(1) رجل يحمل الوطن بين أضلاعه، ينام في حضنه كل مساء ويحتسي معه الشاي بالنعناع كل صباح، عكس كل أولئك الذين لا يتذكرون الوطن إلا في المناسبات، بين نشرة أخبار وأخرى أو برنامج حواري وآخر، ثم ما يلبثوا أن يخلعوه كما يخلعون ملابسهم الداخلية، عندما تنطفئ الأضواء وينصرف المصورون.
(2) سياسي وطني، داس على كل مغريات اللحظة فمنح إجازة مفتوحة لمواقفه وجمد كافة مطالبه ووضع في بطنه بطيختين صيفيتين، كل ذلك من أجل أن يظهر بيتنا الداخلي مرتبا حتى ينصرف الأشقاء، وعندها يكون لكل مقام مقال.
(3) مثقف صادق مع نفسه وأمته، يريدها قمة "أمل عربي" حقيقي، ويطالب برفع مستوى نقاش نخبتنا ليتناول بجرأة غسيلنا العربي الذي ينشر كل يوم على سطوح القنوات الفضائية، بدل الغرق في الحديث عن هويتنا العربية و المطار الجديد والشوارع ووجبات الطعام وورق الحمام وعطر دورات المياه، فنواكشوط احتضنت دائما أحبابها دون أن تكون بحاجة إلى من يطلي لها أظافرها أو يضع الأحمر على شفتيها .
(4) مؤسسة إعلامية عمومية تحترم نفسها وجمهورها، تؤمن بأن القمة ملك لموريتانيا ولكل الموريتانيين وأن الذين يريدونها بلون واحد هم أناس مصابون بزيادة في كولسترول الأنانية السياسية ومكانهم ليس فيها، وبالتالي فهي تختار ضيوف برامجها من كل الأطياف والمشارب حتى ولو لم ترقها أفكارهم، انطلاقا من القاعدة الشهيرة: إذا تزاحمت العقول خرج الصواب.
(5) لجنة إعلامية تستحق هذا الاسم عن جدارة، تجعلك تفرح عندما تشاهدها أو تسمع كلامها أو تقرأ لها، يمكنها أن تقدم على الأقل سببا منطقيا واحدا فقط لاختيار أعضائها، لا ظاهرة صوتية اختلط حابلها بنابلها ولا يعرف وجهها من قفاها.
(6) كاتب صبور حفر اسمه في قلوب الناس بصدقه وجده ومثابرته، تعود أن يكتب بحرقة وجرأة عن قضايا وطنه وأمته لا لشيء آخر سوى أن التجربة علمته أن مساحيق التجميل لا تصلح لصناعة الأوطان، لكنه بدا هذه الأيام نشازا وسط هذا الكم الهائل من "كتاب المناسبات" الذين انشقت الأرض عنهم وعن مقالاتهم الهابطة.
(7) شاب نشأ على حب الوطن، رضعه من ثدي أمه وصقله بعرق جبين أبيه العامل، ليس مستعدا للتصوير وهو يكنس أحد شوارع المدينة، لأنه يعتبر ذلك مؤامرة ساقطة ونفاقا مفضوحا ومواطنة رخيصة، فالذين يكنسون طرق الوطن وشوارعه وأزقته بشغف، لا يكون لديهم وقت للتأنق وأخذ الصور التذكارية.صدقوا أو لا تصدقوا، الوطن وحده هو من يستحق القمة وأما ما عدا ذلك فهو مجرد أحاديث عابرة.