منذ أن شرعت شركة كينروس تازيازت موريتانيا المحدودة بداية أغسطس المنصرم في تنفيذ سياستها الرامية إلي تقليص التكاليف المتصلة بعمليات منجم تازيازت ، بدأت العلاقة المضطربة أصلا بين فرع عملاق المعادن وعماله المحليين تتفاقم . كان أبرز خلاف يطفو علي السطح يدور حول السبب الذي قاد الشركة إلي اتخاذ هذه التدابير والذي يعود -وفق تعبير إدارة الشركة - إلي ’ ’ وضعية العجز المستمر الذي تعاني منه الشركة منذ بعض الوقت ، ’ ’ وهو سبب لم يكن مقنعا بالنسبة للعمال، خاصة أن الشركة لم تقدم في أي وقت من الأوقات الحجج الكافية لإثبات مزاعمها.
أضف إلي ذالك كون رب العمل لا يفرق -ربما عن قصد- بين تخفيض التكاليف التي تغطي عادة النفقات العامة الضرورية لانتظام سير العمل و بين تقليص الإنفاق الذي يؤثر في المقام الأول علي الأجور والذي يراد منه العمل علي مساعدة الشركة في تطوير مشاريعها .
وقد تميزت المرحلة الأولى بتسريح جماعي للعمال تم في خرق تام للمقتضيات القانونية ذات الصلة بما في ذلك تلك المتعلقة بالفصل لأسباب اقتصادية.
غير أن إدارة الشركة استغلت هذا التسريح لتصفية الحسابات مع بعض العمال حيث تم فصل العشرات من النشطاء ومن ضمنهم بعض مناديب العمال. وقد تم إعادة اكتتاب بعض هؤلاء العمال في وقت لاحق لكن هذه المرة من طرف شركات مقاولة من الباطن.
أما المرحلة الثانية فقد تمثلت في قرار أحادي تم اتخاذه من طرف صاحب العمل يقضي بخفض المكافأة الفصلية و تقليص نسب تكاليف التأمين الصحي و الضرائب علي الأجور التي تتحملها الشركة.
و من أجل تحقيق أهدافها، أبلغت إدارة الشركة ممثلي العمال عدم رغبتها في تجديد الاتفاقية الجماعية للمؤسسة التي كان من المفترض أن تنتهي خلال شهر ديسمبر 2015. إلا أنها عادت بعد بضعة أسابيع و قدمت إليهم وثيقة تتضمن مشروع اتفاق جماعي جديد. كما تضمنت الوثيقة دعوة مناديب العمال لإبداء ملاحظاتهم و تقديم مقترحات بديلة بحلول 15 أبريل 2016.
وعلى الرغم من أن هذا التغيير في المواقف بدا مفاجئا إلي حد ما لمناديب العمال، إلا أن الأخيرين أبدوا استعداداهم التام للمشاركة بفعالية في أي مفاوضات تستهدف تحسين ظروف العمل و المعيشة لعمال منجم تازيازت واغتنموا الفرصة لتقديم العريضة المطلبية العمالية التي كانت إدارة المؤسسة قد اقترحت ، بموجب رسالة بتاريخ 12/08/2015 تأجيل التفاوض بشأنها إلي وقت لاحق.
غير أن لجنة التفاوض أبلغت شفويا ممثلي العمال خلال اجتماع عقد في 03 من أيار الجاري أن المفاوضات ستقتصر حصرا علي النقاط الثلاثة المدرجة في الاقتراح المقدم من طرف رب العمل الشئ الذي يعني عمليا استبعاد التفاوض حول مطالب العمال.
ويري العمال في هذا الموقف دليلا على ازدراء واضح تجاه العمال وممثليهم . وقد عبر العمال خلال اجتماع عام عقدوه في تازيازت عن استياءهم من هذا الموقف الذي اعتبروه انتهاكا صارخا لحق التفاوض المنصوص عليه في التشريعات و الاتفاقيات الدولية وخرقا مدونة قواعد السلوك الخاصة بشركة كينروس وكذا قواعد المسؤولية الاجتماعية للشركة العابرة للقارات.
غير أن كل الدلائل تشير إلي أن الأمور تتجه نحو طريق مسدود في ظل تعنت إدارة الشركة على موقفها القاضي باقتصار التفاوض علي النقاط الثلاثة المشار إليها أنفا ورفضها مجرد الحديث عن مطالب العمال في وقت يصر العمال علي رفض المساس بحقوقهم المكتسبة أو إجراء أي تعديلات قد تطال عقود عملهم رغم تعبيرهم الدائم عن الاستعداد للدخول في أي مفاوضات تفضي إلي اتفاق يلبي مطالبهم المشروعة .
ويظل صمت السلطات العمومية المشبوه مصدر استياء العمال خاصة في ظل ما تقوم به إدارة الشركة منذ بعض الوقت من مضايقات بحق العمال. وقد أدت حملة المضايقات تلك إلى تزايد الحوادث المهنية التي كان آخرها الحادث الذي وقع يوم أمس والذي أصيب فيه أحد العمال إصابة بالغة قد تؤدي – لا قدر الله – إلي بتر ساقه.
وعلي كل حال فان العمال يعتبرون تصرف إدارة الشركة تلكؤا في إطلاق حوار جاد مع ممثليهم و يلوحون بالإضراب كخيار أخير لنيل مطالبهم المشروعة ويحملون الإدارة المسؤولية الكاملة عن ما قد ينجر عن تصرفاتها من تأزيم للمناخ الاجتماعي في الشركة.