في "قمة الأمل" التي عقدت في موريتانيا، أطلق رئيس الحكومة تمام سلام موقفاً "جديداً" تضمن الدعوة إلى "إقامة مناطق آمنة للنازحين في سوريا". كلامٌ تحسس فيه كثيرون بارقة أمل (تحديداً في الموضوع اللبناني)، على رغم كل اليأس الذي فاح قبل وأثناء وبعد "اجتماع نواكشوط"!
لكن هل حقاً يحثّ موقف رئيس الحكومة (المتعلق بملف اللجوء) على تنفس الصعداء والاستعداد لإقامة حفلة انتصار على أزمة ما فتئت تتفاقم منذ أكثر من خمس سنوات؟
جيد.. ولكن!
لا يسع الخبير في السياسات العامة واللاجئين زياد الصايغ إلا أن يقرّ بأن طرح سلام...تمام! كيف لا وهو، وجميع العارفين والعالمين والخبراء بالطروحات العلمية لمعالجة قضايا اللاجئين، يدعون، منذ بدء الأزمة (أي منذ العام 2012) إلى إقامة مناطق آمنة أو عازلة لاحتواء الهاربين من النار. إلا أن الـ "لكن" سرعان ما تحضر. والأسئلة والاستفسارات والمقاربات العلمية! ففي حديثه لموقع "لبنان 24"، يقول الصائغ: "الموقف هذا جديدٌ على رئيس الحكومة، نعم. وهو، في المبدأ، جيّد، ولو أتى متأخراً. لكن ثمة أسئلة ملّحة مطروحة، وهي أساسية وتلخص مكامن الخلل.
أولاً: هل ذهب رئيس الحكومة إلى قمة موريتانيا محصناً بتوافق سياسيّ داخلي على طرح المناطق الآمنة؟ كلّ المعلومات والوقائع تشير الى أنه في داخل مجلس الوزراء، كانت وجهات النظر مختلفة ومتعددة، ولا سيّما فيما بتعلق بالتنسيق مع النظام السوري!
ثانياً: هل أعددنا الأرضية الديبلوماسية اللازمة لمواكبة هذا الطرح قبل إطلاقه في موريتانيا؟ (يقصد الصائغ: أنه كان يفترض بلبنان اقامة شبكة تواصل عربية ودولية عن طريق الجامعة العربية والأمم المتحدة لجسّ نبض الدول، بما فيها "معسكر الأصدقاء"، حول امكانية قبول هذا الطرح ومساعدته على تحقيقه. ولا ينس الصائغ في هذا الإطار، لفت النظر الى ان علاقات لبنان مع محيطه العربي ليست على ما يرام، كذلك مع المجتمع الدولي الذي يسأله دوماً عما أنجز حتى الساعة لمعالجة هذا الملف).
ثالثاً: هل وضعنا الآليات اللازمة التي تمكننا من نقل النازحين – اللاجئين السوريين الى مناطق آمنة أو عازلة؟
"متعذر.. لكن غير مستحيل"
كلّ هذه الأسئلة تشي بأن الطرح بالشكل الذي أخرج فيه، سيبقى في إطار "الشعارات". يذهب الصائغ أبعد من ذلك: "لنسلّم جدلاً أنه تمّ التوافق السياسي على نقل النازحين – اللاجئين الى مناطق آمنة او عازلة، هل أن الآليات متوافرة في لبنان (حالياً)؟ طبعاً لا، وذلك يعود إلى فشل لبنان في معالجة هذا الملف منذ بدايته بطريقة علمية ومنهجية واضحة، تنطلق من مراعاة المصلحة الوطنية العليا والشق الانساني وكرامة هؤلاء الاشخاص الهاربين قسرا من بلادهم! فمنذ اللحظة الاولى، فشلت الدولة اللبنانية بتنظيم الوفود والوجود عبر تغييب الإحصاء المنهجي الموّحد مركزياً ولامركزياً، ما أدى الى تشتت ديمغرافي عشوائي والى عدم قدرة على تصنيف هؤلاء بين كتلة عاملة (كانت متواجدة في لبنان قبل اندلاع الحرب) وبين نازحين – لاجئين. أكثر من ذلك، فقد أدى هذا الأمر الى أن تصبح إمكانية نقلهم الى منطقة آمنة أو عازلة، متعذرة بسبب تفضيل هؤلاء البقاء في المجتمعات المضيفة التي انتقلوا اليها، على الانتقال الى مراكز إيواء قد لا تتوافر فيها الخدمات (بما فيها العمل) التي يحصلون عليها في المناطق الداخلية".
"متعذر، لكن غير مستحيل"، يقول الصائغ بما يحمل مجدداً الكثير من الأمل. نعم بإمكان لبنان اليوم، على رغم كل الشوائب، حلّ هذه الأزمة. كيف؟
"القضية متعددة المستويات، واذا لم تقارب بشكل مركب يوازي التعقيد الذي يشوبها فلن تحل!"، يقول الصايغ الذي يدعو الى تسليم هذا الملف الى مرجعية واحدة لمعالجتها. لطالما كان من المطالبين بأن يصبح التعاطي مع ملف اللجوء على مستوى وزاري (أي عبر وزير للاجئين)، ولكن في ظلّ تعذر هذا الامر اليوم بسبب وضع الحكومة وغياب رئيس للجمهورية، يمكن، بل بات ضرورياً على رئيس الحكومة، انشاء هيئة عليا تكنقراطية تعمل على وضع خطة متكاملة وعلمية وتأخذ بعين الاعتبار كل الأبعاد الاقتصادية والسياسية والقانونية... يكون مدماكها الأساس مراعاة الأمن القومي والمصلحة العليا، لا المصالح الشخصية والضيّقة، على أن يصار الى تطبيق هذه الخطة فوراًن بدءا بتوحيد العملية الاحصائية، ضبط الموضعة الجغرافية ضمن النطاقات البلدية، عملية التصنيف والتمييز بين عامل ونازح – لاجئ، تنظيم قنوات الإغاثة والخدمات، ضبط المعابر الشرعية وغير الشرعية، وصولا الى اقامة مراكز ايواء في مناطق عازلة على الحدود كحلّ للمدى المتوسط، تعقبه العودة النهائية الى سوريا عند انتهاء الحرب".
إشكالية "النازح – اللاجئ"
كلّ هذا العمل يساهم أيضاً وبشكل أساسي في تعزيز نقاط القوة اللبنانية مع المجتمع الدولي. يتابع الصايغ: "على لبنان أن يقوم "بواجباته" أولاً قبل أن يسأل المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته. وعلى هذا المجتمع الدولي أن يفهم أن أنموذج العيش المشترك اللبناني، بغض النظر عن عوراته، هو حاجة عربية ودولية، واذا ما أراد المحافظة عليه وعلى هذه التعددية، عليه أن يساعد لبنان ويحميه من خطر انفجار كياني".
يقرّ الصايغ بأن "جميع الأفرقاء الداخليين باتوا اليوم يستشعرون خطر النزوح – اللجوء السوري". لكن هل هم فعلاً مصممين على ايجاد حلّ؟ يعلق على مطالبة رئيس الحكومة بانشاء صندوق تمويل عربي، فيقول متأسفاً: "لا زلنا نحصر القضية بالشق التمويلي، والسؤال: هل تحلّ الازمة اذا ما أعطي لبنان 20 مليار دولار؟ طبعاً لا. الموضوع أكبر بكثير وبحاجة الى معالجة هادئة وعلمية ومتكاملة. مشكلتنا الأساسية في لبنان تكمن في غياب الحوكمة السياسية وغياب للسياسات العامة القائمة على دراسات جدوى ودراسات استبقائية. ليس هذا وحسب، ثمة جهل أدى الى ما وصلنا اليه. ثمة ديماغوجية وشعبوية واهمال وجهل ومراعاة للمصالح الداخلية على حساب المصلحة الوطنية على قاعدة "مرقلي تمرقلك"، طبعوا الأداء السياسي اللبناني منذ خمسة أعوام وحتى الساعة".
آن الأوان للتحرّك البناء، لأن المنظومة الاجتماعية في طريقها الى الانهيار، ولبنان قادم على انفجار كارثي. هل أخطر من هذا المصطلح الذي استعمله الصائغ؟
يذكر أن الصائغ يصرّ على استعمال المصطلح المركب "النازح – اللاجئ" لسبب اساسي يشرحه بالقول: قانوناً، النزوح يكون داخليا ضمن الدولة، واللجوء هو عبور شخص من بلد الى آخر قسراً. وفي الحال اللبنانية، وبما ان لبنان ليس موقعاً على اتفاقية 1951 (اي انه ليس بلد لجوء)، يعدّ الوافدون اليه لاجئين موقتين الى حين عودتهم. ويعتبر أن عدم تسمية هؤلاء باللاجئين ينمّ عن ذكاء وإبداع لبنانيين، لكن في الوقت عينه، يلاحظ أن موضوع التسمية ليس موّحدا في لبنان بدليل التباين الحاصل، ما ينمّ ايضا عن ارتباك والتباس وجهل في التعاطي مع ملف النزوح – اللجوء).