من الذي يستحق، في بلاد التناقضات الكبرى والدولة في المبنى و اللا دولة في السلوك والمعنى، و أن يرفع عنه ظلم وقد ظلم، وإذلال وقد أذل وأهان؟
من يستحق منها العناية الطبية الفائقة على حساب الخزينة والمواطن وهما ليسا مدينين له بأي عمل جليل ترك عليهما أثرا أو طوقهما بمعروف؟
ومن الذي ترك بصمة أو رفع صرحا أو أرسى عدلا أو بنى سمعة أو حقق رعاية لمقدرات البلد المهدورة و حماية لحدودها من مهربي الداخل فيها بلحى المكر، و حافظ على حركة التجارة فيها عبر كل نقاط العبور دافعا الرسوم وسلامة البضاعة من التلف والغش؟
ولماذا تبقى “القبلية” سلبية قاهرة ومستميتة في حماية أفرادها من المفسدين الذين عاثوا هدرا للمال العام ولا يستحقون من بعدما أنعم الله عليهم بالمكانة ولم يقيدوا النعمة بالحمد والعدل؟
في كل بلدان المعمورة رجال منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، كلهم محل إجماع، رفعت لهم دولهم وشعوبهم صروحا ونقشت بماء الذهب أسماءهم في القلوب وعلى صفحات المناهج التعليمية، ردا لجميل إخلاصهم وفائق وطنيتهم ولم يكونوا من الزاهدين يوما في سلامة بلدانهم ورفعة شأنها.
فهذه تركيا “أردوغان”، وقد عادت فخورة مؤمنة بمكانتها الإسلامية، مَدِينَة لـ”أتاتورك” العلماني الذي سار بها على نهج التقدم من بعد سقوط الدولة العثمانية في براثين التخلف والظلامية،
وهذه فيتنام مدينة هي طذلك لـ”هوشيمين” الفلاح البسيط الذي ضحى بحياتها من أجل تحريرها من الاستعمارين البغيضين الفرنسي والأمريكي،
وهذه تونس ماضية في رد الجميل لفرحت حشاد النقابي في كل عام يمر،
وتلك روسيا مدينة لبوتين الذي أعاد إليها مجدها الذي كاد يضيع وألقها الذي كاد يخفت ومكانتها التي كادت تغيب،
وتلك أيضا السنغال مدينة لـ”سانغور” عضو الأكاديمية الفرنسية ورائد الزنجية مع “أمي سيزير”،
واللائحة تطول.
فهل كتب علينا أن نظل في اللادولة ومتشبثين بثقافة السبة ونظامها التراتبي التي يطبعه التناقض المستصاغ بين يقين التمكين الوهمي والشك المتقن التغطية؟