وفق مبادئ العدالة والانصاف تتحدد أوجه قابلية مساءلة ومقاضاة رؤساء الجمهورية بصفتهم تلك في حدود مسؤولياتهم وسلطاتهم؛
في الجمهورية الإسلامية الموريتانية حدد دستور 20 يوليو، المعذب، مسؤوليات رئيس الجمهورية في (المادة 24) منه كالتالي:
1-حماية الدستور
2-تجسيد الدولة
3-ضمان السير المضطرد والمنتظم للسلطات العمومية
4-ضمان الاستقلال الوطني
5-ضمان الحوزة الترابية.
في سبيل الاضطلاع بهذه المهام يتمتع رئيس الجمهورية بسلطات ينفرد ببعضها ويتشارك بعضها الآخر مع غيره: -
أولا-السلطات بالتفرد: أي التي تكون صلوحيات الرئيس للمبادرة فيها غير معلقة خارج -النواحي الإجرائية -على مشاركة طرف آخر؛ فتكون نافذة بتوقيعه منفرد ا.
وتشمل هذه السلطات بنص الدستور:
1-تعيين وانهاء وظائف الوزير الأول (المادة 30)
2-استشارة الشعب عن طريق الاستفتاء (المادة 38)
3-حل الجمعية الوطنية (المادة 31/جديدة)
4-إعلان حالة الاستثناء (المادة 39/جديدة)
5-توجيه خطاب للبرلمان (المادة 30)
6-تعيين أربعة (4) من أعضاء المجلس الدستوري (المادة 81/جديدة)
7-استشارة المجلس الدستوري بشأن دستورية قانون قبل إصداره (المادة 81 /جديدة)
8-استشارة المجلس الدستوري بشأن دستورية اتفاق دولي قبل التصديق عليه (المادة 79)
9-تعيين رئيس وأعضاء المجلس الأعلى للفتوى والمظالم (المادة 94/جديدة)
ثانيا –السلطات المشاركة: وتشمل باقى ما يتمتع به رئيس الجمهورية من سلطات ، حيث يحتاج إنفاذها تصديق جهة أو جهات أخرى غيره ؛ من ذلك:
ا-السلطات المشاركة مع الحكومة والوزير الأول، وتشمل:
1-تعيين وانهاء وظائف الوزراء (المادة 30)
2-توقيع الإجراءات التنظيمية من مراسيم وأوامر متخذة في مجلس الوزراء (المادة 33)
3-التعيين في الوظائف العليا في الدولة؛ مدنية وعسكرية (المادة 32)
ب-مع البرلمان:
1-مبادرة تعديل الدستور (المادة 99/جديدة)
2-إصدار القوانين المحالة إليه من البرلمان (المادة 70)
3-إعادة مشروع أو مقترح القانون لقراءة ثانية قبل إصداره (المادة 70)
4-استدعاء البرلمان لدورة فوق العادة (المادة 53)
ج-مع السلطة القضائية:
ما يتعلق بحق العفو وحق تخفيض العقوبات أو استبدالها (المادة 37)
د-مع مؤسسة المعارضة:
تعيين أحد أعضاء المجلس الدستوري (المادة 81/جديدة)
د-مع المؤسسة العسكرية:
باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة (المادة 34)
ه-العلاقات مع الدول الأجنبية:
1-اعتماد السفراء والمبعوثين فوق العادة إلى الدول الأجنبية ومنها يعتمدون لديه (المادة 35)
2-المصادقة على الاتفاقيات الدولية (المادة 36).
تلك هي مسؤوليات رئيس الجمهورية ونطاق سلطاته كما وردت في الدستور، وفى إطارها ترتسم مبررات مساءلته في إطار العدالة الدستورية التي هي المعنية بكل النزاعات التي جوهرها احترام النظام الدستوري، ومواضيعها كل مسطرة تطال رئيس الجمهورية أو أعضاء الحكومة أو النواب في ما يتعلق بممارستهم لوظائفهم.
أما خارج تلك المواضيع فينهض القضاء العادي بدوره اتجاههم كأفراد عاديين، إذا ليس في دولة القانون من هو فوق القانون، ما يمنع الإفلات من المساءلة لشاغل أي وظيفة كانت، حتى ولو هى رئاسة الجمهورية؛ فكما يرى (برينو جنيفوا) هناك ضرورة للموازنة بين:" حماية الوظيفة السامية المسندة إلى صاحبها أو من يخدمها دون أن يصل الأمر إلى امتياز يمس الشعور بالعدالة "
مساءلة الرئيس وفق العدالة العادية متأتية متى نسبت إليه أفعال خارج تكليفاته وصلاحياته. أما مساءلته في إطار العدالة الدستورية فتقتضي حصول انتهاك للدستور، لكن لكي تحترم العدالة الجنائية (شرعية التجريم والعقاب) بذلك الخصوص يحتاج الأمر كما يرى (ؤوتو بفيرسمان) إلى ضبط المقصود بانتهاك الدستور؛ ذلك أن:" الانتهاك المدان للدستور يفترض أن الدستور يلزم اتيان سلوكيات تم تحديد طبيعتها بدقة تسمح بتحديد الأفعال التي لا تستجيب لما تم ضبطه سلفا كأفعال مخالفة.
تحويل المسؤوليات الدستورية إلى ضوابط جنائية يحتم الفصل الدقيق بين الالتزامات التي يشكل انتهاكها مساسا فعليا بالمسؤولية الدستورية، وبين الصلاحيات التي يترك أمر مباشرتها للتقدير الحر للرئيس الفدرالي"
اعتبر (ءاديمار أسمين) أن هنالك حالة واحدة يمكن فيها مساءلة الملك حين رأى أنه:" لا يمكن أن يكون الملك محلا للمساءلة إلا من طرف الثورة"، كذلك الحال، مبدئيا، بالنسبة لرؤساء الجمهورية مادامت مسؤولياتهم وسلطاتهم محددة على النحو المتقدم، ومادامت مساءلتهم متعلقة بما هو خارج ممارسة تلك السلطات.
هذا إذا لم يتم تطويع القانون لتحقيق ذلك، لكن عندما يتم تطويع القانون ستظهر درجة الحيدة عن جادة سبيل بناء دولة القانون، وسيكتشف الجميع مع (ءالكسي دى توكفيل):"أننا لم نكن نعشق الحرية بقدرما كنا نكره الحاكم".
الأستاذ الجامعي والمحامي يعقوب ولد السيف