لماذا تسرب روسيا معلومات عن توقف امريكا عن المطالبة برحيل الاسد.. وان المعارضة السورية اخطأت بتكرارها؟ ولماذا يتحدث وزير الدفاع الامريكي عن فتح الجبهة الجنوبية؟ وما هو دور الاردن؟ وما هي فرص النجاح؟
تصريحان صدرا امس عن مسؤولين كبيرين في روسيا والولايات المتحدة، يمكن ان يؤشرا الى حدوث تغييرات كبيرة في استراتيجية البلدين العظميين، فيما يتعلق بتطورات الوضع السوري ميدانيا وسياسيا، وانعكاساتها على منطقة “الشرق الاوسط” برمتها.
الاول: صدر على لسان اليكس بورودافكين مندوب روسيا الدائم لدى الامم المتحدة في مقابلة مع وكالة “انترفاكس″ الرسمية اكد فيه “ان موسكو تعتقد ان واشنطن لم تعد تطالب بإستقالة الاسد فورا”، واضاف “لقد عدلت واشنطن بعض الشيء موقفها من هذه المسألة، وبات يتلخص الآن في انه لم يعد لدى الاسد مستقبل سياسي في سورية، ولكنها لم تعد تطالب بأن يقدم استقالته فورا.. وان مطالبة معارضة الرياض بأن يقدم على ذلك اعطى نتائج عكسية، ولم يعد يحظى بأي تأييد من الشركاء الغربيين لان الجميع ادرك ان رحيل الاسد يهدد بتكرار السيناريو الليبي والعراقي في سورية”.
الثاني: تأكيد اشتون كارتر وزير الدفاع الامريكي في حديث لقوات في ولاية نورث كارولينا بأنه “سيتم بحث فرص الضغط على داعش من الجنوب السوري تعزيزا لجهودنا القائمة والقوية بمساعدة شركائنا في الاردن وفصل مسرح العمليات في سورية عن نظيره العراقي”.
***
المندوبون الروس لا يطلقون الكلام جزافا، او بناء على اجتهاد شخصي، وكل كلمة يطلقونها محسوبة بعناية، وموحى بها من القيادة العليا في معظم الاحيان لتحقيق اهداف، وتوجيه رسائل معينة، ومقصودة، لاكثر من جهة، ومن هذا المنطلق يجب النظر الى تصريحات المندوب الروسي الدائم في الامم المتحدة.
ما يمكن فهمه من ثنايا سطور هذه التصريحات، ان مسألة بقاء الاسد من عدمه لم تعد على قمة اولويات القوتين العظميين في المستقبل المنظور، وان اشتراط معارضة الرياض والسيد عادل الجبير رحيله الفوري تثير استياء الدول الغربية، وتغرد خارج سربها، والاكثر من ذلك تعطي نتائج عكسية.
التركيز الآن سيتم بالدرجة الاولى على محاربة “الدولة الاسلامية” التي باتت اخطارها تخلق حالة من الرعب، وعدم الاستقرار، في عواصم ومدن دول التحالف مثل فرنسا والمانيا وامريكا.
ولا هم لاوروبا واجهزة امن حكوماتها في الوقت الراهن، غير كيفية التعاطي مع موجة التفجيرات الانتحارية التي تستهدف مواطنيها، وتؤكد معظم التوقعات على لسان الخبراء انها في تصاعد لنجاح الجماعات “الجهادية” المتشددة في اختراق النسيج الاجتماعي الاوروبي عبر بوابات عديدة ابرزها بوابة الهجرة.
مجلة النبأ التابعة لـ”الدولة الاسلامية” اكدت امس ان الانتحاري السوري محمد دليل او “ابو يوسف الكرار” الذي فجر نفسه في مطعم بمدينة انسباخ الالمانية، وادى الى اصابة 15 شخصا كان مقاتلا في “الدولة الاسلامية في العراق”، قبل ان يعود الى مسقط رأسه، حلب، وينضم الى “جبهة النصرة”، وبايع “الدولة الاسلامية” قبل اسبوع من اقدامه على تفجير نفسه، والشيء نفسه فعله تقريبا التونسي بوهلال الذي دهس عشرات الفرنسيين والاجانب على شاطيء نيس جنوب فرنسا والقائمة تطول.
ولعل انكفاء السلطات التركية داخليا لتطويق آثار الانقلاب العسكري الفاشل وتطويق تبعاته الامنية والسياسية والاقتصادية، يصب في المحصلة نفسها، فتركيا خرجت، وربما نهائيا من الازمة السورية، ومن غير المعتقد انها ستلعب اي دور مستقبلي فيها على صعيد دعم المعارضة السورية، بالصورة الذي كان عليه طوال السنوات الخمس الماضية، بل ربما يحدث العكس، اي فتح قنوات حوار مع حكومة الرئيس الاسد عبر الحليف الروسي القديم الجديد، ولم يعد مفاجئا ايضا صمت المعارضة السورية، سواء تلك المقيمة في الرياض او اسطنبول، وسيطرة حالة من القلق على صفوفها، وهي حالة ربما تطول بعض الشيء نتيجة غموض الموقفين التركي والغربي معا.
الحرب ستتكثف في الايام والاسابيع المقبلة ضد تنظيم “الدولة الاسلامية”، وتلويح الوزير كارتر بفتح الجبهة الجنوبية اعتمادا على دور اردني فيها، تأكيد اضافي في هذا الصدد، ومن غير المستبعد ان تنطلق قوات “الجيش السوري الجديد” من الاراضي الاردنية نحو دير الزور والرقة، معقل “الدولة”، خاصة ان الولايات المتحدة اعلنت عن ارسال 250 ضابطا وجنديا جديدا من القوات الخاصة الى المنطقة.
الخطة الامريكية السابقة التي اعتمدت على “الجيش السوري الجديد” الذي جرى تدريب عناصره في الاردن وتركيا بدعم وتسليح امريكيين، فشل في استعادة الرقة، وهربت عناصره في اول مواجهة مع قوات “الدولة الاسلامية”، تاركة سلاحها خلفها، فهل سيكون حظه افضل هذه المرة، لانه ينطلق من الجنوب وليس من الشمال؟
***
لا نملك اجابة واضحة، ولكن ما نعرفه ان “الدولة الاسلامية” ربما تتقلص جغرافيا بعد خسارتها الرمادي والفلوجة وتدمر، ولكنها تتمدد ارهابيا في اوروبا وامريكا وافغانستان وليبيا والعراق (تفجيرات بغداد) وسورية (تفجيرات القامشلي)، مما يعني تغيير استراتيجيتها ميدانيا، وفتح جبهات جديدة في اكثر من مكان في العالم.
للحق ان السيد الجبير هو الوحيد الذي بات يطالب برحيل الاسد، وكرر مقولته هذه قبل ثلاثة ايام اثناء قمة نواكشوط، ولكن مثل هذه المطالبات لن تجد اي اصداء، خاصة ان المعارضة السورية لم تدع الى هذه القمة، ولو بصفه مراقب، كما ان علمها لم يظهر ابدا في خيمتها، بينما رفرف العلم الرسمي على سواريها، الى جانب الاعلام العربية الاخرى.
المشهد السوري يتغير جذريا وبسرعة، وشهر آب (اغسطس) القادم، او “آب اللهاب” قد