذلك أن من يعرفني عن قرب أو قرأ لي أو قرأ عني يدرك أنني قد أوصم بأي عار و شنار إلا التزلف للحكام إذ لو كنت كذلك لما سجنني معاويه ولد سيد أحمد الطائع في نهاية عهده و لما أقالني محمد ولد عبد عزيز في بداية عهده .
و مهما يكن من أمرٍ ، فإنني أتفهم بصدر رحب موجة الانتقادات التي صاحبت النبأ و أنصف أصحابها بل أجعلهم في حل مما اقترفوا في حقي ، إذ أنها لا تتوجه إليَّ شخصيا و إنما تستهدف عملا مشينا لو صح عني لكنت أستحق تجريحا أكثر و لو ثبت عن غيري لكنت الأول في صفوف المنتقدين!
أخي العزيز،
لقد شدني ما كتبتم و تبينتُ من خلال نبرتكم الصادقة ضرورة أن أسوق إليكم بكل صدق و تجرد ما يبين الحقيقة و يزيل اللبس حول الموضوع المثار لعلمي أنكم إنما تتوخون الصدق عادةً و الأمانة في كل ما تقولون أو تفعلون .
أولا: لم أتقدم إلى وزارة الداخلية بأي طلب لترخيص أي هيئة كيفما كانت طبيعتُها ،و لا أهمُّ بذلك ولم أصرح به لأي كان ، و ليس في وزارة الداخلية أدق من سجل المراسلات الصادرة و الواردة .
و لو كنتُ منشئاً هيئةً للتعريف بالتصوف لكان أولى بي إنشاء زاوية باسم أحد رواده من أسرتنا الخاصة هو ابن عمنا العالم العلامة المتصوف محمد والد بن خالُنا المتوفى 1212 هجرية و هو شاذلي كما تعلم ويشترك مع الغظفية في ذات السند المتصل بالشيخ محمد بن ناصر الدرعي!
ثانيا: أنا لا أفتقر لهيئة للنشر كما هو معلوم إذ أتوفر على مكتب مشرع للطباعة و النشر يعمل منذ مطلع الثمانينات و هو مركز "الرشاد" الذي هو أول من نشر سنة 1981 ديوانيْ ابن أحمد يوره و الشيخ التراد بن عباس ولا يزال عطاؤه متواصلا ومطبوعاته المتنوعة مبثوثة في رفوف المكتبات التجارية و الخصوصية .و لمركز الرشاد هذا موقع ألكتروني رسمي مشهور.
ثالثا : لم أظفر بشرف إنشاء أي هيئة باسم الطريقة الغظفية ، أو تخدم الطريقة الغظفية و إن كنت و بعض أخص المنتمين إلى هذه الطريقة الشاذلية إخوة في التصوف باعتباري قادريا، و أصدقاء في الله و حلفاء في السياسة .
رابعا: ونظرا لهذه العلاقة ثلاثية الأبعاد تربطني علاقات صداقة وطيدة مع بعض هؤلاء و بموجب ذلك و بحكم اهتمامي بالتصوف بصورة عامة ، أعلم أن للطريقة الغظفية في بومديْد فرعين ذكرهما ابن خلدون موريتانيا في موسوعته و أن لكل من هذين الفرعين حضرته المتميزة .و أعلم كذلك أن هذين الفرعين ينصهران منذ بعض الوقت داخل هيئة واحدة مرخصة باسم " الزاوية الغظفية في بومديْد " و هو اندماج كان ضروريا لتعزيز اللحمة محليا و تسهيل التواصل مع الغير.و أعلم مرة أخرى أن هذه الزاوية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ لا تحتاج إلى دعمٍ من الغير للتعريف بنفسها أحرى أن يأتي ذلك من شخص مثلي قادم من خارج دائرتها الصوفية و محيطها الجغرافي .
و كما هو الشأن بالنسبة لجميع الزوايا الصوفية المنتشرة في البلاد ، أتخيل أن تكون لهذه الزاوية نشاطات محدودة تنحصر في المقاومة من أجل البقاء و أنا أتمنى معكم من كل قلبي أن لا تتحول هذه الزاوية طبقا لتخوفاتكم إلى" وسيلة مبتذلة للقرب من السلطان والتزلف بها للأقربين "و أن يكون لها في الحضرة التيجانية في "لمدن" في عهد الرئيس التيجاني الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، أسوة حسنة و مثالا يُحتذى.
خامسا: و بالمناسبة أذكر أنه سبق لي أن شاركت كباحث - بطلب من هذه الزاوية- إلى جانب باحثيْن مرموقين هما الدكتور يحيى ولد البراء و الأستاذ الباحث محمد يحيى ولد احريمو في إعداد مجموعة بحوث علمية و دراسات ميدانية يمكن اعتبارها تكميلا لما جاء في " المجموعة الكبرى الشاملة لفتاوى و نوازل و أحكام أهل غرب و جنوب غرب الصحراء" ( جزء التصوف ) عن الطريقة الغظفية.و قد ركزنا في ذاك العمل على ما ذكرتموه لدى هذه الجماعة من مميزات أخصها الجهاد (من خلال الشريف المجاهد سيدي ولد مولاي الزين و المجاهد المهاجر الشيخ محمد لمين بن زيني) و التنظيم التجاري و الاقتصادي العجيب و خاصة في ولايات آدرار و تكَانت و لعصابة و الحوضين .
و آخر عهدي بهذا العمل الذي لم أكن فيه أوفرَ حظا من بقية الزملاء ، أنه صيغ في شكل كتاب التزمت الزاوية بنشره بمقدمة تعهد بكتابتها العلامة الشيخ عبد الله بن بيه و تحت عنوان تم التشاور بشأنه مع الأستاذ النائب الخليل بن أنحوي هو : "الطريقة الغظفية : الإرشاد و الإمداد و الجهاد ".
سادساً: أختم فأقول إنني كتبت إليكم لقناعتي من صدق نيتكم ، أما عادتي في مثل هذه الحالات التي تطالعنا بها وسائل التواصل الاجتماعي من حين لآخر هي أن أقابلها بالتغاضي لأنني أتساءل دائماً : ما ذا تجدي وسائل الإقناع في من يتجاسر على نشر نبأ ينتهك به أعراض المسلمين بصورة سافرة ، و هو يحجم عن مجرد لمسة خاطفةٍ على زر ينفذ من خلالها تلقائيا إلى المحيط الخاص للشخص المعني ، ليتثبت لديه من صحة النبأ قبل نشره ؟!
و بعيدا عن مجال التحامل و التصوف أعرج بكم قليلا إلى أحد دوائر اهتماماتكم الأخرى هو الأدب الحساني لأروي لكم طلعةً كنت تسلَّيت بها في مناسبة مماثلة سابقة:
عندِ وازع هاك امن الدين
أمتين أ وازع زاد أمتين
من لمروَّ طاه المتين
أ طانِ وازع زاد الخلاقْ
من لخلاق أمتين أ ش شين
ولَّ زاد احرام أ لا لاق
هاذُ لثنيْن ابْعيد امنين
دخلُ عهد أكَنَنْتْ ابْلطلاق
و إردُّونِ عنهم لثنين
لمروَّ و الدين أ لخلاق !
وفقكم الله لما يحبه و يرضاه
و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.