هل تنجح موريتانيا في الحصول على "اعتراف أممي" بجهودها في مكافحة العبودية"؟(إعداد موقع الفكر)

 

بدأ المقرر الأممي الخاص بمكافحة أنماط الاسترقاق المعاصرة تومويا أوبوكاتا، زيارته التي تستمر تسعة أيام إلى موريتانيا، للتأكد من من حقيقة الأوضاع على الأرض، وهل مازالت في موريتانيا عبودية، أو بقايا منها؟ وما مدى وفاء الحكومة الموريتانية، بالتزاماتها تجاه الاسترقاق، أو آثاره؟

يتضمن برنامج المقرر الأممي لقاءات مع المسؤولين والحقوقيين وأئمة وشخصيات إعلامية وسياسية في نواكشوط ونواذيبو، قبل أن يعقد مؤتمرا صحفيا يوم 13 من الشهر الحالي لتقاسم نتائج جولته وتحقيقه مع الصحافة والسياسيين.

 

تواجه نواكشوط اختبارا لتقييم المستوى في مجال محاربة الاسترقاق وآثاره، وتراهن الحكومة بشكل جيد على أداء البلاد خلال العقود الماضية في تحقيق نتائج مبهرة في التصدي للعبودية ومخلفاتها.

 

وفي حقيبة المقرر الأممي كثير من الأسئلة والملفات العالقة، إضافة إلى ما حاولت ترسيخه منظمات حقوقية محلية ودولية، يفيد أغلبها أن موريتانيا بلد لا يزال يعاني من نير العبودية.

وكانت منظمات حقوقية محلية وأجنبية قد انتقدت بقوة انتخاب موريتانيا نائبا لرئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة سنة 2012، مقدمة مرافعة مطولة ضد ما تعتبره انتشارا للعبودية وآثارها في البلاد.

بعد ما شنت منظمة "فريدم هاوس" هجوما عنيفا على موريتانيا معتبرة أن "أن حكومة موريتانيا، التي لا تزال متواطئة في عبودية مئات الآلاف، هي نائبة رئيس المجلس. وهذا يرسل إشارة مدمرة مفادها أن الهيئة الرئيسية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة لا تمارس ما تدعو إليه"

سجال موريتاني أممي

وفي سبتمر من نفس السنة احتجت موريتانيا على شهادة منظمة مراقبة الأمم المتحدة، أمام مجلس حقوق الإنسان ،والتي ورد فيها:"في عالم اليوم، لا تمارس العبودية في أي مكان بشكل منهجي كما هو الحال في موريتانيا، البلد المنتخب في مجلس حقوق الإنسان هذا. وحوالي 600 ألف شخص يعيشون كعبيد".

وقد ردت الحكومة الموريتانية، ما اعتبرته" دعايات كاذبة ومزاعم مغرضة " في تقرير تلك المنظمة، وقال المندوب الموريتاني: "لقد شنت الحكومة حربا ضد مخلفات الاسترقاق". "لا يمكن القول أبدا إن التشريعات في موريتانيا تفضل العبودية، الإسلام هو مصدر تشريعاتنا والإسلام جاء لتحرير البشرية من العبودية، وما قيل كادعاء من جانب تلك المنظمة غير صحيح على الإطلاق. نحن ضد الاعتداءات على سمعتنا، هذه هي سمعة موريتانيا".

وكان نشطاء حقوقيون موريتانيون قد شنوا حملة غير مسبوقة خلال العقدين المنصرمين لإدانة موريتانيا، ووصمها أنها بلد تمارس العبودية، وقد وجدوا سندا من منظمات حقوقية غربية جلها محسوب على اللوبي الصهيوني العالمي، ففي أكتوبر 2019: قبيل انتخابات مجلس حقوق الإنسان، أصدرت منظمة مراقبة الأمم المتحدة تقريرا مشتركا مع مؤسسة حقوق الإنسان ومركز راؤول والنبرغ لحقوق الإنسان يدعو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى معارضة انتخاب موريتانيا وغيرها من منتهكي حقوق الإنسان.

 وقد نفت موريتانيا استمرار العبودية في البلاد. "لقد تم إلغاء العبودية في موريتانيا"،قائلة "إن العبودية هي في الأساس جريمة ضد الإنسانية. لذلك لا أعرف لماذا هناك أشخاص ما زالوا يعتقدون أن هذه الظاهرة مستمرة".

وقد عززت موريتانيا ترسانتها القانونية خلال العقود الماضية ضد ممارسة أي شكل من أشكال العبودية، فهي مجرمة بنص الدستور الموريتاني، وأقرت موريتانيا جملة من القوانين التي تحاصر كل مظاهر الاسترقاق، إضافة إلى إقامة قضاء مختص في مكافحة الجرائم ذات العلاقة بممارسة الرق.

يرى كثير من الخبراء الاقتصاديين والباحثين المستقلين، أن المشكلة الحقيقية التي تعاني منها موريتانيا هي الفقر المدقع، الذي تعاني منه حوالي 90% من السكان من عموم الفئات والشرائح، بسبب غياب الحكامة الرشيدة، وهو ما نتج عنه انهيار النظام التعليمي، وتفشي البطالة، والنزوح من الأرياف إلى المدن، وتدمير الاقتصاد الريفي المعتمد على تنمية المواشي، والزراعة الموسمية.

وأن عبودية الفقر والتهميش وتردي التعليم والخدمات الأساسية، هي المعضلة الأساسية في البلاد، وليست " أحديث معادة" عن ممارسات " تاريخية " كانت موجودة في موريتانيا وغيرها من الدول، ولم يبق لها وجود.

وأن حوالي 75% من السكان الموريتانيين هم من فئة الشباب أقل من 25 سنة من العمر، ولدوا  في أواخر التسعينيات، على الحرية، وشبوا في زمن ثورة الاتصالات، والقرية الكونية.

تسعى الحكومة الموريتانية لبيان الصورة الواقعية للأوضاع على الأرض ، وفي الميدان من أن البلاد خالية من ممارسات الاسترقاق والعبودية، وتعتقد الحكومة الموريتانية أن حصيلة عملها في مواجهة آثار الرق من خلال إقامة المدارس لنشرالتعليم ومشاريع التنمية، والتمويلات المدرة للدخل وتخصيص مشاريع ضخمة في مناطق آدوابة، والقرى في الداخل، والأحياء الفقيرة في المدن،  وإنشاء وكالة تآزر التي تخصص  50مليار أوقية سنويا في البلاد لمواجهة آثار الفقر والعبودية والتهميش، سيضمن لموريتانيا – إذا وجد مبعوثين أمميين منصفين – الحصول على تقييم إيجابي من المسؤول الأممي الذي يفترض أن يقدم تقريره بعد شهرين من زيارته على أبعد تقدير.

وبين حدة المنظمات الحقوقية المعادية لموريتانيا والتي صرفت خلال السنوات المنصرمة مئات الملايين للدعاية الفجة "بوجود عبودية في موريتانيا"، واحتضنت نشطاء موريتانيين، يقولون باستمرار ممارسة العبودية في موريتانيا، وبين جهود الحكومة الموريتانية، لإثبات نجاحاتها في محاربة العبودية وآثارها، وبين اعتقاد الغالبية الساحقة من المواطنين الموريتانيين، بعدم وجود ممارسات للرق على الأرض الموريتانية، بل إن الموجود في الأعم هو الآثار المترتبة على الممارسات التاريخية من فقر وتهميش وجهل عمقه  انعدام الحكامة الرشيدة، من جهة، ودعاية  يرى البعض أنها تستغل الواقع الحزين لمناطق آدوابه، دون بذل أقل الجهود لتغييره.

يبقى السؤال مطروحا بقوة هل ستنجح موريتانيا في الحصول على اعتراف أممي بتبرئتها من استمرار ممارسة العبودية .