خارج المعارضة والتغير الرؤساء الثلاثة عزيز ومسعود وجميل والفعل السياسي المثير؟!
قرأت واستمعت في هذا الأسبوع لجملة من القضايا الفكرية والسياسية المرتبطة بأهم وأدق تفاصيل الهم الوطني، مما يدعوا للوقوف والتأمل والنقاش والحوار الجاد قبل الحوار الوطني المرتقب، ومن أبرز ذلك الهم الوطني ما كتب عن تصريحات السيد رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز والمتعلق
بأزمة الأزمات الموريتانية والذي قيل وأن أدلى به لصحيفة أجنبية، عن حقيقة موقفه من تعديل الدستور والمأمورية الثالثة، واليمين الدستورية التي لا يصح شرعاً الحنث فيها ولا التكفير عنها ، وما أصاب أغلبيته، ألاهية عن الهم الوطني، والكاسدة الفاشلة في العمل السياسي، أو على الأصح المعتاشين على عطائه الزاعمين الدعم له، من فزع وهلع، وهم الذين ظهروا كائدين أو عاجزين حتى عن فهم برنامجه السياسي ومشروعه الوطني كما تجلى ذلك واضحاً جلياً في تعاملهم مع مفردات برنامجه وخطابه السياسي ؟!
وما أدلي به الزعيم السياسي، والقائد التاريخي لحركة الحر أو ما يسميه البعض بحركة أخوك الحرطاني الرئيس مسعود ولد بلخير عن العبودية وهوية (الحراطين) العبيد السابقين، وطبيعة مشروعه الفكري والسياسي، وموقفه من مجمل القضايا الوطنية، وعن حالة بركان الغيرة والخيبة والطمع التي تجتاح مناضلي العبودية على الضفة يسرى، وهلع وريبة وطمع الطبقات الأخرى من البيظان والبولار وسنونكى !!.
والزعيم الرئيس مسعود بصراحته السياسية الذكية المعهودة وصلابته في السياسة والممارسة قد وضع النقاط على الحروف في شأن الرق وطرق معالجته، وعن حقيقة الرق ومخاطره، وعن هوية العبيد السابقين وعلاقتهم بباقي المكونات الوطنية وعن موقعهم في الخارطة الوطنية، وحقيقة نضالهم، وما يريدونه ويعملون للوصول إليه عبر المشروع الوطني الكلي الذي يحقق الحرية والعدالة والتنمية المتكاملة، للبلد بجميع شرائه ومكوناته، نازعاً بذلك كل شرعية ومشروعية عن كل ظالم يمارس الظلم ويحميه، أو كل متطرف يريد استغلال قضية العبيد السابقين في أي من شرائح المجتمع الداخلي، وحتى محاولة استغلالها من طرف الأجنبي القريب أو البعيد؟!
وكذلك ما صرح به وأدلى وبرر في مرافعته الفكرية السياسية المستميتة عن النهضة زعيم التواصليين محمد جميل منصور: والذي حاول بفصاحته السياسية النادرة وذكائه ونضجه في نفسية وثقافة المجتمع وتجارب الحركات السياسية أن يُلْبسَ لباس الواقعية السياسية الموضوعية المقبولة لكاريزما النكوص والردة السياسية الحاصلة للإسلاميين عن تطبيق وممارسة فكرة ومبدأ التداول السلمي على الزعامة والقيادة وتنكرهم بل وتناقضهم في استدعاء حجج ومبررات خصومهم من خدم السلطة وعباد شهوات الحكم والسلطان في تبرير التخلي عن أهم مقوم من مقومات الديمقراطية، وتصديقهم لما يتهمهم به خصومهم من الميكيافلية في الدعاء الديمقراطية، وتجسيد قيمها في الحياة السياسية، وأنهم لا يؤمنون بالديمقراطية في الممارسة والقناعة، أصلاً وفصلاً، وأنهم أول من يرفض تطبيقها بل ويعمل على وأدها وقتلها في المهد وأذيتها في اللحد، كما فعلت رائدة الحركات الإسلامية المتبنية للديمقراطية تنظيراً ودعاية (حركة النهضة التونسية ومنظرها الشيخ راشد الغنوشي في تونس ما بعد الثورة والربيع العربي الموءود في المهد) ؟!
فمن كل ما سبق من مواقف وأقوال تيقنت من كل ما كنت به مؤمناً ومقتنعاً أن كل دعايات الزعماء السياسيين الموريتانيين للتغير والعمل الوطني لنهوض ببلدهم، وتحرير شعبهم، من ظلم الماضي والحاضر والتخلف، في جميع المجالات والميادين، لن تقوم لها حجة، ولن تكون لها وجاهة إلا إذا نزل القضاء من السماء وتغيرت، عقليات وممارسات ونفوس مواطنينا بالعلم، وأحوال الشعب العامة بالحرية والعدالة، وبُدلتْ أرضنا الخراب من العمارة والتنمية، وصيانة وحماية الحقوق الإنسانية، بالرخاء والعمارة وبسط الخيرات بكل الخدمات التي تقضي على الحرمان والأمية والطبقية والجهل والمرض والفقر، معوقات التنمية المفقودة عندنا فقد بناء مؤسسات الدولة ؟.
والذي لا شك فيه علماً وتجربة أنه في عالم السياسة وبناء الدول أن الشعوب في نهضتها تحتاج أول ما تحتاج له إلى نماذج فريدة من القادة ونوع خاص ونمط من رجال الفكر والسياسة ينتمي في طبعه وفكره وممارسته إلى ذلك الرهط من الساسة الذين تصلح بهم الحياة ويطيب معهم العيش لما يمتلكونه من القدرة على الفعل والإبداع وابتكار ونشر المحبة والخير والفضائل الجليلة والأخلاق النبيلة والمواهب التي يندر أن يوجد لها نظير في عالمنا اليوم، لأنها كالمعادن النفيسة التي لا توجد إلا على الندرة، ووجود التوفيق لأولئك الرجال بعض من الخير الذي يبثه الله في الحياة ليعيد إليها توازنها إذا اختل، بعض الأمان الذي يُسكنُ به نفوس الشعوب القلقة، المقهورة بالظلم والفقر والجهل والمرض، ويُرجعُ إليها بعضاً من ثقتها في الحياة والحق وقيم الخير والعدل والمحبة، إذا هالها ازدحام الدنيا بالفتن المائجة والأوغاد التافهين المطبلين للظلم والبغي والفساد في الحياة، من مثل ألئك الموتورين الفاشلين السارقين لكل ما هو خير وجميل في هذا البلد من من يتبوءون أرفع المناصب الإدارية ويتصدرون المشاهد السياسية في كل ساحاته وأنشطته ؟.
وفي البحوث العلمية والدراسات السياسية يقال أن السياسة هي فن الممكن، أو هي فعل وقول ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي، أو هي ضبط التصرفات المرتبطة بالعمل ولتغير في المجتمعات والتجديد في الحياة بظروفها ووقتها, وخاصة في المجتمعات التي تحكمها جاهلية وجهل القبليات، ومظالم نظام العسكر وتقسيم المجتمعات إلى فئات وطبقات تستند إلى مفهوم ما تعارفوا على أنها قيم تعبر عن المعتقدات ويسندونها إلى ما يؤمنون به من قراءات انتحالية تحريفية للديانات، والتي يعتقدون أنها امتداد لما كان عليه الآباء والجدود من ممارسات يجيب أن تبنى عليها الدول والمجتمعات ؟!
وفي أتون صراع المد والجزر في تاريخ الفكر السياسي الإسلامي وفي مفاصل من محطات التأسيس والوجود وصولات المدافعات، والنفي والإثبات، التي حصلت بين الكتاب المعتصمين بمفاهيم ومنهجية تعريف وضبط القيم في التراث الإسلامي، وبين دعاة استدعاء المفاهيم والقيم المعاصرة، ظهر من الكتاب الحداثيين الإسلاميين، من يروم الاهتداء بآليات ومصطلحات أهل الأصول في التعرف ووضع الحدود للمفاهيم والمصطلحات السياسية، فوجد من بين أولئك الكتاب من سعى إلى تخصيص ما يرى أنه عمم من قول في السياسة الشرعية في كتابات فقهاء فقه السلطان، فقال في حقيقة السياسة وطبيعتها أنها سياستان، سياسة الدين وسياسة الدنيا، فسياسة الدين ما أدى إلى أداء الفرض، وسياسة الدنيا ما أدى إلى عمارة الأرض، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل في القرآن والسنة كأصول ومبادئ ما يهدي لهذه القسمة، وما هو الفرض في الدين المفارق وظيفة واحداة لعمارة الأرض، وما الفعل المعمر للأرض المفارق للفرض الديني؟!! ..
إن من ما يجب أن يلحظه الزعماء والسياسيون والشعوب المسلمة المتطلعة للحرية والديمقراطية والعدالة والتنمية وفق قيم الإيمان، أنه حين جاء الإسلام برسالة التغير والحرية والعدالة والنهوض بالمجتمعات، والانقلاب على أنظمة الشرك والفسوق والعصيان والظلم والتخلف والفساد والطبقات، سلك في منهج الانقلاب والثورة على تلك النظم والمناهج والقيم والنظم الفاسدة، مسلك الاعتصام بالأصول والمبادئ وأمهات الفضائل، ثم انطلق في مسلك التدرج والأخذ بالرفق والتريث في تغير الكثير من المظالم والمعتقدات والمفاهيم والسلوكيات الفاسدة، فبالأسلوب القرآني المتدرج تمت معالجة الكثير من أمور الجاهلية وعاداتها المستحكمة بأقصى ما يمكن من الحكمة والتبصر، حتى يستأنس بها المخاطبون، وتتهيأ نفوسهم لتقبل تكاليف تغيرها وامتثال تطبيق البدائل عنها، فتجد مثلاً القرآن والهدي النبوي يكونان في الأمر المباح يتدرجان تدرجاً في تشريع تحريمه، وقد يكون حراماً فيتدرج التشريع في تحليله ؟!
وهذا التدرج الظاهر الكبير المراعي لطبائع النفوس البشرية واستمساكها بالعادة والتقاليد، هو الذي تحتاجه الشعوب في التغير والنهوض وغرس القيم الفاضلة، فإننا نجده مسطورا متعبدا بتلاوته في القرآن وتطبيقه في الهدي النبوي، مثل تدرج الآيات القرآنية في تحريم الخمر، والتدرج في فرض الصلاة، وفرض صوم رمضان، وغير ذلك من الأحكام الشرعية الهادية في السلوك والغايات وهو كثير في القرآن والسنة.
ومن ذلك التدرج ما هو سياسة واجتهاد من فعل النبي الأعظم المعلم القدوة والأسوة الشفيع الهادي- صلى الله عليه وسلم- بوصفه الإمام بمعنى الرئاس، وتحقيقا لمقاصد القرآن، وتنزيلاً لأحكام الدين، وسياسة لمجتمع المسلم الذي هو في طور النشأة والبناء، والقريب العهد بالجهل وبالجاهلية، كان ذلك التدرج والاجتهاد، وكان ذلك النوع من الاجتهاد النبوي والعمل السياسي كثير كذلك في الهدى النبوي التجسيد العملي لحقائق القرآن، ومن أمثلته: امتناع النبي – صلى الله عليه وسلم- عن هدم الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-لأمنا أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها-:" لو لا أن قومك حديثو عهد بشرك لبينت الكعبة على قواعد إبراهيم"،( فتح الباريج1/271.) ، وهو عمل فيه إظهار لحكم شرعي يفيد: ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، وترك المنكر خشية الوقوع فيما هو أنكر منه، وبيان جواز أن للحاكم أن يسوس رعيته بما فيه صلاحهم ولو كان مفصولا ما لم يكن محرماً.
ومن الأمثلة كذلك في اجتهاده وسياسته- صلى الله عليه وسلم- في باب مُثُلِ الدين وقيم الإيمان نهيه عن زيارة القبور، ثم حثه على زيارتها. فعن بريدة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:" نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"، مسلم(الجنائز باب استئذان النبي- صلى الله عليه وسلم-عز وجل في زيارة قبر أمه). والسبب في ذلك هو مراعاة قرب عهد المسلمين من الجاهلية، فلما استقرت قواعد الإسلام وتمهد ت أحكامه أبيحت لهم زيارة القبور.
ومن الأمثلة كذلك نهيه – صلى الله عليه وسلم- لتحقيق الطهر والتنزه عن الشبه السمة العام الإسلام ، نهيه في البداية تنزيل أحكام الدين عن الشرب في أوعية النبيذ التي كانت خاصة بالخمر، ثم السماح بذلك من بعد، فعن بريدة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:" نهيتكم عن الظروف، وإن الظروف أو ظرفاً لا يحل شيئاً ولا يحرمه، وكل مسكر حرام"، وفي رواية:" كنت نهيتكم عن الشربة في ظروف الأدم، فلا تشربوا في كل وعاء، غير أن لا تشربوا مسكراً"(مسلم باب النهي في الانتباذ في المزفت والدباء والحنتم والنقير، وبيان أنه منسوخ).
فهذه المعالم التشريعية في السياسة الشرعية، والوقائع في الحياة الميدانية في عهد النبوة استدعتها الذاكرة من تاريخنا السياسي والتشريعي، حين كنت أتابع وأقرأ وأستمع للكثير من حديث رهط السياسة، في عهود أنظمتنا العسكرية المتعاقبة، وهم يشرحون السياسة في أمر الهياكل في عهد هيدالة، وقضايا الكتاب ومحو الأمية في عهد ولد الطائع، وعجائب وغرائب خطاب النعمة لمحمد ولد عبد العزيز، فعرفني ذلك مدى الخطر الحاصل في تولية الهم الوطني العام ومؤسسات المجتمع من لا يحسنون شأن نسج الوشائج ورعاية المصالح والصلاح وسوق الشعوب نحو السلم والرقي والازدهار، وقد نفى الفاروق عمر من طيبة المطيبة مدينة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -أحد الملاح تحقيقا لسد ذريعة انتشار المنوعة ولا مسؤولية ؟!
وكان قاضي المالكية وفقيههم في العراق ومصر فيما بعد القاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي يقول في تلخيص وبيان خطورة تولي مثل تلك العينات البشرية الرديئة لتدبير شأن أمر الأمة العام والخاص فيقول:
متى تصل العطاش إلى ارتواء*** إذا استقت البحار من الركايا
ومن يثن الأصاغر عن مراد *** وقد جلس الأكابر في الزوايا
وإن ترفع الوضعاء يوما ***على الرفعاء من إحدى البلايا
إذا استوت الأسافل والأعالي *** فقد طابت منادمة المنايا
ففي ظل أنظمة الجيش المتعاقبة علينا وما أنتجته من فوجع في العلم والسياسة والإدارة والتسيير تساءلت: فكم غشينا من الظلم والفساد، وكم من الأسافل تحكم في رقابنا وتصدر كل مشاهد حياتنا، وكم خسرنا من ذوي العلم والكفاءة، الذين يقولون وهم في ما فيهم من الإجبارية الداخلية والخارجية التي حكمت عليهم بها المؤسسة العسكرية، يقولون لو أن ما غشينا من قصار الباع والرأي والتدبير حرمونا وتطاولوا علينا بطريقة فيها على الأقل القليل من الحياء واللباقة والهدوء لكان في الأمر مندوحة، ولقبلنا ارتفاع هاماتهم فوق حقوقنا، ولو أنهم اكتفوا بما نهبوا واستووا على قوائم من ذهب المال الحرام الذي سرقوه والفساد الإداري الذي مارسه في حقنا، وشيدوا به قصورهم وطالت به أعناقهم لما شعرنا بحرج بتقدمهم لصفوف قيادة البلد ولوا على ذلك النحو !
ولكن الذي لا قبل لنا بتحمله، ولا صبر لنا على دوامه واستمراره، ويملأ النفس حنقاً أن يظل ألئك الأغبياء يواصلون العمل على تحطيم أقدامنا حتى نعجز عن الوقوف ؟ والمضحك المبكي أن أولئك المتسلقين الضعاف عقلياً وعلماً وخبرة لا يستعينون على ضعفهم وفشلهم باصطناع الأكفاء واحترام مواهبهم وتقدير كفاءتهم، بل تراهم يبذلون ويحدقون ويحذرون ويحذرون، ثم يبذلون جهدهم في إقصاء كل ذي نباهة أو استغلال حاجته إليهم فيصرون على إذلاله وتقليم أظافره، وهم في ذلك بدافع الخشية على منا صبهم ومنازلهم التي قفزوا إليها في غفلة من الزمن ؟!. .
وقديما كان الإمام النحوي واللغوي المفسر الزمخشري يشكوا من قومه ويتسلي حسرة على حال العباد في زمانه وندامة لحالهم بحرمان الأمة من استثمار علم علمائها فيقول:
وأخرني دهري وقدم معشرا ***على أنهم لا يعلمون وأعلموا
ومذ أفلح الجهال أيقنت أنني*** أنا الميم والأيام أفلح أعلم .
إن مما أدرك القراء والمستمعون مما قاله الزعماء الثلاثة، أنهم في واد والناس المناصرون لهم كل منهم يهيم في واده الذي لا يصب في أفكار زعيمه، وربما لا يأتمنه على أفكاره وتصوراته ومصالحه ، بل ولربما وجوده، والتساؤل وارد عن من هو السبب وراء ذلك، والقول الوارد هنا أن الغبي من الداعمين والعاملين لا ينفع ولا يترك لغيره المجال كي ينفع .
فأغلبية الرئيس الداعمة بدا في عملها الداعم له نكبة عليه مضاعفة ومصيبة قادحة في توصيل خياراته وما يقدمه لشعبه، فترى الواحد منهم في عمله يرى لنفسه منزلة غريبة، فيصبح وليست له كفاية القواد، ولا طاعة الجنود، وهو في العمل السياسي عالة ثقيلة لا يمكن سداد فاتورة تبعاته .
وشركاء الزعيم مسعود وأنصاره وخصومه على حد سواء يجهلون ويتجاهلون حقيقة وطبيعة المشروع الذي هم فيه مابين متردية ونطيحة وما أكل السبع، وقليل منه ما تمت تذكيته، فهما لحقيقته وطبيعة عمله وكيفية حساب الربح فيه والخسارة، وصار حاله كحال سرقة مصحف سلطان العلماء، فقد حكي أن سلطان العلماء سرق له في القاهرة مصحف، فخرج أهل قاهرة كلهم في الصباح الباكر يبكون لأن مصحف سلطان العلماء قد سرق وسارق طبعاً خرج يبكي مع الخارجين الباكين ؟!
أما الأستاذ جميل في تبريراته تلك وأطروحاته التي نقول فيها وعنها مثل ما قال الزميل الصحفي الأستاذ محمد محمود أبو المعالي أنه لا يقتنع بما قال فيها،وذلك ما يقرء من بين السطور الأولى من المقالة، وتضيف أنا من عندي أن أنصاره وجمهوره منقسم حيرة ورفضاً للدعوى والتبرير والحيثيات لما قال: فمنهم من يقول: ما ذا قال آنفاً في تلك المقالات والأطروحات، ومنهم من يقول أيكم زاده ذالك القول بأن القوم لا يؤمنون بالديمقراطية ممارسة، ومنهم من قال لجميل في قوله كما قال أغلب شباب النهضة لشيخها راشد الغنوشي: في القول بالفصل والقول والتطبيق في الممارسة فذلك هو الفعل والقول الذي قد يفرق بيننا وبينك في العمل والممارسة ونحن وإياك على موعد في يوم حساب الربح والخسارة في السياسة، وهذه الأقوال والممارسة ليس الاجتهاد فيها مما يكافأ عليه المجتهد لأنه اجتهاد لتعطيل النص وتضييع المناط ونسخ الدليل وتمييع القصد ؟؟.
ومن يريد الاتكاء في فقه السياسة الشرعية على تصرفات الرسول- صلى الله عليه وسلم باعتباره إماماً، بمعنى الحاكم فعليه أن يلحظ في اجتهاد وإيراد الدليل وتحديد المقصد أن الكثير من الأحكام التي اقتضى تشريعها أحكاماً وسطية كانت تصرفات النبوة فيها بمقتضى فطم العرب عند ابتداء الإسلام عن عاداتهم الجاهلية وسد دواعي الشرك والبدعة، والتمهيد لتحلي المسلمين بالعقائد الحقة والأخلاق الفاضلة والالتزام بمبادئ الدين وأحكامه وأي قياس على ذلك يستلزم وجود القياس بأركانه وضوابطه المعروفة عند العلماء لصحة القياس، ومبتدأ تنزل الإسلام وحداثة عهد الناس به من أهم أركان القياس هنا ولا مطمع في تكرارها والمسائل السياسة التي يراد لها القياس هنا دون تلك المكانة في الشرع والحاجة في العمل؟...
والساعي لتنزيل أحكام الشرع وتحقيق مقاصده في الواقع لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار العلمي والفقهي خصوصيات ذلك الواقع ومدى توافقها مع أحكام وتحقيق مصالح العباد، والإمام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي يقول إن اختلاف تصرفات الني- صلى الله عليه وسلم- كانت بحسب اختلاف الأحوال فيقول:(... ويسن عليه الصلاة والسلام في الشيء سنة وفيما يخالفه أخرى، فلا يلحظ بعض السامعين بين اختلاف الحالين اللتين سن فيهما)(الرسالة ص: 214.).
إن هذا الوطن المنكوب منذ عقود بسوء تدبير أبائه، وأيديولوجيا سياسيه، لهو اليوم لفي حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى إلى سياسة راشدة لا إلى دعوة أيدلوجية، وقيادات حكيمة ، متوافقة لا متخاصمة، تبسط له رشدا في القول والعمل، في ترشيد وتدبير موارده، وتحصين خيراته، فتنصب ميزان العدل بين أفراده، وتعمل ما بوسعها سياسة في تمتين الصلاة بين أفراده وحماية وشائج القربى بين أفراده، وصيانة وحدته الوطنية بالعمل الصالح في استثمار خيراته لبناء مؤسساته ودولته بالعلم الذي يحقق أشواقه وآماله في ثورة علمية ونهضة زراعية وتنموية وصناعية تكون من إبداع وإنتاج أبائه، فهل كانت هذه المشاريع والبرامج حاضرة في سياسات قادته وعاملين سياسة وعلماً وإدارة وتدبيرا في كل المؤسسات التي توجد تحت إمرة وسلطة كل زعمائه وسياسيه، كل فيما يده، أم أن أبرك ندا الدعاية الأيدلوجية لعبادة الذات وتحقيق المصالح الشخصية هي السائدة، والضحايا هم المواطن والوطن !!.