شكل انضمام الجارة الجنوبية السنغال إلى التحالف المناوئ للثروة الحيوانية بموريتانيا رسالة بالغة الخطورة والرمزية فى نفس الوقت، ومحطة جديدة من محطات التدافع داخل البلد، بفعل الاستهداف الممنهج لأحد أسس الاقتصاد الموريتانى، ومصدر العيش الكريم للآلاف من المواطنين، خصوصا خارج العاصمة نواكشوط.
أولى الخطوات التصعيدية ضد الماشية الموريتانية تم اتخاذها من قبل المملكة المغربية نهاية سبتمبر 2015 ، وسط تكتم اعلامى شديد من العاصمة نواكشوط الرباط فى نفس الوقت،رغم تسلم القرار بشكل رسمى و اتخاذ تدابير جديدة لمواجهة تداعياتها من قبل الحكومة والرئيس.
وتقول مصادر زهرة شنقيط إن الرباط أبلغت الحكومة الموريتانية بشكل غير رسمى رفضها لدخول الماشية برا إلى المناطق الصحراوية الخاضعة لسيطرتها حاليا، وهو ماشكل ضربة لجهود العشرات من المستثمرين فى تجارة الماشية بين البلدين، وحول منطقة تيرس إلي خزان من الماشية بعد فرض الحصار عليه.
وقد اتخذت الحكومة الموريتانية سلسلة تدابير خاصة لمواجهة الوضعية الجديدة، واحتواء آثار القرار السيئ ،وهي إجراءات ربما نعرض لها فى وقت لاحق. (*)
لكن التصرف المفاجئ للحكومة السنغالية يوليو 2016 حول الأزمة من خلال عابر مع جار لجار، إلى محاولة إقليمية لضرب أبرز أسس التنمية الاقتصادية بموريتانيا، ومحاولة مدروسة لهز استقرار آلاف الأسر المعتمدة بشكل يومى على الثروة الحيوانية فى تفاصيل حياتها الاقتصادية، وضرب قطاع تحاول الحكومة منذ سنة إنعاشه عبر فصله عن الزراعة والدفع بموارد إضافية جديدة لصالحه، ووضع أسس أكثر عقلانية لتسييره خلال الفترة القادمة.
اقتصاد أم سياسية؟
الإجراءات الإقليمية ضد الثروة الحيوانية خلطت بين الاقتصادي والسياسى، وكان توقيتها محل ريبة من قبل صناع القرار داخل البلد، فالحكومة المغربية عبرت عن انزعاجها أكثر من مرة من تعامل نواكشوط مع سرب شاحناتها العابر للحدود، فى إصرارها على عدم تفتيش تلك الشاحنات المتجهة إلى السينغال ومالى وكوديفوار خوفا من فساد حمولتها المكونة أساسا من الخضار، وإصرار نواكشوط على إخضاعها للمراقبة والمتابعة طيلة مسارها بالبلاد، عبر وحدة خاصة من الجمارك مكلفة بمرافقة كل الشاحنات والسيارات العابرة للمنطقة من لحظة دخولها إلى خروجها من البلد.
كما أن اتخاذ الحكومة لتدابير جديدة فى مجال البيطرة شكل مصدر إزعاج للحكومة المغربية، وخصوصا بعد إعلان نواكشوط نيتها تحقيق الاكتفاء الذاتى فى مجال الخضروات والدجاج، وهى أبرز السلع التى تستوردها البلاد من الدولة المغربية خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
وقد تسارعت وتيرة الصراع الاقتصادي بين البلدين خلال السنوات الثلاثة الأخيرة فى عدة مجالات كان أبرزها :
حركة النقل الجوى داخل القارة السمراء
حركة الموانئ بعد إعلان نواكشوط عن إنشاء سبعة موانئ على طول الأطلسي
زراعة الخضروات ومرتنة الدواجن بموريتانيا
كما اعتبرت المغرب آن نواكشوط قضت تدريجيا على فرص تزويدها للأسواق الموريتانية الدواء، بعد اشتراط الرئيس خلال الأشهر الأخيرة من فترة وزير الصحة أحمد ولد جلفون شرطين فى أي كمية من المواد الطيبة يراد توريدها للبلاد ( أن تكون عبر المطار والموانئ وأن تكون منتج أوربى معتمد)، وهو ماشكل ضربة بالغة التأثير على حركة تجار الأدوية بين الرباط ونواكشوط وبين نواكشوط ودكار.
ومع أن العامل الاقتصادي مهم فى فهم خلفيات القرار السينغالى والمغربى قبله، إلا العامل السياسى يظل الأقوى.
حيث تمر العلاقات بين موريتانيا والمغرب بمرحلة من الجمود غير المسبوقة منذ فترة، وسط قطيعة تامة بين الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز وملك المغرب محمد السادس، أنتجتها تراكمات كثيرة خلال السنوات الخمسة الأخيرة، بعد أن ظلت بعض النخب الموريتانية تنظر إلى الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز خلال سنته الأولى فى الحكم بأنه رجل المغرب بامتياز فى موريتانيا، مستدلين بآخر لقاء له مع الملك قبل الإطاحة بالرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، ومسارع الرباط إلي دعم انقلاب الجيش 2008 وبعض العلاقات الاجتماعية لمحيطه بالمملكة المغربية.
الخيارات المتاحة أمام موريتانيا
لايختلف اثنان على أن قرار السنغال وقبلها المملكة المغربية مؤثر وخطر فى حد ذاته على جهود نواكشوط لتطوير قطاع البيطرة بموريتانيا، لكنه قد يكون بداية لتحولات إستراتيجية بالمنطقة، وفرصة لبحث خيارات أخري بديلة قد تكون أكثر جدوائية للثروة الحيوانية وأكثر عقلانية من التصدير الفوضى لها من قبل المنمين إلى محور باتت السياسة تحكم تعاطيه الإقتصادى بشكل كبير خلال الفترة الراهنة.
ومن أبرز هذه الخيارات :
(*) بحث إمكانية تصدير الماشية إلى الجزائر أكبر سوق للثروة الحيوانية بالمنطقة، وذلك عبر طريق أو طريقين " أزويرات – تيندوف"، و"أنبيكت لحواش – الخليل"، وهو ماقد يشكل فرصة لآلاف المنمين من أجل كسب المزيد من الوقت والمال عبر أسواق بديلة، وتموين السوق الجزائرية بالثروة الحيوانية من موريتانيا بدل اللجوء للسودان والصومال وبلدان أخري بعيدة فى ظل الأزمة الأمنية التى تضرب المنطقة الفاصلة بين تلك البلدان.
(*) إنشاء شركة متخصصة فى تصدير اللحوم إلى الأسواق الإفريقية والعربية
(*) استغلال الثروة الحيوانية فى مجالات أخرى كشركات الألبان بدل الاعتماد على بيع رؤوس الماشية فقط.
(*) إنشاء خطي تنمية بالشمال والوسط من أجل تثبيت الثروة الحيوانية بموريتانيا، وهو أمر يتطلب إنشاء خطوط مياه (شبكات مياه جديدة) فى مناطق صحراوية توجد بها فرص انتجاع كبيرة، لوكنها تحتاج إلى المياه والاتصال من أجل استقرار المنمين فيها.
تنشيط الجهاز الحكومى المكلف بالبيطرة من خلال ضخ كوادر جديدة ورسم سياسات سريعة وعقلانية لتسيير الملف المهم، واحتواء التوتر القائم مع الجارة الجنوبية المدفوع بها إلي أتون الصراع الدائر بين الأشقاء منذ فترة.
وكالة تواصل