مامن شك في ان أرائنا مختلفة حول تجربتنا الديمقراطية لكننا مجمعون على أنها لم تفلح في توطيد استقرار النظام ولا ترسيخ الوحدة الوطنية ولم تحقق العدالة ولا التنمية الاقتصادية المتوازنة . فماهو السبب?
ان أهم الأسباب تعود الى اننا في بداية التجربة لم نتخذ وسائل الانطلاق من المربع الأول ولم نحدد هدفنا من العملية فالبنسبة للوسائل:
كنا نتشبث بدستور يكرس الديكتاتورية والحكم الفردي بدل بناء قطب ديمقراطي تعددي للخروج من الرؤية الاحادية للمواقف
وبدل تشجيع تحالفات يوحد عملها اليقين بأهمية الديمقراطية وأخلاقياتها كنظام سياسي اجتماعي اسسنا احزاب هدفها الوصول الى السلطة وليس لها من وسيلة سوى التحالفات القبلية.
وبدل بناء مؤسسات دولة القانون تحدد معايير لا تميز بين افراد المجتمع ومتحررة من التبعية الحزبية والقبلية كنا نكتفي بالمطالبة بالمشاركة في حكومة تشرف على الانتخابات.
وبدل بناء مقومات الاجماع الوطني بإعادة النظر في الاختيارات المجتمعية مبتعدين عن كل مخلفات الماضي من عشائرية وجهوية وطائفية كنا نكرس النظام القبلي ونشجع التفرقة باعتماد معيار المحاصصة في كل المجالات.
اما على مستوى الاهداف فكنا نكتفي بالوحي بأننا نبني نظاما تعدديا (احزاب- انتخاب مؤسسات لملئ الفراغ) . فجاء اول قانون انتخابي ارتجالي لم يرد فيه أي شرط او التزام للمرشحين في النيابيات . ففتح بذالك مجال الاختيارات القديمة فترشح ذوي الامكانيات مع ممثلي العشائر المقربين من السلطة بدل ذوي الكفاءات والمثقفين الملتزمين . قاطع هذه الانتخابات الحزب الرئيسي في المعارضة بزعامة احمد ولد داداه فنجحت نسخة من برلمان الجمهورية الأولى للجمهورية الثانية لكنها كانت اكثر حظا . فمن رئيس الدولة على هذه النسخة فخصص لكل عضو فيها راتبا شهريا يزيد على ثلاثة أضعاف راتب الموظف وحقا في التقاعد تزيد مخصصاته على راتب موظف في الخدمة وتمثلت النتيجة في ما يلي: تنامي مجموعة عرفت بمجموعة التحصيل من اجل النجاح والنجاح من اجل التحصيل.
ازدراء العمل والتعلم والمعرفة بصفة عامة وأصبحت مشكلة العمل والمعرفة˓ كواقع لابد لها من حل.
ظهور مجموعة من المتقاعدين لم تتجاوز اعمارهم الاربعين سنة وتتزايد كل خمس سنوات.حلت استحقاقات 1996 وجرت بذات الشروط وكان الصراع فيها عنيفا بين المرشحين الاحرار ومرشحي حزب الدولة ولم يكن لذوي الكفاءات والمثقفين الأحرار إلا التفرج ولسان حالهم يقول العين طويلة واليد قصيرة . استخدمت اموال كثيرة لشراء اصوات الناخبين بدل الالتزام بمشاريع انتاجية لامتصاص البطالة. فنجحت نسخة من البرلمان السابق وكانت النتيجة : تنامي الظهور القبلي في النظام وطالت المحاصصة القبلية والطائفية جميع نشاطات الدولة.
ظهور الحكم الفردي في تجلياته الدكتاتورية فلم يعد بإمكان احد الحصول على وظيفة ما لم يحظى بمقابلة الرئيس . فانتشر الخوف واحكم المنتخبون سيطرتهم على كل نشاط الدولة في القرى والأرياف وانتشر الفساد الاداري والمالي. اصطف معظم الاحزاب الى جانب الحزب الحاكم ولم يعد للتعددية أي مظهر. لم تدخل أي اصلاحات على قانون الانتخابات قبيل الاستحقاق الثالث للنيابيات˓ فظل الصراع محصورا بين اصحاب المال اللذين يجيدون حساب الربح والخسارة وممثلي العشائر والمنخرطين في حزب الدولة فتشكلت اقطاب داخل الحزب للصراع على لوائحه. ظلت مشاركة احزاب المعارضة ضعيفة في انواكشوط وازويرات ونواذيبو ومعدومة في الداخل ولم يعد للجان الفرز وإعلان النتائج أي دور مع مخابرات الحزب ˓وتكرر نجاح ذات النسخة البرلمانية . وعلى مستوى البلديات كانت لوائح المرشحين تقدم بالمحاصصة القبلية والطائفية في اكثر المدن والقرى˓ ثم يشتد الصراع داخل القبيلة والطائفة على الارقام الاولى وكان لكل اسرة رقمها حسب وزنها اوبا الأحرى عدد افرادها. وحين ما تجد ان الرقم دون ما كانت تريد تقدم اللائحة اخلف افرادها ازدراء بالأمر او استباقا لما قد يتقرر من تخصيص مقاعد لذوي الاحتياجات الخاصة باعتبار ان كل شيء ممكن! وبالنتيجة كان نشاط المجلس ضعيفا ويتلخص في تنسيق رئيسه مع حاكم المقاطعة ومحاسبها˓ فالأخير هو اللذي يعد مشروع الميزانية وله مع رئيسها حسابات خاصة . فليس لهذه المجالس مساهمات في التنمية ولا في الاشراف وتنسيق نشاط المواطنين رغم ما تجنيه من الضرائب فلا يظهر لها حضور الا عندما يعلن عن تجديد انتخابات الشيوخ ˓عندها ترتفع الاصوات فينتخبون شيوخهم.
وعلى مستوى الرئاسيات فبعد فشل احمد ولد داداه في الانتخابات الاولى لم يترشح للانتخابات الثانية إلا المقربون من الرئيس. وهكذا ترسخ النظام الأحادي معتمدا على الاصطفاف القبلي والطائفي. وازدادت اصوات المطالبين بحصصهم و اصبح الموضوع يناقش داخل مكاتب الحزب وخرجت كل مجموعة بإحصائياتها محددة نسبتها في البلد . ونتيجة لهذا ولتراكمات حصلت بعد افشال عدة تحركات في الجيش ˓ قام عدد من الضباط الصغار بانقلاب فاشل اسفكت فيه دماء كثيرة وللقضاء عليه دمرت كل دفاعات الجيش وقواته الهجومية. استمرت مطاردة ومحاكمة عناصر هذا الانقلاب اكثر من سنة وخلال هذه الفترة تقرر اجراء انتخابات ˓و ترشح معاوية ولد سيد احمد الطائع للمرة الثالثة وترشح معه العديد من الشخصيات وكان ابرزهم في ذالك الحين احمد ولد داداه ومحمد خونه ولد هيدالة. ولعبت المخابرات دورا بارزا في هذه الانتخابات فنجح معاوية ولد سيد احمد الطائع لكنه لم يكمل سنته الثانية حتى اطاح به احد مقربيه بالطريقة التي استخدمها هو لسلفه محمد خونه ولد هيداله. تعهد المجلس العسكري بتسليم السلطة لرئيس منتخب وحدد مدة لذالك وشكل لجنة لمراجعة الاجور وأجل الامور السياسية للنظام المنتخب. وفي نفمبر 2006 جرت اول انتخابات بدون حزب حاكم لكنها بالقانون الانتخابي ذاته بعد اضافة نصيب للنساء من باب التمييز الايجابي. فشارك معظم الاحزاب وما انتم انتخاب جميع المؤسسات ونصب رئيس الجمهورية حتى بدأ اصطفاف السياسيين من اجل تشكيل حزب للحكم الجديد كما جرت عادة الأنظمة الأحادية . فوجد العسكريون اللذين قاموا بالانقلاب على معاوية ان السياسيين سيعيدون الامور الى ما كانت عليه قبل الانقلاب فهبوا وعزلوا الرئيس دون تغيير بقية النظام.
استعان بعض السياسيين بالخارج فاختلقوا ازمة ارادوا لها الحل هناك. بدأت المفاوضات في داكار توصلوا من خلالها الى حل بموجبه تشكل حكومة اتلافية ولجنة مستقلة للانتخابات يشرفان على انتخاب رئيس جديد للجمهورية . استقال رئيس المجلس العسكري محمد ولد عبد العزيز وترشح لانتخابات وترشح معه العديد من الشخصيات من ابرزها السيدين مسعود ولد بلخير واحمد ولد داداه. فاز المرشح محمد ولد عبد العزيز واصطف حوله معظم السياسيين والعديد من النواب فا استنسخوا له نظام معاوية ولد سيد احمد الطايع˓ وهكذا عدنا للمربع الاول ولم يبق إلا الفارق بين شخصيتي الرجلين. كانت نتائج هذه المرحلة مطبوعة بشخصية الرئيس محمد ولد عبد العزيز التي بدت خلاقة وعملية . فعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي تم في عهده انجاز العديد من المنشات الكهربائية والمائية وبناء الجامعة والمطار الدولي والعديد من المستشفيات في ولايات مختلفة ˓ ومدارس للصحة ومدارس للمعلمين في معظم الولايات. وصرفت اموال كثيرة في اطار القروض لذوي الحرف والنشاطات المدرة للدخل وهذه ستساهم انتمت مراقبتها ومتابعتها بشكل جيد في توسيع قاعدة الطبقة الوسطى. وعبدت مئات الكيلومترات في مناطق متفرقة من الوطن. وعلى المستوى الأمني رفع من جاهزية القوات المسلحة وقوات الامن الداخلي بشكل شامل. اما على المستوى السياسي فقد طبع بطابع النظام السياسي اللذي اعددنا. فبقدر ما ساء نظام الجمهورية الثانية استنساخ نظام الجمهورية الاولى ساء نظام الجمهورية الثالثة استنساخ نظام الجمهورية الثانية. ففي الجمهورية الاولى لم نكن نعرف عن القبيلة سوى ما كانت تنص عليه المواثيق الشرعية من الزام العصبية بالدية ˓وفي هذه المرحلة كان وصف الفرد بأنه قبلي او عنصري سب وتوبيخ ووصمة عار . فأصبحت في الجمهورية الثانية وسيلة للدخول لمعترك السياسة وللحصول على تعيينات في المناصب السامية وفي الجمهورية الثالثة تعمق الامر بإصرار السياسيين على استخدام هذه الوسيلة ˓ وأصبحت كل مجموعة تعلن انها هي التي تمسك السماء ان تقع الارض وعلى الاخرين الاعتراف بذالك وهكذا صرنا بعد ربع قرن.
اللوت ولد لبات