مثل كل الموريتانيين بت أنتظر مع فارغ الصبر ”الحلقة” إن صح التعبير التي تلي كل اجتماع لمجلس وزرائنا الموقر لأكتشف مفاهيم و خواطر جديدة في كل المجالات سواء كانت سياسة أو دبلوماسية أو اقتصادية يتولى شرحها بعض وزراءنا
فبينما كنت الأسبوع الماضي منهمكا في الدرس الذي قدمه الناطق باسم الحكومة حين أكد أن خفض أسعار المحروقات لا يستفيد منه الفقراء بل من يمتلك السيارات فقط ، إذ طلع علينا هذا الأسبوع وزير المالية وهو ”زبدة” الحكومة إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه الوحيد من بينهم الذي تم توشيحه وفي ظرف وجيز من استلام مهامه، أقول طلع علينا هذا الوزير ليشرح لنا نظريات جديدة توصل إليها في مجال أسواق النفط و بعض المؤشرات الاقتصادية المتعارف عليها وكل هذا من أجل تبرير تصميم الحكومة عدم خفض أسعار المحروقات رغم انهيارها على مستوى الأسواق العالمية. واسترسل في الشرح مقارنا بين الأسعار في بلدنا مع بلدان أخرى ثم طلب من الصحفيين زيارة موقع فرنسي ذكره بالإسم www.zagaz.com ; وبما أن لدي خبرة متواضعة في مجال المحروقات المكررة و الخام مع بعض الشركات النفطية، لمست ضرورة الاستفادة من هذه الشروح ربما لأن معلوماتي أضحت منسوخة ويجب تحديثها.
طبعا أول ما قمت به هو زيارة ذلك الموقع الذي استدل به وزير المالية. فاكتشفت بعد ما تحليت به من حسن الظن أننا أمام أمرين لا ثالث لهما : إما أن هذا الوزير يكرر فقط ما تداوله مجلس وزراءنا الموقر، وفي هذه الحالة لا أملك إلا أن أقول حفظ الله موريتانيا وإما أن هذه الأقوال من خواطره ونسجه فأقول لسيادة الرئيس بكل صراحة هؤلاء لا يستحقون استشارتكم ولا تسيير الشأن العام.
ولعل مصارحة المواطن في هذه الظروف الصعبة و السياسة المتعنتة هي أفضل وسيلة للخروج من جدل قد يتحول إلى نقمة ليست في صالح بلدنا. يجب القول للمواطن أن أسعار المحروقات تتحكم فيها عوامل مباشرة وأخرى غير مباشرة. أما الأولى فهي أسعار النفط على مستوى الأسواق العالمية و قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار الأمريكي وكذلك أسعار الشحن. أما العوامل الغير مباشرة فهي السياسة الضريبية للبلد وكذا إستراتجيته في مجال الطاقة.
ولذلك لايمكن مثلا ، سيادة الوزير ، أن نقارن بين أسعارنا وأسعار فرنسا التي لعلمكم حررت أسعار بيع المحروقات المكررة على أراضيها منذ 1981و لا نملك نفس العملة ولا نشتري نفس النوعية من النفط لأنها تشتري الخام ويتم تكريره على أراضيها عبر ثماني أو تسع مصاف للنفط ولا نحن في قارة واحدة.
أما الموقع الذي استشهدتم به فلا يخدم فلسفتكم لأنكم إن رجعتم إليه ـواختصاصكم الإحصاء والاقتصاد القياسي- ستجدون جدولا ومنحنى يبين تطور الأسعار منذ سنوات وسترون ان أسعار البيع متعلقة بصفة مباشرة بأسعار الشراء على المستوى العالمي. سترون كذلك أن الأسعار في انخفاض منذ تقريبا نصف السنة الماضية. لكن المقارنة مع السنغال قد تكون إلى حد ما مقبولة على الأقل لموقعها الجغرافي . رغم ذلك فحكومتها رضخت للأمر الواقع وخفضت الأسعار ولو بنسبة ضئيلة ”30“ أوقية تقريبا.بالنسبة للمقارنة أو الاستدلال بما قامت به المملكة السعودية من زيادة لأسعار مشتقات النفط نهاية السنة الماضية فأذكر أنها سياسة اقتصادية شرحتها منذ 2014 نتيجة ارتفاع الاستهلاك الداخلي للمحروقات وما قامت به هو تقليص لدعم الأسعار فقط لكن اشترطت حينها الحكومة الزيادة بإكمال البنية التحتية للنقل العام من طرق وباصات وقطارات. فأين نحن من هذا ؟
أما المملكة المغربية فقد حررت هي الأخرى أسعار بيع المحروقات للمواطنين منذ نهاية السنة الماضية وبلغ سعر ”كزوال ” 285 أوقية يعني أخفض من سعرنا ب 100 أوقية تقريبا للتر الواحد. أما مفهوم مستوى المرونة التي قلتم أن نتائجها تؤكد عدم جدوائية خفض أسعار المحروقات. مرة أخرى اسمحوا لي أن لا أتفق معكم لأنه وببساطة حينما تكون السلعة لا يمكن الاستغناء عنها فان مرونة الأسعار تكون اقل لان المشتري سيشتريها حتى و إن ارتفع الثمن و لا يمكن تقليل الطلب فالذي قد يحمي المستهلك هو المنافسة المنظمة والقوية.
والحقيقة التي يجب أن تقال للمواطن البسيط هي كالتالي : إن النظام المالي والاقتصادي لبلدنا هش ليس لأننا لا نمتلك الخيرات و القدرات لكن لأننا عجزنا أن نسيرها بما يضمن لنا حماية كافية تؤمن للدولة حاجياتها دون أن ترمي بثقلها على مواطن هو في أشد الحاجة إلى من يخفف عنه وطأة الحياة. بمعنى أن بلادنا لازالت تعتمد على مواردها الطبيعية فقط لسد حاجياتها ولم تستطع أن تخلق أي قيمة إضافية يمكن الاعتماد عليها في حالة تدهور أسعار هذه الموارد. ولا تملك أن تسد هذا العجز اليوم إلا بالاستفادة من تدهور أسعار النفط طبعا على حساب المواطن و اقتصاد البلد الذي تظهر جميع الدراسات عدم جدوائية القيام بالمشاريع الصناعية لارتفاع تكلفة الطاقة.
إن أسعار المحروقات سيادة الوزير تدخل مباشرة في مستوى أسعار جميع البضائع والخدمات خاصة في بلد مترامي الأطراف ولا يزال يعاني كثير من مناطقه العزلة. وتأكدوا أن خفض أسعار المحروقات يعتبر زيادة مباشرة في دخل كل مواطن أم نسيتم مثلا أن كثيرا ممن تصفونهم بالفقراء يعيشون بسيارة أجرة أما الأغنياء الذين تتحدثون عنهم قد لا يحتاجون استعمال سياراتهم الفاخرة إلا لزيارة خفيفة لا تكلف أكثر من لتر أو اثنين.
إن ما وصفتم بمشاريع الطرق لفك العزلة أنها أفضل من إعطاء المحروقات ”كدو” فأتساءل من طلب المحروقات مجانا ؟ ثم إن المشاريع التي تحدثتم عنها كم هي تكلفة المحروقات فيها والتي ستنعكس طبعا على تكلفة المشروع الذي ستتحملون نفقاته !
إن هذه الأزمة كشفت مع الأسف الشديد وبشهادتكم حين تساءلتم كيف ستعوضون 100 مليار أوقية كانت تدخل من عائدات قطاع المعادن وهذا ما نبهنا وينبه عليه كثير من المواطنين الأكفاء حيث لا نمتلك أي رؤية واضحة ولا أي إستراتيجية في كل المجالات بما فيها الطاقة. وأخشى ما أخشى أن تعود أسعار النفط العالمية لأي سبب جيوسياسي أو أمني لمستواها العالي حينئذ كيف ستتصرف حكومتنا ؟
وفي الأخير، لي اليقين أنكم حين قلتم أن هذه الأسعار كانت موجودة منذ سنتين ولم تكن هناك مشكلة أعتقد أنكم لم تتمعنوا في أبعاد تصريحكم لكن ألا ترون أنه تحريض بل استفزاز للمواطن من أجل الثورة على هذا الوضع ؟ ألا تعتقدون أن هذا الشعب المسالم ربما لازال لديه الأمل والثقة فيما وعد به من ترشيد لثرواته وتحسين من معيشته؟ لكن ثقوا في المقابل أن الشعوب لا تقهر.
في انتظار ”الحلقة القادمة” أتساءل أليس في القوم رجل حكيم ؟
السبت، 27 ربيع الثاني، 1437 الموافق 06 فبراير ، 2016
اعل طالب ولد عبد القادر