حذاء "منتظر".. أم "خفا حنين"؟ / الأستاذ محمدٌ ولد إشدو

المعارضة والموالاة في موريتانيا مخترقتان و"مسكونتان" بفلول المفسدين المعششين فيهما تقية، والمتمترسين في وجه الإصلاح والتغيير الإيجابي، والذين يلعبون على جميع الحبال، ويتخذون شتى الأشكال والأساليب، ويتقنعون بمختلف الأقنعة بغية الوصول إلى هدفهم المنشود الذي هو: تخريب حركة 

الإصلاح والبناء الواعدة التي تعيشها بلادنا، والنكوص والردة إلى مربع الفساد حيث تزدهر المصالح والأعمال غير الصالحة على حساب الشعب والوطن المهدورين. ومن أبرز الأقنعة المضللة التي تستخدمها قوى الفساد والنكوص قناع "الثورة" والظهور بمظهر التقدم والرفض مجاراة لمنطق العصر وإمعانا في التضليل والخداع وطمس الهوية الرجعية. وقد
"خرج الثعلب يوما ** في ثياب الناسكينا"
كما قال شوقي.
وكان أكبر الجلادين الفرنسيين في  الجزائر يقلد في قمعه الوحشي المقولات الثورية ويحاول أن يكون "بين الجماهير كالسمك في الماء"! 
وفي مثل هذه الحالات يسود التقليد والنسخ، ويمتنع وينعدم الإبداع الذي تصنعه الجماهير:
- أحرق شاب تونسي نفسه احتجاجا على البطالة والتهميش والهدر، فكان الشرارة التي أشعلت الثورة في تونس. فهب أدعياء الثورة عندنا يحاكون ويستنسخون ذلك الفعل، وأخذوا في شحن الأبرياء وتحريضهم كي يتسلقوا على ظهورهم، ويصنعوا بعذاباتهم ثورة غابت شروطها الموضوعية.
- ثارت شعوب تونس ومصر بقيادة جماهير شبابها المتعلم المنظم، على أنظمتها القمعية البالية فأطاحت بها وصنعت المعجزات.. فجن جنون المفسدين المطاح بهم فاكتسحوا صفوف المعارضة وأعلنوا الثورة من فراغ؛ مستخدمين كافة الأساليب والشعارات بما فيها "الرحيل"  دون أن يدركوا أن الثورة فعل اجتماعي عظيم تقوم به الشعوب الثائرة؛ وهي محرمة على المفسدين.
- كان لحركة عمال مدينة شبرا العمالية المصرية أثر بالغ في تأجيج الثورة المصرية؛ فراهن مقلدو الثورة عندنا على إضراب عمال شركة سنيم ونفخوا فيه من روحهم التي لا يرضاها أو يتبناها العمال ولا الشعب. كما راهنوا على مسيرة عمال الحراسة في ازويرات، ثم عمال تازيازت التي نادى بعضهم بتأميمها لعل وعسى! ولم تندلع الثورة لحد الآن.
- وعلى نفس الغرار تكاثرت أسماء الجمعيات والمبادرات: والرباطات: 25 فبراير، 31 ديسمبر، إيرا، ماني شاري غازوال، ورباط الدفاع عن الحرمين الشريفين، وكأن ليس لهما رب يحميهما! ولم تندلع الثورة بعدُ.
- ولما كانت لكل ثورة شخصيات ملهمة كالذي قال في تونس: "هرمنا من أجل هذه اللحظة" عكف المقلدون لدينا على خلق نموذج أسطوري كـ "جان دارك" و"جميلة بو حيرد" و"مريم بنت لحويج" أطلقوا عليه لقب "معبودة الجماهير" وهي فتاة جانحة استغلوا براءتها وضعفها وفاقتها، وأخذوا يروجونها عبر وسائل الإعلام رغم هشاشتها وكأنها المهدي المنتظر. لكنهم ما لبثوا أن خسروها لأنها تقليد غير أصيل؛ فنعوها.. وتبددت أوهام الثورة.
- وأخيرا تفتقت أذهان عباقرة "الثورة" الدائمة في بلادنا عن "ابتكار" تقليد لظاهرة عبقرية أصيلة ومجيدة، فشحنوا فتى صغيرا بريئا ليكون "منتظر موريتانيا" و"أيقونة الرفض" الذي سوف يباع حذاؤه التائه بثلاثة آلاف دولار! لا تعجبوا.. فكل شيء من أجل الدولار!
ولكن.. ألا يدرك "مبدعونا" أنهم إذا كانوا قد نسوا أو تناسوا، فإن شعبنا لم ينس ولن ينسى:
* أن منتظر الحقيقي العظيم قد ابتكر سلاحا سحريا هدّ به في لحظة تاريخية جبروت وعظمة أقوى دولة في العالم غزت بلده ودمرته. فكان بحق أيقونة الابتكار والصمود والمقاومة في وجه عدو بلاده وعدو أمته وعدو البشرية جمعاء، فدخل التاريخ من أوسع أبوابه، وبيعت نعله بالملايين لا الآلاف، كما بيعت الملايين من علامتها في مختلف أنحاء العالم. لأن إذلاله لجورج بوش رئيس أمريكا المنتصرة وضربه له بنعله في العراق كان إبداعا أصيلا، يواكب حركة واتجاه التاريخ ويخدم قضية شعبه المحتل المقاوم:
"... خرج المهدي (منتظر) من مغارة الحفل، وسلاحه العبقري الفتاك في قدميه. وما إن أخذ بوش والمالكي يتبجحان بنعم أمريكا على العراق ويشيدان بنصرها المؤزر الوهمي، وينوهان برسالتها التبشيرية إلى مهد الحضارة والرسالات، حتى انبرى لهما ذلك الفارس الشجاع: خلع نعلا صفع بها بوش فركع ذليلا خائفا يتوارى خلف المنصة، وخلع أخرى أتبعها الأولى، وتمنى لو كانت له أرجل إضافية فيرجم بقذائفها طاغوت الاحتلال الهمجي! طار النبأ والصورة عبر شاشات العالم في كل الدنيا يعطي الفعل الأمريكي في العراق ختامه الأوفى بما يمثله النعل والرجم من إهانة وازدراء في قاموس الثقافة العربية".
(أزمة الحكم في موريتانيا ص 148).       
* أما منتظرنا المقلد المسكين فإنه لم يتصرف عن قناعة وإيمان بقضية وطنية أو قومية أو إنسانية مقدسة؛ بل كان ضحية الشحن التحريضي الرجعي الرخيص ضد شعب، وضد أمة عرفت طريقها واختارته بوعي وسارت فيه تتحدى المخاطر والعقبات وتسطر الأمجاد الواحد تلو الأخر. أولا يدرك المحرضون أن نعل "أيقونة" رفضهم لم تقذف في وجه المستعمر الفرنسي الرئيس بومبيدو في شارع جمال عبد الناصر كما فعل المرحوم لمرابط ولد حمديت في السبعينيات، ولا في وجه الكيان الصهيوني الغاصب كما فعل المرحوم الزايد ولد خطاط؛ ذلك الطبيب الشجاع الذي تحدى التطبيع في التسعينيات، ولا في وجه رئيس أمريكي مجرم، ولا حتى في وجه السفير الذي يتفشى بيننا كالطاعون؛ بل قذف بغيا وعدوانا في وجه دولة وأمة وشعب.
لقد أراد مدبرو هذا الفعل له أن يكون رفضا؛ وهو رفض بالتأكيد.. ولكنه رفض لنهج الاستقلال والنهضة والكرامة والإباء الذي نسلكه: رفض للانعتاق وإنهاء عهد الفساد وحكم السفارات الغربية ورفرفة العلم الصهيوني فوق ترابنا الطاهر، رفض للحرية والديمقراطية وإيصاد أبواب السجون والمنافي، وإنهاء محنة الأئمة والعلماء والأحرار، ووضع حد لهدر واستعباد وتجويع الإنسان الموريتاني الكريم. رفض للشفافية والنزاهة والقوة والأمن وضبط الحالة المدنية والبناء والتعليم والصحة والاكتفاء الذاتي وترشيد الثروات.. الخ. رفض للدولة والثقافة والقيم والأخلاق الحميدة. ورفض كذلك وتعكير لصفو القمة العربية التي تستضيفها - بإذن الله- لأول مرة بلادنا التي كانت سائبة. ولذلك فإنه لن يكون كحذاء منتظر مهما حاول المبطلون؛ بل "خفي حنين" يرجع بهما أولئك المترفون الذين لا يرعون إلا ولا ذمة. فهو تقليد أعمى، يخالف مسار التاريخ ويتحدى مشاعر وإرادة الشعب الموريتاني الأبيّ.
تبقى حقيقة أخرى لا بد من قولها؛ وهي أن الفاعل كان ضحية الشحن والتحريض، كغيره ممن تدفعهم ظروف ما إلى ابتلاع طعم الصائدين في الماء العكر. لذلك يجب إنصافه والصفح عن زلته التي يتولى كبرها المرجفون!