هل فاجأ الرئيس عزيز أغلبيته؟

أعتبر محمد سالم ولد الهيبه، رئيس مجموعة "أتلانتيك ميديا" الإعلامية، أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز نجح في خلط أوراق خصومه السياسيين داخل المعارضة، مثلما نجح في تعرية الكثير ممن يتشدقون بأنهم مقتنعون ببرنامجه السياسي ويدافعون عن نظامه؛ مؤكدا أن إعلان ولد عبد العزيز عدم نيته إجراء أي تعديل دستوري يمس الترتيبات المتعلقة بعدد المأموريات الرئاسية شكل مفاجأة كبرى لدى بعض المكونات الفاعلة ضمن ما يعرف بالموالاة والتي برزت بشكل ملحوظ، ومثير للجدل، خلال زيارة الرئيس الأخيرة لولاية الحوض الشرقي وما تلاها من حملات "شرح مضامين خطاب النعمة" واستهداف غير مبرر لثاني مؤسسة دستورية في الجمهورية، وهي مجلس الشيوخ في مسعى مكشوف للإضرار بتماسك الأغلبية المؤمنة بنهج وبرنامج الرئيس محمد ولد عبد العزيز منذ اللحظة الأولى لتوليه مقاليد السلطة في البلاد سنة 2008.

 

 

وقال رئيس مجموعة "أتلانتيك ميديا"، في تصريح صحفي، إن رئيس الجمهورية ظل يحجم عن الخوض في الجدل الذي ما فتئ قادة المعارضة السياسية ومعهم من أسماهم "ديناصورات التضليل" من الموالاة، يثيرونه ويحرصون على تغذيته عبر مختلف وسائل الإعلام المحلية والأجنبية؛ مبرزا أن الرئيس على قناعة تامة بأنه ليس ملزما بالرد على الأوهام ومحاكمة النوايا، كما أنه حريص على تماسك أغلبيته وانسجامها حتى وهو في آخر فترة حكمه الدستورية، وكذا على تأمين الظروف المثلى للتناوب السلس على السلطة من خلال إرساء أسس الحوار الوطني الجامع سبيلا إلى ترسيخ الديمقراطية والحكامة الراشدة في موريتانيا وفق رؤية توافقية يشارك الجميع في بلورتها وتجذيرها دون إقصاء أو تهميش.

 

 

غير أن أهم إيجابيات إعلان الرئيس ولد عبد العزيز الأخير ـ يضيف ولد الهيبه ـ أنه أسقط أقنعة من أسماهم "رموز موالاة الزور والنفاق" ممن عرفوا بالتزلف لمختلف أنظمة الحكم المتعاقبة على السلطة في البلد، ومغالطة الرؤساء وحشرهم في زاوية السخط الشعبي، سبيلا لابتزازهم وارتهانهم ضمن دائرة ضيقة لتحقيق مآرب شيطانية هدامة؛ قبل أن يعلنوها مدوية وهم يقفزون كفئران مذعورة من السفينة بعد أن أغرقوها: "ما لنا عليكم من سبيل"..!

 

 

واتهم ولد الهيبه هؤلاء بالعمل على إعاقة الإصلاحات الدستورية والمؤسسية التي يتجه الرئيس لإقرارها من خلال الحوار الوطني الوشيك وكذا عبر الاستفتاء الدستوري المزمع تنظيمه في أعقاب تلك المشاورات الوطنية الموسعة؛ مشيرا إلى أن الحملة الدعائية الأخيرة التي أطلقها "الموالون الوهميون" ضد مجلس الشيوخ لم يكن لها من دافع غير تجريد النظام من أهم ركائزه ودعائمه الأساسية المتمثلة في قادة وأعضاء الغرفة البرلمانية العليا المنتسبين لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم؛ ضمن مؤامرة محمكة لعزل الرئيس والبحث عن بديل قابل للترويض والخضوع لإملاءاتهم ومخططاتهم المشؤومة؛ على حد تعبيره.

 

 

وأضاف: "لقد انفض فلول أنظمة الفساد وديناصورات الحزب الجمهوري وتنظيم الهياكل من حول الرئيس بمجرد إعلانه عدم السعي لمأمورية ثالثة؛ وطفقوا يوسوسون لهذا بأنه الرئيس القادم لموريتانيا، ويعدون ذاك بأن يجعلوا منه الخليفة الموعود للرئيس المغادر.

 

 

ورأى ولد الهيبه أن الرئيس ولد عبد العزيز لا يملك خيار التنحي عن السلطة مهما كانت إكراهات البنود الدستورية ذات الصلة بعدد المأموريات؛ إذ ليس بإمكانه الوقوف في وجه إرادة الشعب الموريتاني إذا قرر التمسك به بناء على ما حققه من إنجازات لموريتانيا من أبرزها الأمن والاستقرار، وإرساء جو الحريات العامة، الفردية والجماعية، وتشييد البنى التحتية، وفرض مكانة دبلوماسية فاعلى في كل المحافل العربية والإفريقية والدولية؛ خاصة نجاحه في رئاسة الاتحاد الإفريقي عام 2014، واختيار نواكشوط ـ لأول مرة ـ مكانا لانعقاد قمة جامعة الدول العربية في يوليو القادم.. مؤكدا أن الشباب لا يمكن أن يقبلوا بخروج الرئيس عن السلطة في وقت بدأت طموحاتهم تتجسد على أرض الواقع عبر إشراكهم في تسيير الشأن العام وفي العمل السياسي؛ واستحدث مجلس أعلى خاص بالشباب الموريتاني كان حلما طالما راود هذه الفئة الواسعة من الهرم السكاني للبلد.. وليس تولي شاب منصب رئاسة منطقة نواذيبو الحرة سوى برهان ساطع على هذا التوجه الرئاسي غير المسبوق.. كما أن النساء لن يقبلن بوقف مسيرة إشراكهن في الحياة العامة، في وقت نلن فيه أكبر عدد من الحقائب الوزارية منذ الاستقلال، بما في ذلك منصب رئاسة الدبلوماسية، ومنصب رئاسة مجموعة نواكشوط الحضرية.. فضلا عن ارتفاع نسبة حضورهن في التمثيل البرلماني. وهي عوامل يعززها حرص الشركاء الدوليين على ضمان بقاء موريتانيا مستقرة تنعم بمستوى الأمن الذي تحقق بفعل المقاربات الناجعة للرئيس ولد عبد العزيز؛ حيث كان الرجل صاحب مبادرات إنشاء مجموعة الخمسة لدول الساحل، وراعي عملية السلام في شمال مالي، فضلا عن نجاحه في احتضان أكبر لقاء تنسيقي أمني مشترك بين أوروبا وإفريقيا في مواجهة تنامي تحديات الإرهاب والتهريب والهجرة غير الشرعية؛ ما يجعل من استمرار الرجل في السلطة رهانا إستراتيجيا لدى الدول العربية، ومنطقة الساحل، وإفريقيا عموما، ولدى القوى الغربية الوازنة.

 

 

وبين ولد الهيبه، أن كل هذا الحراك المحموم من قبل من أسماهم "مهندسي موالاة التضليل" إنما يهدف؛ ضمن ما يهدف له، إلى إفشال قمة نواكشوط والتشويش على جهود جمع الطيف السياسي الوطني حول طاولة حوار وطني شامل وجامع يعزز المكاسب الوطنية الكبرى، وفي طليعتها الحكامة الديمقراطية الصحيحة، والقطيعة النهائية مع أساليب الغش السياسي وولاء المصالح النفعية الذاتية الضيقة البائدة..