يمكن تعريف الأمن البيولوجي بأنه مقاربة مندمجة تسعي للوقاية من مخاطر العوامل البيولوجية والسموم Toxines ،والتي يمكن أن تؤثر علي صحة وسلامة البشر عبر إشراك كل الجهات المعنية بما يضمن إدارة فعالة لتلك المخاطر.
جاء مفهوم الأمن البيولوجي استجابة للتحديات والمخاطر التي نتجت عن تحول العالم إلي قرية صغيرة ،فانتشار وسائط النقل، وسهولة تنقل الأفراد والحيوانات والنباتات، والمنتجات الحية والبضائع، وانتشار الجرائم الاقتصادية ،وظاهرة الإرهاب ،عوامل دفعت صُناع القرار عبر العالم إلي بلورة استراتجيات لإدارة تلك المخاطر بمقاربة مندمجة ترقي إلي حجم وتشعب الظاهرة.
يستند مفهوم الأمن البيولوجي علي ركائز أساسية تبدأ بتحديد المخاطر ووضع آليات الوقاية والحماية ثم بناء شبكة للمراقبة والإنذار المبكر واتخاذ التدابير اللازمة للاستجابة الفعالة .
إن المقاربة التقليدية القطاعية والمجتزأة ،لم تعد قادرة اليوم علي الوقوف في وجه تحديات الأمن البيولوجي، فمصالح وزارة الصحة مثلا لن تكون قادرة لوحدها علي تجنب مخاطر انتشار عامل ممرض ينقله الحيوان ،بينما يبقي قطاع وزارة البيطرة متفرجا والجمارك غير معنية والإعلام مُغيب والمجتمع المدني متراخي والقضاء وأعوانه حائرون.
إن تنسيق الجهود وتحديد وتكليف المصالح الوطنية التي يمكن أن تساهم في التصدي للمخاطر البيولوجية شرط أساسي لكسب الرهان، لكننا لا لنلمس ذلك للأسف الآن ،فكل قطاع ينبري حسب الظروف لتبني مشكلة واحتكار جهود حلها أو التنصل كل ما أمكن ذلك .
إن الأمن البيولوجي مقاربة تتعامل مع التحديات بطريقة تتواءم مع التشريعات الدولية ذات الصلة كبروتوكول قرطاجنة للسلامة البيولوجية ،وتُحيٍن القوانين الوطنية ،وتحشد المصالح الوطنية المعنية ،في إطار إستراتجية وطنية شاملة للتعامل مع المخاطر الناتجة عن العوامل البيولوجية و السموم حيث تهتم ب:
وضع التشريعات الملائمة؛
التنسيق مع المنظمات الدولية والحكومات بهدف تبادل المعلومات؛
وضع آلية وطنية للإنذار المبكر ؛
إشراك مراكز البحث الوطنية في تحديد المخاطر وضع سيناريوهات التعامل معها؛
تنسيق الجهود الوطنية للوقاية من المخاطر البيولوجية؛
وضع خطط التصدي وإدارة الأزمات بشكل يحدد دور كل جهة وطنية معنية.
تعد موريتانيا احد أكثر البلدان تعرضا لمخاطر انعدام الأمن البيولوجي ،نظرا لضعف وهشاشة منظومتها الرقابية ،واعتمادها علي استيراد معظم احتياجاتها الغذائية وكامل أدويتها ،ووجودها في حزام يُطوقه الإرهاب والأوبئة الفتاكة .
أمثلة علي مخاطر أثرت أو قد تؤثر علي أمننا البيولوجي
ظاهرة أكل الذئاب بحجة علاج بعض الأمراض ،مما قد ينقل بعض الأمراض الخطيرة ،ولن يمكن التعامل بجدية مع هذه الظاهرة الخطيرة في ظل غياب إستراتجية وطنية للأمن البيولوجي نظرا لتدافع المسؤوليات بين المصالح المختلفة وضبابية الرؤية؛
انتشار بق الفراش من الولايات المتحدة الأمريكية، عبر المستلزمات المنزلية المستعملة
،ويمكن تصور انتقال كائنات أكثر خطورة كعنكبوت الأرملة السوداء السام؛
انتشار مرض البيوض وسوسة النخيل الحمراء ،مما قد يُفني واحات النخيل نتيجة استيراد فسائل موبوءة ؛
تلوث الحليب المحلي بالافرمكتين و الأدوية البيطرية المختلفة و استيراد ألبان من مصادر مشبوهة؛
إمكانية انتقال الأوبئة الخطيرة كالإيبولا والحميات النازفة؛
إمكانية تلوث شبكة مياه آفطوط الساحلي بمياه الصرف الصحي؛
السيناريوهات الشريرة التي قد يستخدمها الإرهابيون لا قدّر الله؛
إمكانية انتشار الأوبئة في ظل ضعف إجراءات الوقاية في المنظومة الطبية؛
انتشار حشائش التيفا Thypa في منطقة الدلتا وأشجار Prosopis في المساحات الزراعية؛
العبث بالمخزون الوراثي الوطني للسلالات الحيوانية المحلية في ظل حملات التحسين الوراثي الغير مدروسة؛
إمكانية انتشار الأوبئة العابرةكأنفلونزا الطيور عبر الطيور المهاجرة أو غيرها.
بدأت السلطات العمومية تهتم ولو بشكل خجول بقضية الأمن البيولوجي منذ خمس سنوات تقريبا ،بدعم من الشريك الألماني، إلا أن ذلك المجهود لا زال دون المستوي بسبب غياب إستراتجية فعالة لإدارة المخاطر، كما أن ضعف الوعي العام لا يساهم في تحقيق أمننا ،فالعديد منا يعتقد انه مجرد ترف فكري،وفي انتظار تبلور ذلك الوعي يبقي أمننا البيولوجي غير مصان.