شكلت ثورة شيوخ حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بموريتانيا فى وجه الحكومة والحزب أول انذار مبكر للرئيس منذ اعلانه عدم الترشح لمأمورية جديدة، وسط غموض بشأن موقف الرجل من الأزمة التى تعصف بالأغلبية منذ أسبوعين. تسعة شيوخ فقط هم من التزم بدعوة الحزب وقبلوا الجلوس مع قادته، بينما قاطع 21 الدعوة وهم فى العاصمة نواكشوط، واختاروا قتل الوقت فى النقاش الداخلى ومتابعة الإنترنت من داخل قاعة المجلس بدل الاستماع لقادة الحزب أو الاجتماع بأعضاء الحكومة أو تبادل الرأي أو التشاور، معطلين العمل البرلمانى للأسبوع الثالث بعد الطرد الجماعى للوزراء. تنامى التنسيق مع شيوخ المعارضة، والإمعان فى اهانة أعضاء الحكومة، وخلط أوراق الحزب الذي ينتمون إليه كانت أبرز معالم الحراك الذى دشنه الشيوخ بعد اعلان الرئيس الغاء المجلس دون تشاور بفعل تكلفته الباهظة وعرقلته للتشريع، والاستعاضة عنه بمجالس جهوية محلية. يقول قادة الحراك الحالى – وقلة من يتحدث منهم للاعلام- إن الهدف هو اظهار الرفض لسلوك الحكومة والحزب بعد الحملة الواسعة التى تعرضوا لها خلال مهرجانات الحزب الأخيرة، وإن إقالة أعضاء الحكومة المعنيين بالملف (خمسة وزراء) واعتذار الحزب ولقاء الرئيس هو أبرز المطالب التى يرفعونها، وإن العصيان أو الحراك غير موجه للرئيس بالتحديد. لا أحد من معسكر الرئاسة تكلم، وقليل من يفهم فى السياسة داخل القصر أو لديه القدرة على اتخاذ موقف دون أمر، أو التعبير عن رأيه بكل حرية-، لكن الأزمة دون شك طرقت أبواب القصر المشغول بترتيب القمة العربية والتحضير للحوار، وفرض الشيوخ أنفسهم كلاعب قوى، بعدما ظلوا فى أعين الكثير من الناس مجرد غرفة موالية لسيد القصر المجاور لها، ممررة بكل سهولة للقرارات المحالة إليها، مصدر ازعاج لكل الأحزاب السياسية بفعل صعوبة انتخاب أعضائها، ومصدر ريع لبعض المستشارين المستثمرين فى انتخاباتها المتعطلة منذ فترة. لكن أبرز رسالة حملتها الأزمة الحالية للرئيس هو أن الحزب من دون الحاكم مجرد حزب من الأحزاب الممثلة فى البرلمان، وأن تماسك الأغلبية دون خوف محقق أو طمع راجح غير موجود، وأن الانضباط الحزبى صفر داخل معسكر الرئيس، وأن القوة وسلاح القبيلة أقوى من القناعة والانتماء للمشروع الذى بشر به الرئيس عشية تأسيس حزبه، لقد انكشف أوراق القوم ولما يغادر الرئيس مقاليد السلطة وربما القادم أسوء. لايحبذ الشيوخ الربط بين مستوى الجرأة الحالية فى الرفض واعلان الرئيس عدم الترشح لمأمورية جديدة، ويرون أن الإهانة التى وجهت من بعض الوزراء مرفوضة، لكن الجميع يدرك أن الرئيس المحجم عن التدخل أو المعزول عن الواقع القائم حطم هيبة الحكومة بصمته وشجع التمرد بحياده، وأن قادم المشهد أخطر، فلربما يتم عزله هو ذاته من قيادة البلد كما وقع مع سلفه الذى اصطدم بالشيوخ والنواب مدعومين من أهل المال والعسكر. فى معسكر الشيوخ يتفرج قادة المعارضة على المشهد بكل أريحية، ويتولى البعض التعبير عن مكونانات ثوار لم يتعودوا الكلام العلنى فى السياسة، ويرتاح البعض لأحاديث القوم رغم الخلاف القائم، ويتمنون لهم الزيادة والمزيد من التصميم والتحرر فى قابل الأيام. ومع انتهاء اجتماع اليوم سيدرك الرئيس ضرورة الانحناء للعاصفة والقبول بمطالب المنتفضين أو يجنح للتصعيد عبر تكريم المنضبطين واظهار الغضب للمغاضبين، وعندها ستهزم الثورة أو يرحل الرئيس .. الخيارات محدودة والجميع ينتظر والرئيس الآن فى واقع يحتاج إلى التفكير مع قدر من الجرأة لتبديد الصورة التى رسمت له فى الشارع خلال الأسابيع الأخيرة.