الحرب التي تشنها دولة الإمارات على الأموال القذرة قوية ومتشعبة، وتخضع دائماً للتطوير من ناحية أدواتها. فعمليات غسل الأموال هي بحد ذاتها تشهد تطويراً من قبل العصابات والجهات التي تقوم بها، لجعلها أكثر تعقيداً.
ولأنها كذلك، فقد غطت ميادين كثيرة على مساحات واسعة من العالم. الإمارات حققت قفزات نوعية في مكافحة هذه الآفة في السنوات الماضية، سواء من خلال التشريعات الصارمة «الماحقة» لهذه الأموال، أو عبر ضبط شبكات بعينها أو أفراد.
وهذا ما دفع مجموعة العمل المالي الدولية المعروفة اختصاراً باسم «فاتف» في اجتماعها الشهر الجاري، للإشادة بالتقدم الذي أحرزته الدولة، ليس فقط في مكافحة غسل الأموال، بل وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، وما يرتبط بها. وهذا ينبغ في الواقع من نهج الإمارات في مكافحة الجرائم المالية بشكل عام، وتدفقات المال غير المشروعة.
حرب الإمارات على الأموال القذرة وتمويل الإرهاب، أدت في العام الماضي إلى مصادرة أموال وأصول بلغت قيمتها نحو 3.9 مليار درهم، من بينها غرامات فُرضت على عدة جهات، لأنها لم تمتثل بما يكفي للإجراءات والقوانين التي وضعتها الدولة في هذا المجال.
واللافت أن هناك بعض الدول الأوروبية (على سبيل المثال) لا تزال إجراءاتها ومراقبتها للتدفقات المالية غير المشروعة دون المستوى المطلوب منها. وبالفعل سجلت الجهات الدولية المعنية ملاحظاتها في هذا المجال في أكثر من مناسبة.
فالمسألة على الساحة الإماراتية لا تتعلق فقط في التعاون مع المؤسسات العالمية التي تسعى إلى تجفيف منابع الأموال القذرة، ولا في طرح المبادرات وسن القوانين المعززة، ولا في تنفيذ عمليات المكافحة بأعلى معايير الجودة، بل ترتبط أيضاً في النهج العام للدولة منذ عقود طويلة، وهو نهج يحاصر هذه الأموال، بما في ذلك تلك التي تستخدم في تمويل التسلح.
وفي السنوات الماضية، عززت الدولة مسارها ضد الأموال القذرة، من خلال إجراءات سريعة وعملية، بما في ذلك منح وزارة الاقتصاد والمصرف المركزي الصلاحيات الكاملة للجهات التي تصدر التراخيص، بإطلاق عقوبات إدارية وغرامات ضد الشركات التي لا تقدم معلومات حول المستفيدين النهائيين.
وهذه النقطة مهمة جداً في ميدان معقد ومتشعب، بحيث تم اتباعها من قبل عدد من الدول نظراً لنجاعتها في إتمام المهام الخاصة بالمكافحة بشكل عام. هذه الإجراءات والصلاحيات وغيرها، أدت في السنوات الماضية إلى تضييق الخناق على العصابات والأفراد، والمؤسسات التي تتستر وراء واجهات «بريئة».
كما أن الإمارات حققت قفزات نوعية على صعيد مكافحة الأموال الممولة للإرهاب بكل أنواعه. فالدولة (منذ تأسيسها) لها موقفها المبدئي من هذه الآفة أيضاً، وتضعه ضمن الأولويات دائماً، ولا يخضع للمناسبات فقط، كما هو الحال في بعض الدول الأخرى.
وتقدم الإمارات في الواقع مثالاً يحتذى به في حربها على الأموال القذرة، كما أنها منفتحة لأي رافد يعزز مسارها في هذا المجال، وهي أيضاً جاهزة لتقديم المساعدة لأي دولة أو جهة ترغب في أن تحقق الانتصار في هذه «الحرب العالمية» الواسعة.