دافع القيادي البعثي المعروف و الصحفي العميد أحمد ولد بياه عن المدير العام الجديد لإذاعة موريتانيا عبد الله ولد حرمة الله و اعتبر الضجة التي أثيرت حوله مرتبة وفق مؤامرة قال ولد بياه إن لها عدة أبعاد ،تجعل المدير في صدام مع ما سماه ولد بياه بالبعد الديني المنافق و هذا نص المقال كما ورد بريد مراسلون..
حصلت في الأيام الأخيرة حملة تشهير " مواقعية" ، لكي لا أقول إعلامية ، ضد المدير العام الجديد لإذاعة موريتانيا السيد عبدالله ولد يعقوب ولد حرمة الله الذي خلف المدير العام السابق السيد محمد الشيخ ولد سيد محمد.
كانت لحظة انطلاق الحملة مضبوطة على ساعة أول نشاط يباشره المدير الجديد . وكان من المهم جدا أن يكون ذلك النشاط دينيا خالصا ، ليتمكن زارعوا الألغام من إحداث التفجير المطلوب، بما يُظهِر المدير الجديد وكأنه يحمل مشروع صدام مع البعد الديني المنافق الذي جعلت منه الإذاعة - في الفترة الأخيرة – غطاء ، وغذاء "لهلوستها" المجنونة .
يتعلق الأمر باحتفالية افتتاح مسابقة حفظ وتجويد القرآن الكريم . لم تكن للمدير الجديد أية فكرة سابقة عن ابروتوكولات الاحتفالات " الفرعونية" التي تخصصت فيها الإذاعة في السنوات الأخيرة .وبطبيعة الحال لم يكن المدير سيئ النية ولا الظن بما يجعله يتوقع أن مسرحية ( المصحف الممزق) سيعاد تمثيلها ثانية بأبطال جدد من الخلايا "المستيقظة " الخائفة على " عتمة " أوكارها أن يطالها وهج الضياء القادم .
خطة التفجير كانت من ثلاثة أضلاع : الضلع الأول : إسقاط اسم رئيس المجلس العلمي لإذاعة القرآن الكريم من قائمة المدعوين المرحب بهم في الخطاب الافتتاحي للمدير . الضلع الثاني : أن إسقاط اسم فضيلة رئيس المجلس العلمي سيجعله ينسحب لا محالة . الضلع الثالث : أن المدير العام كان- في اعتقادهم – سيصافح الوزيرة صاحبة الوصاية على الإذاعة ،وعندها يتم الربط بين المصافحة المرجوة والانسحاب ..... وتنفجر القنبلة الدينية .
وكأي تخطيط مسبق ، قلما يأتي التنفيذ مطابقا مائة بالمائة : لقد نجح الضلع الأول لأن أمره كان بأيدي المعنيين من حيث أنهم يحضرون الجانب لبروتوكولي في خطاب المدير . ونجح الضلع الثاني لأن رئيس المجلس العلمي فهم من خلال خطاب المدير أنه غير مدعو فكان لابد أن ينسحب لأنه ليس طفيلي احتفالات . أما الضلع الثالث - وهو صاعق الانفجار – فقد تعطل، لأن المدير لم يصافح الوزيرة ، وإذا تعطل صاعق الانفجار ، فلن يكون هناك انفجار ، فما العمل ؟ . الموضوع لا يتحمل التسويف . وفرصة التفجير لن تكون متاحة دائما.. فَلْنَقُلْ : إن المصافحة حصلت ، وإن الانسحاب كان بسببها - وفق ما كان مخططا – فالشهود الحاضرون ليست لهم أهمية ... المهم الرأي العام بما فيه من أهل النفوذ والقرار .
وانتقل التنفيذ إلى الصفحة الثانية : صفحة المواقع . دعوني أذكركم بأن مواقع النشر الالكتروني غالبا ما تترك للجهة المتعاقدة معها مهمة تحرير مادتها بنفسها ، لأنها أعرف من غيرها بمرادها ، وبما ينبغي أن يُبـــْــرز ، أو يطمس . وإذا صدق هذا التوقع ، فإن علينا أن نقرأ في ضوئه " السبق الصحفي " الذي انفرد به موقع ( الوسط ) وكان بسببه صانع الانفجار" التعويضي " بدلا عن الانفجار الأصلي في القاعة الذي لم يحدث .
قال( الوسط ): (أقدم مدير الإذاعة الجديد على تصرف أثار امتعاض واشمئزاز الجميع ، عند ما بادر عبدالله ولد يعقوب ولد حرمة الله بمصافحة وزيرة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني ، أمام جمع كبير من علماء البلد من ضمنهم رئيس المجلس الأعلى للفتوى والمظالم العلامة محمد المختار ولد امباله ، ورئيس المجلس العلمي لإذاعة القرآن الكريم فضيلة الشيخ ولد الشيخ أحمد ).
وأضاف الموقع أن فضيلة رئيس المجلس العلمي انسحب احتجاجا على المصافحة وأن أعضاء من المجلس العلمي (لم يعينهم) تبعوه .
إن دراسة أي نص تمكن من الدخول إلى عقل محرره وإلى خريطة أغراضه : يلاحظ في هذا النص أن وجه الاحتجاج على المصافحة - التي لم تحدث - ليس كونها مخالفة للشرع أو موضع خلاف فيه ، بل لأنها حدثت أمام ... ؟ أمام ماذا ؟ ...أمام جمع كبير من علماء البلد ... طبعا لابد أن يكون جمعا كبيرا : لأن وجه كونها جريمة هو عدم مراعاة وجود العلماء ، فكلما زاد عدد العلماء المتجاهَلين كلما كانت الجريمة أشنع . و يلاحظ ثانيا " أن وَلَعَ مختلِقي المصافحة "بمصافحتهم " أنساهم الطرف الآخر فيها ، ولم يدركوا أن القارئ ليس لديه مشكلة - كما هي حالهم - مع المدير الجديد للإذاعة لكي ينصرف هذا لقارئ إلى النكير والتشنيع على المدير وينسى الوزيرة المصافحة .
لقد دأب الناس الذين يتكلمون عن تحرير المرأة على الشكوى من أن الفقه" الذكوري"- وهو السائد – غير منصف اتجاه المرأة ، لأنه يحملها وحدها - غالبا – تبعة العلاقة مع الطرف الآخر ...لكن القاعدة انعكست هذه المرة .. انعكست مرتين :من حيث أنها امرأة تصافح الرجال ... ومن حيث أنها وزيرة تستهتر بالأعراف وتحتقر العلماء . وربما نقول إنها انعكست للمرة الثالثة إذا تذكرنا أن ما نسميه " الحياء "، وهو ركن أساسي في مسطرتنا السلوكية ، يطالب المرأة بالاحتشام إزاء الرجل مطلقا وفي كل الظروف ، أحرى إذا كان الرجال علماء ، وكبراء، وشيوخا ، وذوي لحى معفية ، وعمائم ، وألقاب دينية وعلمية .. ودون أن يكون الرجل مطالبا بشيء . المرأة الوزيرة جيء بها، في هذه الحبكة الإجرامية، لكي تصافح وينتهي دورها ، ويتفرغ المعنيون للتشهير والنكير والتشنيع على المدير . نسوا أنه كان عليهم أن يغضبوا لله من فَعلة المرأة الوزيرة ، وأن تصيبهم الحمية للعلماء المحتقرين من فعلة المرأة الوزيرة، وأن يغاروا للتقاليد والأعراف الوطنية من استهتار المرأة الوزيرة ... نسوا كل ذلك ونسوا معه أن المرأة أكبر مسؤولية في هذا الموقف المزعوم ، وأن مسؤولية الوزيرة عن هكذا حالة أكثر حساسية ، وأكثر غني بعناصر التشويق والإثارة لو كان الشأن إعلاميا محضا . نسوا أيضا أنهم نوهوا بحضور رئيس المجلس الأعلى للفتوى والمظالم ، وهذا يجعل القارئ يسألهم : لماذا لم ينسحب العلامة محمد المختار ولد امباله احتجاجا على المصافحة، وهو أعلى قمة دينية حاضرة ، ويشغل وظيفة دينية سامية فعلا، وليس قولا فقط ؟ هل تراهم أرادوا التعريض ضمنا بالعلامة الجليل من خلال إظهاره بمظهر المتواطئ مع المتصافحين ضد الشرع ؟. من الناحية العملية هذا هو الحاصل.. لكني أستبعد أنهم قصدوه.كلما في الأمر أنهم نوهوا بحضوره بداية لكي تقع المصافحة أمامه وينتهي دوره وينسوه بعد ذلك، كما حصل مع الوزيرة التي أدت دورها في المصافحة المزعومة واختفت نهائيا . أتمنى على القارئ الكريم أن لا ينخدع بالمفرقعات اللفظية التي يحترفها البعض ويجري تجميعها ومزاوجتها ببعضها لكي تتحول - مجتمعة - إلى شيء له " وزن " أو " ثقل " يحمل في ثناياه قوة إقناعية ما . فإذا كان المجلس الأعلى للفتوى والمظالم هيئة رسمية فعلية يمكن قياس أهميتها من تحديد السلطة الممنوحة لها فعليا أو أدبيا ، فإن ما يسمونه المجلس العلمي لإذاعة القرآن الكريم ليس كذلك ... وإنما هو " مذكرة عمل" داخلية ، كأي مذكرة عمل أخرى تحدد السواقين المناوبين مثلا ... بل إن هذه أقوى : لأن السواقين عمال في الإذاعة ، وأعضاء في نقابة شرعية يقرها القانون ، وليس كذلك أعضاء المجلس العلمي لإذاعة القرآن الكريم . لا ينبغي لهذا الكلام أن يقود إلى أي لبس بخصوص المقامات الفعلية والاعتبارية لهؤلاء الرجال الذين أعرف أكثرهم ، وأعتبر بعضهم أصدقاء، و أحترمهم جميعا ...إن هذا الكلام لا يتناولهم البتة وإنما يتناول الصبغة المضللة المخلوعة عليهم ... هذه الخدعة هي موضوع ملاحظتنا لأن مدير الإذاعة " أيا كان " ليس - ولا ينبغي أن يكون - مصدرا للألقاب والصفات المؤسسة لمقامات الناس . القارئ الذكي لا يكون سهل الاستغفال بالمفرقعات اللفظية التي قد يعجبك وقعها ، ولكنك لا تظفر لها بمعنى دقيق. فكون هذا الشيء يسمى " مجلسا " هو مفرقعة أولى، ثم كونه "علميا " مفرقعة ثانية، أشد وقعا وأصعب تحديدا .أما كونه " لإذاعة القرآن الكريم " فهي أم المفرقعات بحمولتها المقدسة التي لو نزلت على ( جبل لرأيته خاشعا متصدعا ). ومثل المفرقعات اللفظية الحيل التحريرية : فالربط بواو العطف بين المجلس الأعلى للفتوى والمظالم ، والمجلس العلمي لإذاعة القرآن الكريم خداع للوعي، لأنه يجعل المجلسين - بطريقة ما – متساويين . ولكن عندما يضاف، أو ينسب، أو يربط أحدهما بالقرآن الكريم فإن تلك الإضافة ، بمجرد أن تلامس مخزون الإيمان ، تنشأ عنها أرجحية فورية حاسمة لصالح المجلس العلمي لإذاعة القرآن ، على حساب المجلس الأعلى للفتوى والمظالم الذي تُحِيل أوصافه إلى محاضر الشرطة وأقفاص الاتهام . من الواضح أنها حيلة ترسخ "الوهم " الذي هو المجلس العلمي لإذاعة القرآن الكريم، على حساب الحقيقة التي هي المجلس الأعلى للفتوى والمظالم. كأني بالبعض يستغربون هذه العناية بحدث تافه كهذا ؟ بالفعل هو تافه .. تافه جدا ولكن في نفسه .. أما من حيث ما يرمز إليه فهو على جانب كبير من الأهمية . أتدرون لأي شيء يرمز هذا الذي حصل في الإذاعة ؟ إنه يرمز إلى أن بعض تيارات التخلف ، بسبب ما حظيت به من الرعاية والتمكين ، باتت تنظر إلى الإذاعة على أنها " القاعدة المحررة " في مقابل بقية القواعد التي - في نظرها – مازالت محتلة من الأعداء ..وهي ترى لنفسها كل الحق في التحفز دفاعا عن نفسها ضد أي وضع مستجد ، كما تتحفز الحية للدفاع عن نفسها في جحرها ، أو في الجحر الذي اغتصبته ضد كل داخل جديد . إن مخطط التفجير، وإن كان فشل في الوصول إلى درجة التوتر المنشودة ، إلا أنه نجح في الكشف عن نفسه، وعن القوة المسؤولة عنه ، وعن الهدف الذي يسعى إليه ، وعن الوسيلة التي اعتمدها ، و قد يعتمدها لاحقا . الرسالة مقروءة جيدا : المتخلفون يريدون مديرا منهم وعلى شاكلتهم ... لأن المدير الجديد شاب وليس "شيخا" ...وعصري وليس مستوردا من زمن الانحطاط ... ومثقف وليس تاجر " فوك جاي". لا يخدعه التخلف عن نفسه ولو تسمى باسم العلم .. " ولاالفهلوة" عن نفسها ولو تسمت باسم الدين .. ولا الشعوذة عن نفسها ولو ادعت المشروعية باسم التراث .
المدير الجديد يُجِيد الإنصات لأنشودة المستقبل ... ولا يحسن الرقص مع الأشباح في الكهوف ومَنَاحات القبور .
أحمد ولد بياه