تفاصيل محاكمة وإعدام الأمير المختارولد اعلي الكوري(ح7)

و لكن أي نتيجة يحصدها قائلوها عندما يقولوا غير ما قالوه؟ .. لا شيء، سادتي، سوى أنهم فهموا جيدا واجبهم.. و أنهم بتعبيرهم دون خوف و بكل جهد، ما زالوا يحتفظون رغما عنهم بشيء آخر في ضمائرهم..
هذه مأساة، دون شك.. و لكننا نفضل حقيقة مُطلقة تم التعبير عنها دون خِشية على حقيقة فيها من المجاملة .. و تخلو من كل عفوية من أجل تأمين كل ما يمكن من الحقائق..
مع أن ما يظهر لنا هنا أنه الحقيقة المطلقة..لأن من أفادوه كانوا قد أرادوا، لا شك في ذلك، أن يتمكنوا، و بكل وعي، أن يفيدوا العكس.. هو أنه خلال سنة 1822 ظهر لهم أن المختار كان عمره ما بين 11 إلى 12 سنة.. و قال آخرون إن عمره كان على الأقل 10 سنوات.. مما يفرض أن يكون له اليوم 20 أو 22 سنة من العُمُر.. و أنه، أيضا، كان له سنة 1825 ، حسب الشاهد " بوينشو" 13 سنة .. و كان يتكلم و يفكر و يرد الأفعال بحكمة تامة.. و حسب الشاهد" آرتيك" فإنه كان له سنة 1828 حوالي 15 سنة على الأقل.. فهذه حقيقة مطلقة لدى اثنين من سكان سان لويس الذين عرفوه جيدا و تابعوا تقدم سنه من عام لآخر.. مما يستشف منه، حسب رأيهم، العفوي، أن سن المختار ستكون الآن ما بين 20 إلى 22 سنة..
و هنالك دليل آخر شديد الوضوح و هو ما يستشف من اعتراف المتهم نفسه..فقد صرح أنه رافق والده إلى إدوعيش.. و كانت معه أمه و شقيقه و شقيقته .. و هنالك شهود عديدون لصالحه و لصالحنا صرحوا أن الفارق الزمني بين كل اثنين من الأولاد الثلاثة هو سنتان على الأقل.. و من المعروف أن امحمد ذهب إلى إدوعيش، للمرة الثانية، سنة 1829 .. فكان عمر المختار إذ ذاك ما بين إلى 5 سنوات مما يفرض أن يكون عمره الآن 18 سنة...
و نحن يكفينا أن يكون عمره 16 سنة و يوما واحدا عند ارتكابه الجريمة.
و خلاصة الأمر أنكم إذا تفحصتم هذا الموضوع ستجدون أن المختار كان عمره 16 سنة عند ارتكاب الجريمة.. و ستجيبون بالنفي و تقولون إن المختار كان عمره أزيد من 16 سنة.... و أكررها: 16 سنة و يوما واحدا.. و هو كل ما ينبغي أن يثبته الاتهام..
و مع ذلك، إذا كان هنالك بعض الشهود كثيرو الدقة، في ما يبدو، و الذين تركوا لدينا انطباعا إيجابيا..و تركوا تأثيرا أكثر إيجابية في أذهانكم..و هذا سيكون إهانة لكم.. في أكثر من واحد من تقاريركم.. فينبغي لكم أن تطرحوا بعد قضية الإدانة قضية سبق الإصرار.. بدل أن تشُكوا في نتائج إيجابية..
و انطلاقا من كل هذه الدلائل فإننا نطلب باسم الملك أن تقبل المحكمة ما يلي:
1 ـ إعلان أن المتهم المختار نجل امحمد بن إعلي الكوري أصبح مذنبا بالتدبير و التمالؤ في القتل العمد مع سبق الإصرار.. ضد شخص ماليفوار..
2 ـ إعلان أن المسمى المختار لديه من العمر 16 سنة و تزيد في الفترة التي ارتكب فيها الجريمة..
3 ـ تطبيق المواد 59 و 60 و 295 و 296 و 302 من القانون الجنائي و المادة 12 من ذات القانون المعدل بالبرقية الوزارية بتاريخ 16 يونيو 1824 و بالمواد 368 و 376 من المسطرة الجنائية في السنغال.. بأن يدان المختار ولد امحمد ولد إعلي الكوري بعقوبة الإعدام.. و أن يكون الإعدام رميا بالرصاص حتى الموت.. و أن يدان، فضلا عن ذلك، بدفع تكاليف المحكمة.. و أن تصدر الأوامر بأن ينفذ ذلك الحكم حسب اجتهادنا..
و بدوره تناول الكلام السيد تايلهاردات فاييت، ضابط الحالة المدنية و عضو لجنة العقارات الشاغرة.. المعين رسميا من طرف الرئيس من أجل الدفاع عن المتهم بما يلي:
" لو لم أكن مقتنعا تماما بحيادكم و تبصركم، و لو لم أكن على يقين من أنكم عندما جلستم على مقعد العدالة تركتم عنكم جانبا كل شعور غريب على الإنصاف التام.. و لو لم أكن مقتنعا، من خلال معرفتي الشخصية لكم، بعدالة ما سيصدر عنكم من أحكام، أقولها صراحة، لكنت منزعجا من النتائج الوخيمة التي ستسيطر على كل على كل جوانب هذه القضية المؤسفة.. و كنتُ خشيتُ أن أمنح دعمي المتواضع لمتهم يُقال مسبقا إنه مذنب.. لكن ذلك الرعب و تلك الوساوس زالت أمام ثقتي بكم..و سأقوم بأداء المهمة التي كلفني بها رئيس هذه المستعمرة.. فإذ انطلقتُ من تلك الثقة في حزمكم الثاقب، سادتي، فإني سأمتح كل طاقاتي من أهمية هذه المحاكمة و من موقف المتهم..
فإذا كانت هناك قضايا تُذيب القلب و تدفعه إلى الانتقام فإن هناك أسباب أخرى تدعو إلى الشفقة.. لأنه إذا افترضتم أن المختار بريء{ و هو يستحق عليكم، حتى الآن ذلك}.. فهل تعرفون تعاسة أشد من تعاسته..
لقد عانى ماليفوار لحظة و لكن المختار كان مصيدة للعزلة و الاحتقار في أقوى مظاهرهما تمزيقا..
فالقانون يُشهر براءته.. و لكن البعض يظن أو حتى يؤكد إدانته.
فهو الغريب المدفوع بقوة نصائح ملك بلده و بدافع براءته الذي جاء ليعتذر.. فحُرم الحرية.. ذلك الكنز الثمين الذي يبحث عنه كل البشر.. و المحبب إلى بني فئته البدوية.. مُنع في سجنه من تضامن ذويه معه و من تضامن أصدقائه.. فحياته تتمزق أمام عاديات الزمن في كل ما يطمح له.. فأني أدار بصره لا يلقى إلا نظرة اتهام..
أيها السادة.. أليست هذه حياة مُرعبة؟ و ههل استطعتُ بكل مجهوداتي أن أخفف من هذه المعاناة؟
ينضافُ إلى ذلك أنه كلما كانت التهمة خطيرة.. كلما ضوعفت الجهود لمحاربتها.. بيد أنني، دائما، سادتي، أعوِل على حكمتكم و تبصركم.. و يصعب عليَ أن أقف في وجه جهاز الإدارة العمومية التي استمعتم إلى اتهامها القاسي ضمن هذا النقاش الزاخر بالانضباط.. و لكن حماسي يستُر على وهَني و تساهلكم سيعوض ما أشعر به من النقص..
و سأبدأ بنقاش كلا التهمتين و الأسباب المحتملة التي قادت إلى عمل المتهم.. ثم أصِل إلى إشكالية سنه..
قيل لكم إن طموح المختار و رغبته الجامحة في استعادة ملك{ آبائه}الممزق بمفعول حربٍ أهلية غريبة هي الدافع إلى التصرفات الصادرة عنه.. و لا شيء أشد من رفضنا لذلك جملة و تفصيلا..
فبعد وفاة والده امحمد ولد إعلي الكوري جاء أعمر، ملك ذلك الوقت في ترارزه ليستوليَ على السلطة الأميرية بقانون عُرف الإمارة المتمثل في أنه عند موت الأمير الذي له أبناء لم يبلغوا سن الرشد تُسند الإمارة إلى أسن أمراء الأسرة.. و عندها ينفصم خط توريث الإمارة..
و لما كان المختار صغير السن في ذلك الوقت فإن ذلك مما سيمنعه من خلافة أبيه.. مُذعنا لذلك العُرف.. فاعترف بإمارة أعمر.. و عند موت أعمر جاء ابنه الأسن، محمد لحبيب ليستوليَ على الإمارة.. فصار محمد لحبيب ملكا.. و استمر المختار في الاعتراف بالملك له.. و لكنه بقي الوريث الشرعي للإمارة.. إذا لم يكن لمحمد لحبيب ابناء.. فلو المختار يريد الاستيلاء على السلطة عن طريق إضرام حرب أهلية لما انتظر ثلاث سنوات من 1828 إلى 1831 من اجل أن يبدأ.. فكان بإمكانه أن يبدأ بذلك ظاهرا أو عن طريق المؤامرات من أجل عزل محمد لحبيب من الإمارة.. و لكن أبى عليه ذلك إيمانه بالمبادئ.. فعاش علاقة وطيدة مع هذا الأمير.. و لم يُسجل التاريخ أي خلاف بينهما..
و لما كان الأمر، سادتي، كما برهنتُ عليه فكيف يكون هذا الدافع هو السبب وراء هذه الجريمة التي نتهمه بها..؟
فأين يكمن هذا السبب الذي دفعه إلى ذلك؟ لأنه لا يمكن أن نقوم بجريمة من أجل القيام بالجريمة فقط.. فلا بد من هدف في ذلك.. و إذا لم نجد ذلك فإنني أستطيع أن أبرهن أن أبرهن أن المختار لم يقم بهذه الجريمة.. وهذا ما سيوصل إليه نقاش الوقائع..
وبعد أن بينتُ أن هذا الطموح لم يكن الدافع لدى المختار و أنه هو السر الكامن وراء ما يتهم به.. لننظر الآن إلى ما وقع على ضفة النهر في اليومين أو الثلاثة السابقة للجريمة..
فقد تم سجن إعلي ولد بوشارب.. الأمير المتنفذ.. خال الأمير{ محمد لحبيب} و خال المختار.. و دام سجنه ليلة كاملة.. و هذا، على بساطته، يُعد احتقارا له.. فالسجن لدى مجتمع البيضان يعد إهانة عظيمة.. بل أذهب إلى أبعد من ذلك لأقول إنه حط من شرف الأنسان..
فعندما التقاه " بلغرانه".. الذي استطاع، بعناء كبير، أن يصلح ذات بينه مع قائد المركز.. كما صرح لم هو نفسه بذلك.. و لكن الذي شاع في العامة هو سجن إعلي ولد بوشارب و ليس خبر المصالحة.. و صرح لكم بلغرانه أن أبناء إعلي ولد بوشارب ليسوا على علم بخبر الصلح و هو نفسهم الذين كانوا مع بلغرانه.. و ارتُكبت الجريمة يومين أو ثلاثة بعد ذلك.. هذه، سادتي، الأسباب الحقيقية لهذه الأحداث التي وقعت.. و ستقنعكم البقية أنه ليس هناك سبب آخر.. و بالفعل، فإن أبناء بوشارب كانوا أكثر تأثيرا من غيرهم في ترارزه.. و هم أكثر تأثيرا من المختار....
يتواصل