"القدس العربي»: قطعت المعارضة الموريتانية أمس الشك باليقين وأعلنت رفضها القوي للمشاركة في حوار يعمل نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز حالياً على تنظيمه بمن حضر .
وأكد المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة الذي يضم أحزاباً ونقابات وشخصيات معارضة في بيان وزعه أمس «قناعته بأن، ما سماه هذه «المهزلة»، لن تقدم الأجوبة التي ينتظرها الموريتانيون، والتي تشكل اهتمامات المنتدى». وجدد المنتدى «استعداده الدائم لحوار حقيقي جدي سبق له أن حدد معالمه بوصفه السبيل الوحيد للخروج بالبلاد من أزمتها الحالية».
ودعا المنتدى المعارض «جميع القوى الوطنية وجميع الشخصيات وجميع المواطنين المهتمين بمستقبل موريتانيا إلى أن يعملوا من أجل إفشال هذه المسرحية التي تهدف إلى جر البلاد على طريق محفوف بالمخاطر لا يمكن إلا أن يقود في النهاية إلى تغييرات غير محسوبة العواقب»، حسب تعبير البيان.
«لقد وضع ولد عبد العزيز شخصياً، يضيف المنتدى، حداً للمسار الذي بدأه مع المعارضة، وذلك بدعوته في خطابه الأخير في النعمة، إلى حوار حدد، تاريخه وترتيباته وأعلن بعض نتائجه بصورة انفرادية؛ ولتوضيح هذا المسار، نذكر بأنه، مباشرة بعد اختتام منتدياته العامة وجه المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة رسالة إلى الحكومة، في شهر مارس 2014، عبر فيها عن تشبثه بالحوار، وأحال إليه أعمال المنتديات بما فيها عريضة تشتمل على الترتيبات والظروف التي يجب توفرها لكل حوار يراد له أن يكون مسؤولاً ومثمراً».
وتابع المنتدى استعراضه للمراحل السابقة قائلاً «وفي كانون الثاني/يناير 2015 أوصلت السلطة للمنتدى وثيقة تتضمن عشرين نقطة من أجل إطلاق حوار سياسي مع المعارضة، وفي رده على هذه الوثيقة قدم المنتدى للسلطة، كتابياً، مقترحات ملموسة وأسئلة محددة، طلب جواباً مكتوباً عليها قبل فتح الحوار بصورة رسمية».
«وعكساً لما يكرره ولد عبد العزيز وأعوانه في كل المناسبات، تضيف المعارضة، فإن المنتدى لم يطلب أبداً تنفيذ كل النقاط الواردة في عريضته كشرط مسبق للحوار، وكذلك فإن المنتدى لم يطالب أبداً بالحصول على نتائج الحوار قبل الحوار، كل ما طالب به المنتدى هو الحصول على رد مكتوب حتى يطمئن على أهداف هذا الحوار وترتيباته وعلى الضمانات المتعلقة بتنفيذ نتائجه المحتملة، وهذا الجواب المكتوب لا يزال المنتدى ينتظره منذ نيسان/ابريل 2015 حتى الآن».
وأضاف «أن ولد عبد العزيز، تجاهلاً لكل ذلك، وعلى الرغم من أنه كان قد وافق بالفعل على أن الحوار يجب أن تسبقه مرحلة تمهيدية تتفق فيها الأطراف على ترتيبات الحوار وجدول أعماله والمشاركين فيه، نظم مسرحية الحوار المزعوم، في أيلول/سبتمبر 2015، هذه المسرحية التي كانت فشلاً سياسياً ذريعاً، رغم التطبيل الإعلامي الذي أحيطت به والبعثات الوزارية التي جابت البلاد لشرح أهميتها».
«ولا شك أن الحوار الذي يعتزم ولد عبد العزيز تنظيمه في الأيام المقبلة، يقول المنتدى، والذي يبدو أنه سيكون نسخة طبق الأصل من هذه المسرحية، لن يكون أحسن حظاً منها».
«إننا، تضيف المعارضة الموريتانية، نفهم تماما الأسباب التي جعلت السلطة لا تريد، بل لا تستطيع، أن تقدم رداً مكتوباً على عريضة المنتدى، ذلك أن ردها سيظهر بجلاء، أمام الرأي العام الوطني والدولي، أنها لا تريد الدخول في حوار جدي ومسؤول حول القضايا الأساسية من أجل إخراج البلاد من الأزمة التي تتخبط فيها؛ وإذا كان الأمر ليس كذلك فلماذا، بعد أن قدمت السلطة ردها شفهياً، ترفض أن تقدمه مكتوباً؟».
«الحقيقة، هي أن هناك خلافاً جوهرياً بين الحوار الذي يريده النظام والحوار الذي ينتظره الشعب الموريتاني، وهذا الخلاف يكمن في كون ولد عبد العزيز، كما اعترف بذلك في خطابه في النعمة، يريد حواراً مسرحياً يمرر من خلاله أجندته الشخصية ويجد فيه شبه مباركة لاستمرار حكم يحتجز البلاد كرهينة، بينما الشعب الموريتاني، كما شرح ذلك المنتدى في كل المناسبات، يريد حوارا يؤسس لدولة القانون، ويعيد الاعتبار لقواعد اللعبة الديمقراطية، ويبعث الأمل لدى جميع الموريتانيين في أنهم يستطيعون العيش في بلدهم إخوة متساوين ومتضامنين».
وتابعت المعارضة انتقادها للرئيس قائلة «ولد عبد العزيز يريد حوارا يسد طريق التناوب الديمقراطي، وبالتالي يفتح أمام البلاد دوامة لا زلنا نشاهد عواقبها الكارثية على بلدان أخرى، أما الحوار الذي تحتاجه موريتانيا اليوم فهو الحوار الذي يمهد لهذا التناوب السلمي بصورة تشاورية ويُمَكِّنُ مختلف الفرقاء السياسيين من التوفر على نفس الحظوظ في المنافسات الانتخابية».
وخلصت المعارضة في الأخير لتأكيد «أن ولد عبد العزيز كشف عن نواياه الحقيقية في فرض استمرار حكمه وذلك بدعوته لحوار حدد هو لوحده تاريخه وترتيباته وحتى نتائجه، فعندما وصف كل من ليسوا في صفه بأنهم أعداء الوطن، كشف نيته في الذهاب لوحده في تنفيذ مخططه الشخصي، وعندما أعلن عن تصميمه على سد طريق الوصول إلى السلطة أمام المعارضة، كشف عن حقيقته كديكتاتوري معاد للديمقراطية يعطي لنفسه الحق في تحديد الخيارات التي هي من شأن وسيادة الشعب الموريتاني».
وبهذا البيان الذي أعلنت فيه المعارضة الموريتانية عن موقفها النهائي، تتحدد ملامح الحوار الذي تزمع الحكومة الموريتانية تنظيمه؛ فالحوار المقبل سيكون بين أحزاب الأغلبية ومعارضة الوسط ومجموعات سياسية منشقة عن أحزاب المعارضة الجادة.
وحسبما تراه أوساط المعارضة، فإن الحوار المقبل لن يحل الأزمة التي تتخبط فيها موريتانيا منذ سنوات، كما أنه لن يحل إشكال التناوب على السلطة في انتخابات 2019 التي يفترض أن ينتخب فيها رئيس آخر غير الرئيس ولد عبد العزيز الذي يتمتع حالياً بثاني وآخر مأمورية له حسب الدستور.
وكان القيادي المعارض البارز محمد فال ولد بلال وزير الخارجية الأسبق قد دق مؤخراً ناقوس الخطر في تحليل كتبه تحت عنوان «السلطة والمعارضة معا… في خطر».
وأكد ولد بلال «أن واقع موريتانيا اليوم واقع عقيم وسقيم، عنوانه البارز : «تأزيم» ثم «انقلاب»، ثم «تأزيم»، ثم «انقلاب»، ثم «تأزيم»، و هكذا دواليك، ومع كل انقلاب يسقط الجميع – تسقط السلطة والمعارضة معا – ويبدأ العمل من الصفر؛ فهذا النوع من العمل السياسي «موالياً» كان أو «معارضاً» لا طائل من ورائه ولا فائدة فيه».