حاول ثلاثة أكاديميين بعد عمل استقصائي قاموا به خلال الفترة السابقة الإجابة عن سؤال جوهري شغل بال عدة علماء وخبراء مرموقين في الجماعات الأمريكية عن السر الذي يجعل عدد كبير من الباحثين والأخصائيين ينتقلون للعمل في قطر.
المقال الذي وقعته الصحافيتان سارة هاجيت ولوسي جودتشايلد فان هيلتين المنشور في مجلة السيفير العالمية حاول الإحاطة بالموضوع والإجابة عن الدوافع التي تقف خلف هذا الأمر. وبحسب الدراسة التي اطلعت عليها «القدس العربي» والمنشورة في موقع المجلة فإن الدولة الخليجية الصغيرة التي تقع في الخليج العربي والتي يمثل ما نسبته 83 ٪ من سكانها أجانب ووافدين، تتميز بأنها أضحت الوجهة الأكثر جاذبية للبحوث في العالم. وقام معدو الدراسة بتحليل قواعد الأبحاث في 77 دولة لكي يستكشفوا عدد المنشورات والمطبوعات التي تنتجها كل دولة، ومدى تأثير هذه المنشورات، وتعاون الباحثين فيما بينهم، ووتيرة انتقالهم إلى ومن كل دولة من تلك الدول.
وكان من بين النتائج التي توصلوا إليها أن الكثير من الباحثين يفدون إلى قطر (بنسبة 18 في المائة) أكثر من نسبة نزوحهم عنها (7 في المائة)، وهو ما أدى إلى حدوث معدل تدفق صافي نسبته 11 نقطة مئوية، لتشير هذه النتائج إلى أن الدوحة باتت من أبرز وجهات البحوث في العالم.
الباحثون انطلقوا من قاعدة البيانات التي جمعوها للتوصل للعوامل التي تجعل من هذه الدولة التي تملك احتياطي ضخم من الغاز لتكون جذابة للغاية وتبني قاعدة بحثية متكاملة.
وكشفت الدراسة أن قطر تستثمر حاليا حوالي 100 مليون دولار سنويًا في قطاع البحوث، وتدعم المؤسسات البحثية والكليات الجديدة؛ وهو ما أدى إلى ظهور بيئة داعمة للبحوث بشكل متزايد، حيث أن هذا الأمر يعتبر من بين أكبر التحديات التي تواجه الباحثين حول العالم إذ باتت المنح أكثر تنافسية، ويمكن للعلماء قضاء قدر كبير من وقتهم في التقدم بطلبات التمويل، وهو وضع وجده الباحثون الأجانب في قطر هينا بتأكيدهم على أن هذا الوقع يختلف عن الإدارات الاعتيادية لعلوم الحاسب بالولايات المتحدة على سبيل المثال إذا، يجب أن يرتكز جزء كبير من عملهم على تأمين التمويل لأبحاثهم المستقبلية.
وتشير الدراسة إلى أنه من السهل الحصول على التمويل في قطر، حيث تخصص الحكومة 2.8 في المائة من عائداتها النفطية لدعم البحوث في الوقت الذي تواجه فيه مسألة تخصيص الدعم المالي لقطاع البحوث حول العالم صعوبات بالغة. وشدد الباحثون على أن وكالات التمويل تواجه ضغوطًا لإظهار أن رعايتها لقطاع البحوث قد تمخضت عن أبحاث تساعد الاقتصاد وتوفر المزيد من فرص العمل، وأدى هذا إلى التركيز على المسائل المثيرة للاهتمام، حيث يوجّه الباحثون عملهم وفقًا لهذه التوجهات للحصول على التمويل، وأصبح هذا التطور يمثل حلقة تعقيبات إيجابية. والحصول على التمويل للبحوث في قطر لا يزال أكثر سهولة مقارنة بالوضع السائد في العديد من الدول الأخرى، وخصوصًا بالنسبة للوافدين. ويقول أحد المشاركين في الدراسة: «تمويل المشاريع الناشئة في قطر رائع للغاية، وتمثل الرواتب والامتيازات الجذابة للعائلات أيضًا حافزًا للإقامة في البلد، ولا يمكن لأي فرد إنكار هذه الحقيقة، ولا يفكر معظم العلماء في التخلي عن علمهم في مقابل المال مطلقًا، خصوصًا وإن كانوا في منتصف حياتهم المهنية، ولكن الرواتب والامتيازات الجذابة تساعد العلماء بالفعل». ويرى الدكتور عمر الأجنف، أستاذ علوم الحياة في كلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة، والقائم بأعمال المدير التنفيذي لمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي، أن هذا الأمر مثّل عاملا مهمًا في اتخاذه لقرار الانتقال إلى الدوحة، حيث قال: «كانت الدولة ورؤيتها جذابة جدًا بالنسبة لي». ويركز الدكتور الأجنف، الذي ينحدر أساسًا من ليبيا وقد قدِم إلى البلد منذ عام، في أبحاثه على الأمراض «التنكسية» العصبية، وخصوصًا مرض باركينسون، ولديه تمويل من مؤسسة مايكل جاي فوكس، حيث يعتقد أن الفرص التي توفرها قطر تفوق التحديات. وأضاف أن «قطر دولة صغيرة، وهناك بعض المسائل التي قد تعترض عمل الباحثين، ومنها على سبيل المثال أن الإجراءات المطبقة لإنشاء مختبر يمكن أن تكون بطيئة، ولكن الأمور تتحسن، وأعتقد أنها ستواصل تحسنها بمرور الوقت،».
من جانبها اعتبرت الدكتورة جياوسونغ ما، وهي عالمة بارزة في معهد قطر لبحوث الحوسبة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، وتنحدر أساسًا من الصين، وانتقلت إلى الدوحة في عام 2013 بعد عملها لفترة في الولايات المتحدة، أنها تركز في بحوثها على الأنظمة الموزعة، حيث تدرس كيف يمكن للصناعة استخدام الآلات القوية بشكل أفضل، وجدولة المهام لجعل كل شيء يعمل بشكل أكثر كفاءة.
وأوضحت أنها تعايش التحديات التي تتسم بتحقيق قطر تطورًا سريعًا وملحوظًا بفضل استثمار الحكومة في قطاع البحوث، ويعني توافر البنية التحتية الجيدة أنه يمكن للباحثين من شتى أنحاء العالم العثور على مرافق ومؤسسات متطورة للعمل فيها.
ويشغل الدكتور حارب الجابري منصب مدير برنامج التقنيات الحيوية في مركز التنمية المستدامة في كلية الآداب والعلوم في جامعة قطر، حيث يشرف على فريق دولي يضم باحثين من الهند وهولندا والمغرب وتونس والأردن وفلسطين وبنجلاديش وقطر، ويعتقد أن هذا الاستثمار قد حَسَّن من سمعة البلد، وجذب عدد كبير من الناس إليها من الخارج. وأضاف: «لدينا جامعات رفيعة المستوى للغاية مثل وايل كورنيل للطب، وكارنيجي ميلون، وجورجتاون، وهي مؤسسات بحثية تجتذب جميعها أناسًا يفدون للعمل هنا مشيرًا بذلك إلى الجامعات الأمريكية الكبرى الموجودة في المدينة التعليمية.