بداية نستغفر الله سبحانه وتعالى الذي هو فوق التحايل والتدليس، لكن الرسالة التي أريد أن أوصلها اقتضت هكذا عنوان.
من الملاحظ على اتساع الوطن العربي، وربما على اتساع العالم الإسلامي، أن مساحة تراخي المسلمين في رمضان تتسع مع الزمن، والرغبة في العمل تضيق. من الملاحظ أن أعدادا متزايدة من الناس يعملون بجد على الصيام وهم نائمون. أعداد متزايدة من الناس أصبحوا يختارون السهر طوال الليل والنوم أغلب ساعات النهار في رمضان.
جرت عادة أغلب البلدان العربية على قص ساعات العمل في رمضان، لكن هذا القص آخذ بالاتساع مع الأيام، بحيث أن الحكومات أخذت تُجر بالمزيد إلى مربع الكسالى وغير الراغبين في العمل والقيام بالنشاطات المطلوبة بحيوية. طبعا حكومات العرب هي أقل التجمعات أو الناس رغبة في العمل الجاد، لكن رغبتها تتقلص أكثر مع الأيام. لم يظهر في الوطن العربي من تحدى توجهات الكسل والتراخي إلا الحبيب بورقيبة، زعيم تونس الأسبق، والذي قال للناس إن على الذي لا يريد أن يعمل في رمضان ألا يصوم.
واضح أن أعدادا متزايدة من الناس تهرب من رمضان وذلك بمحاولة الجمع بين الوفاء بالفريضة والاسترخاء الذاتي، فيصومون وهم نائمون. وبهذا يتجنبون حكمة الصوم، لكنهم أمام أنفسهم وأمام الآخرين يؤدون ما فرضه الله عليهم. هل يقبل الله سبحانه وتعالى مثل هذا الالتزام المتحايل؟ الله أعلم وحساب كل شيء عند الله سبحانه.
خرجت من بيتي الكائن في مدينة نابلس مبكرا في اليوم الثاني من رمضان لأقضي بعض الأشغال والأعمال الضرورية. المحال التجارية مغلقة في مختلف شوارع المدينة، وأكثرهم إبكارا كان قد فتح محله التجاري الساعة العاشرة. المفروض أن تكون المحال قد فتحت أبوابها الساعة السابعة صباحا على أبعد تقدير، لكن الكسل يغزو نفوس الناس بصورة متصاعدة. وربما نابلس تصحو باكرا مقارنة بما نسمعه حول سلوك أهل الخليج في رمضان. ما نسمعه أن سكان الخليج ينامون النهار ويصحون الليل، وقلما يعملون في رمضان، أي أن رمضان قد تحول من شهر عبادة إلى شهر نوم وطبيخ.
عدد لا بأس به من نشاطات المسلمين الأوائل الحربية والعسكرية كانت تتم في رمضان، وعادة ما يتحدث رجال الدين عن تلك النفسيات الصلبة الصابرة التي كانت تخوض المعارك تحت أشعة الشمس الصحراوية الحارقة، لكننا الآن لا نحاول أن نتشبه بأولئك الذين كانوا ينتصرون، ونفضل البقاء تحت مظلة الهزائم.
أركان الإسلام خمسة، وذلك بالنسبة للفرد المسلم، لكن أركان بناء الأمة الإسلامية ثلاثة وهي العلم والعمل والجهاد. الأمة لا تتقدم صناعيا، وعسكريا، وأمنيا، وعلميا، وزراعيا، إلا بالعلم والعمل والجهاد. العلم يكتشف، ويدفع بالإنسان نحو الاختراع، والعمل هو حيوية الإنسان وتجسيد إنسانيته، وهو الإنتاج. أما الجهاد فهو مكابدة النفس حتى لا يستسلم المرء لعدو أو مأساة أو ضيق حال أو تخلف أو جهل. هذه أركان ثلاثة مفروضة على المسلمين حتى لو غيبها رجال الدين عن أحاديثهم الدينية. لا توجد أمة على وجه الأرض يمكن أن تتقدم وتنهض وتزدهر وتتمتع بقوة ومنعة وتحصين بدونها. أما نحن فيبدو أننا نريد أن نتقدم بالأدعية والابتهالات بدون بذل الجهود وتوظيف الطاقات، ونحن بانتظار ليلة القدر لنتطلع إلى أبواب السماء وهي تُفتح في وجوهنا فندعو الله لنصبح وقد زالت إسرائيل، وزال الحكام الطغاة البغاة وزال التخلف والجهل والفقر.
نحن نريد من الله أن يسدد خطانا ويهزم أعداءنا بدون تقديم التضحيات المطلوبة، وكأن رب العالمين في خدمتنا على الدوام. رب العالمين ينصر من ينصره، ينصر من فيه الخير والأمانة والصدق وليس الذي يتحايل على نفسه وعلى الناس وعلى الله في رمضان.
علينا أن نواجه أنفسنا إن كنا نملك شجاعة المواجهة. رمضان شهر صيام، لكنه أيضا شهر نشاط وجد وعمل. وما نغرق به الآن من نوم عميق وسهر طويل يؤشر على تدني مستوى الإيمان لدينا، الإيمان يدفع الإنسان للعمل وليس للكسل، وإذا كان منا من يحلم بالجنة في الآخرة فإن عليه أن يراجع أعماله قبل ابتهالاته وأدعيته.