ما الذي ينتظره الشعب الموريتاني من الحوار

مما لا يختلف عليه اثنان في بلد الخلافات أن الديمقراطية وصلتنا متأخرة جدا كمصطلح جاهز دون أن نعيش مراحل تحولاتها وتطورها، وقد تعامل مجتمعنا البدوي معها كعادته بتفصيلها على مقاييس محلية تقليدية حيث القبلية والجهوية والفئوية و استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، بحيث برزت على السطح فقط المساوئ المتعلقة بطبيعتها و تطبيقها كالبيروقراطية، و طغيان الأغلبية، وفسادها وإفسادها؛مما أوصلنا إلى حالة من الاحتقان السياسي الدائم.
وقد زاد الطين بلة احتجاز مجموعة التحالفات النافذة الخاصة بمثلث الأزمات (ثلاثي القبيلة والنخبة المدنية والزمرة العسكرية) للسلطة كرهينة منذ 1978 م .لكن هذه المجموعة لن تستطيع أن تحتجز إرادة الشعب الموريتاني الأبي في التغيير، وبناء دولة عادلة تضمن تكافؤ الفرص بين مواطنيها، وترسخ قيم الديمقراطية. 
آن الأوان أن تدرك هذه المجموعة أن هذا العصر ليس فقط عصر سرعة تدفق المعلومات و رؤوس الأموال بلا قيود‏،‏ بل أيضا عصر انتشار الفتن والحروب بلا حدود.
الشعب اليوم وفي ظل انخفاض أسعار المواد الخام عالميا، و تقسيم الدول من حولنا على أسس
طائفية وعرقية لن يقبل باستمرار الجمود السياسي القائم ويطالب جميع الفرقاء السياسيين بالدخول في الحوار الوطني وتغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الحزبية والشخصية الضيقة ويتطلع إلى أن تحقق مخرجات هذا الحوار المرتقب التوافق على مايلي:

أولا:-التوصل إلى تفاهم على آلية للحكم تضمن التبادل السلمي على السلطة، و تخلق إطار سياسي، و عقد اجتماعي تشاركي ينظم العلاقة بين الإثنيات المختلفة في المجتمع ويضمن ويؤكد على حقوقها ويحقق حالة من الانسجام بينها تفتح الطريق و تهيئ الأرضية أمام اندماج اجتماعي جديد.

ثانيا:- الاتفاق على بناء دولة المواطنة والهوية الجامعة ذات المؤسسات القوية المتميزة عن النظام الحاكم والتي تستطيع العمل حتى في غيابه، وذات الجيش الحر المنعزل عن ممارسة السياسة،الجيش الذي يتصرف بولاء للدولة وفي نفس الوقت يميز نفسه عنها .

ثالثا :-الاتفاق على وضع ضوابط وشروط أكثر صرامة على تأسيس الأحزاب السياسية في بلادنا،ضوابط تمكن من الحيلولة دون تمييع الحياة السياسية، وتضمن عدم ظهور مركزية فردية مهيمنة في داخل الحزب؛ مما سيسمح ببناء أحزاب سياسية تمتلك برامج تستجيب لتطلعات وآمال الشعب، وتساهم في تشكيل تعددية ديمقراطية ليست مبنية على عرقية أو فئوية أو مصلحة بل تعددية تحقق إجماع وطني على المصالح العليا للبلد.

رابعا:- الاتفاق على تبني استراتيجية وطنية تعليمية، وإعلامية، و ﺇﺩﺍﺭﻴﺔ، وثقافية طويلة الأمد تخلق مفهوم الدولة الوطنية في القلوب وعقول مواطنينا وتؤدي في النهاية إلى اجتثاث الفكرة الحالية المشوهة لمفهوم الدولة والمرتبطة بالمستعمر وأذياله .

خامسا:- الاتفاق على السعي للوصول إلى رسم خطة تنموية وطنية تأخذ في عين الاعتبار سلبيات موروثنا التاريخي، والثقافي مثل الرق وآثاره، و لإرث الإنساني، وانقسام المجتمع العمودي، وتجعل من مستوانا الاقتصادي والاجتماعي، والتفاوت التنموي المناطقي قاعدة لها لخلق تنمية اكثر توازنا وعدالة وتحقق مطلب الشعب في التقسيم العادل للثروات الوطنية بحيث لا تشعر أية شريحة من مجتمعنا أو أية جهة انها مستثناة .
الشعب يدعوا كل القوى السياسية إلى أنتهاز هذه الفرصة التاريخية لإعادة تأسيس دولتنا على أسس صحيحة وتحصينها حتى تقف شامخة راسخة أمام عواصف تقسيم الدول التي تجتاح عالمنا اليوم، ونتخلص بذلك من دولة النسخ واللصق التي ورثنها من المستعمر الإفرنجي البغيض، ونوصل حاضرنا بماضينا، الماضي الذي شاركت كل شرائح وفئات مجتمعنا في تشكيله. 

يربان الحسين الخراشي