يساري؟ قومي عربي؟ بعثي؟ معارض ناطح؟ معارض ناصح؟ مهادن؟ متخلخل؟ محاور؟ موالي؟، إلخ... لاحقوني بالأسئلة و حيروني عقب تصريحات أطلقتها في مقابلة مع إحدى القنوات الفضائية و مقالات صحفية كتبتها لبعض المواقع الألكتونية، انهالت رسائلهم بالمئات و مكالماتهم بالعشرات...و كأنهم يريدون أن يصنفوني رغم أنفي. و من بينهم إخوة أعزاء و أصدقاء، مناضلين و رؤساء أحزاب و نشطاء مدنيين و شخصيات مستقلة... لم أكن أظنهم يهتمون بالتصنيف، أو أنهم لا يدركون ما يكتنف التصنيف من خطورة في مجتمع لا يؤمن فيه الناس بالتنوع و بحق كل شخص أن يكون ما يشاء. ذلك أن مجتمعنا لا يزال يعاير بالأفكار و ينظر بتوجس لما يقال. و في هذا النوع من المجتمعات، فإن الثقافة السائدة قد تجعل التصنيف السياسي وسيلة للإقصاء إن لم يكن للضرر و الإيذاء. إن من تربى على إنكار حق غيره في إبداء الرأي يسرع فور أن يستمع لرأي غير الذي يعتقد في صحته المطلقة إلى تصنيف ما سمعه. و بودي هنا أن أقول بأن التصنيفات السياسية مهمة لكنها لا تجرى لتخوين هذا أو الاستهزاء بذلك، و إنما لكي تتاح للمجتمع بدائل عديدة تسمح لأفراده بفرص أوسع للاختيار. كما أنها وسيلة لترتيب النظام السياسي حتى لا يكون مائعا؛ كل من فيه يشبه الأخر. و إنما ليضم ممثلين لأفكار مختلفة لا غضاضة في أي منها. ثم إن تقسيم الساحة إلى تيارات سياسية، إنما يجب أن يأخذ في اعتباره اختلاف هذه التيارات على الوسائل و ليس على الأهداف. وحدها المجتمعات الفاشلة و المتهورة هي التي تفعل ذلك، فتسمح بالتصنيف على أساس اختلاف الأهداف. أما في المجتمعات المتقدمة و المنجزة، فالأولويات و الأهداف معروفة. و الاختلاف ينحصر بالأساس في النقاش حول وسائل بلوغها. و التصنيف لا يعكس إلا الفروق بين أبناء الوطن على أدوات خدمة الشعب، و لا يصح أن يكون وسيلة للادعاء على البعض الآخر بالتقصير في حق الوطن. و الأمل كبير أن تنضج أحزابنا و أن يحذر نشطاؤنا أن يصنفوا أحدا غصبا عنه، خاصة إذا كان التصنيف على غير هدى، و لغير المراد الذي خلق من أجله التصنيف أصلا. لا تصنفوا الناس جزافا، و لا تضعوا أسماء بعينها في خانات بعينها لتنهشوا أعراض الناس. انصفوا و لا تصنفوا... "و لا تنسوا الفضل بينكم". ملاحظة: هذه الورقة أخذت بعض الأفكار و الكلمات من بحث في موضوع "التصنيف" نشرته "الرياض" بتاريخ ٢٢ اكتوبر ٢.١٤ محمد فال ولد بلال