البطالة فى موريتانيا .. آليات الحل

لقد انجزت نهاية العام الماضى دراسة حول البطالة فى بلدنا وقد تم نشرها فى العدد 72-73 من مجلة بحوث اقتصادية المحكمة , احاول هنا تقديم عرض ملخص لهذه الدراسة وخاصة فى جزئها المتعلق بالآليات التى نراها قد تساهم فى الحد من هذه الظاهرة التى تعتبر اليوم اهم تحد يطرح للحكومات.
البطالة في موريتانيا لها أسباب و أوجه متعددة ، حيث ترجع إلى هشاشة النظام الاقتصادى , ضعف المنظومة التربوية , غياب الرؤية الواضحة فيما يتعلق بسياسات التشغيل كضعف مكونة التكوين المهني و عدم ملاءمة التكوين مع سوق العمل.
تعتبر العقلية الراسخة لدى الكثير من الموريتانيين و المتمثلة في الاتكالية والعقلية البدوية و المتجذرة حتى لدى ساكنة المدن الكبرى بالإضافة الى التكافل الاجتماعي القائم في البلد - و الذى ساعد في تماسك المجتمع و تعزيز وحدته الوطنية - من الأسباب التى أدت إلى تعزيز البطالة المقنعة داخل منظومة التشغيل فى البلد و هو ما يعتبر خصوصية موريتانية دون أن يكون قاعدة اقتصادية.
لقد انطلقنا فى هذه التصورات من مقاربة تعتمد حقيقة و طبيعة الحالة الاقتصادية للبلد ومقوماته , على ان نعتمد أيضا مبدأ الأمانة العلمية فى الدراسة.
يجب من وجهة نظر اقتصادية وسياسية ادماج سياسة التشغيل فى الاطار الناظم للسياسات العامة للدولة. ويتم ذلك من خلال وضع سياسة التشغيل كأحد محاور هذا الاطار الذى يتم وضع تصوراته , على ان يراعى فى ذلك المقومات الاقتصادية للبلد و الطموحات المشروعة لأفراده.
كما يجب أن يكون مؤشر خلق فرص العمل وخلق الثروة مراعى فى كل الخطط الاقتصادية و فى جميع مجالات الحياة العامة , يضاف الى ذلك دعم الفاعلين الاقتصاديين فى القطاعات الواعدة كالقطاع الفلاحى و الصيد وفى مرتبة ثانية قطاع السياحة. كما يجب على المستوى الحكومى خلق قطاع وزارى مكلف بالصناعة والمؤسسات الصغيرة و المتوسطة يعمل على وجود صناعات تحويلية فى البلد تعتمد أساسا على الشركات الصغيرة و المتوسطة تمكن فى أفق أبعد من الحصول على منتج يحمل ماركة صنع فى موريتانيا يمكن تصديره الى بلدان شبه المنطقة على أن يكون له قدرة تنافسية من حيث الجودة والسعر.

الآليات التنظيمية :

 

نرى من خلال تحليلينا للحالة المؤسسية لقطاع التشغيل فى البلد غياب الرؤية و عدم انسجام الهيكلة الحكومية مع اشكالية التشغيل , حيث نعرض في ما يلى بعض الاجراءات التى ستساعد لا محالة فى وضع حلول لمشكل البطالة فى البلد والتى نراها موجهة وليست ملزمة للقائمين على الشأن العام :
- يجب اجراء مسح لمستوى البطالة يعتمد الأسس العلمية المتعارف عليها و بإشراف فنى من المكتب الدولى للشغل على ان يصاحب ذلك بحملة تحسيسية حول قيمة المسح فى وضع السياسات الاقتصادية للبلد , و توفير الامكانية اللازمة للقيام فيه بأحسن الظروف.
- انشاء قطاع وزارى مكلف بالصناعة والمؤسسات الصغيرة و المتوسطة يعمل على وجود صناعات تحويلية فى البلد , على أن تمكن فى أفق أبعد من الحصول على منتج يحمل ماركة صنع فى موريتانيا يمكن تصديره الى بلدان شبه المنطقة و أن يكون له قدرة تنافسية من حيث الجودة والسعر.
- اضافة كتابة دولة تعمل على ترقية وتطوير القطاع الخاص للهيكلة الحكومية على أن تعمل من بين أمور اخرى على ازالة العوائق امام دمج القطاع الغير مصنف فى القطاع المصنف , و ان يعمل على الجوانب التنظيمية التى تمكن من أن يكون الاكتتاب فيه حسب النظم المتعارف عليها.
- تحويل الوكالة الوطنية لدعم ترقية تشغيل الشباب الى المكتب الوطنى للتشغيل ليكون الذراع الفعلى للوزارة الوصية فيما يتعلق بوضع وتنفيذ السياسة العامة للدولة فى هذا المجال , ويتمكن من متابعة سياسات القطاع و الاحصاءات المتعلقة بالتشغيل و ان يكون الاكتتاب فى القطاع الخاص يمر عن طريقها مع الشفافية المطلوبة.
- ترقية آليات القروض الصغيرة مع مراعاة ظروف طالبى العمل ومصاحبتهم اذا لزم الأمر للوصول بمشاريعهم الى الأهداف المرسومة لها مسبقا , مع الزامية تسديد القروض فى وقتها حتى يمكن تمويل مشاريع لآخرين.

القطاع المالى والمصرفى:

 

يجب على القطاع المصرفى أن يلعب دوره الأساسى كممول للاقتصاد الوطنى ورافعة تنمية و ذلك عن طريق اعتماد دراسات الجدوائية فى المشاريع المقدمة للحصول على التمويلات مع مراعاة البعد التشغيلي لهذه المشاريع وأن يكون للبنك المركزى اليات تمكنه من متابعة ومراقبة وتقييم ما يتم في هذا المجال.
و لكي تقوم هذه المؤسسات بدورها فى تمويل النشاط الاقتصادى و خلق الثروة و هو ما سينتج عنه لا محالة فرص عمل جديدة وزيادة و دفعا للاستهلاك ينتج عنها هى الاخرى فرص عمل أخرى , فلا بد من أخذ الاجراءات التالية :

 

- و ضع اليات فعلية تمكن المقترض من الحصول على قروض يمكن من خلالها تمويل النشاط الاقتصاد و ان يتمكن المقترض كذلك من التسديد , حيث يجب و ضع قانون جديد لتأطير المعاملة البنكية يحفظ حقوق الدائن والمدين و الحافظ على الصالح العام.
- الزام البنوك بان يكون الاكتتاب فيها يمر بالمكتب الوطنى للتشغيل الذى نراه أكثر فاعلية من الوكالة الوطنية لدعم ترقية تشغيل الشباب.
- التنسيق بين الوزارة الوصية على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة و مكتب التشغيل بحيث يتم فى مرحلة أولى تمويل مؤسسات صغيرة ومتوسطة تكون الوزارة الوصية ضامنة و موجهة للاستثمار فيها و يكون المكتب مصاحب للتسيير و التسديد حتى تصل المؤسسة بر الأمان.
وفى اطار حل إشكالية البطالة فى البلاد , يمكن أن يلعب صندوق الايداع والتنمية دورا مهما فيما يتعلق بخلق الثروة و فرص العمل على مستوى القطاعات الواعدة (الزراعة , الصيد و السياحة). حيث يمكن للصندوق أن يعمل على تمويل مشاريع صناعية فى مجال الصناعات الغذائية على أن تعتمد تلك الصناعات على المنتج الوطنى من خلال مشاريع زراعية يتم تمويلها أيضا من خلال الصندوق مع مصاحبة تلك المشاريع من مرحلة الدراسة حتى مرحلة التنفيذ , كما يمكن أيضا تمويل اخرى فى مجال قطاع الصيد حيث تمتلك البلاد ثروة سمكية هائلة على مستوى الأعماق و اكثر على المستوى السطحى و يشغل القطاع اليوم حدود خمسون ألف عامل فى حين فى دول الجوار يشغل القطاع عشرات الأضعاف مع ثروة أقل. اما في مجال السياحة فيجب تمويل مشاريع تعتمد على السياحة المحلية من خلال تسويق المنتج السياحى المحلى الصحرائى و الخلجان على مستوى انواذيبوا و كذا السياحة فى فصل الخريف على مستوى المناطق الشرقية من البلاد.
من أجل القيام بدوره فيما يتعلق بالتنمية وفى محورها المتعلق بتمويل المؤسسات الصغيرة و المتوسطة , يجب أن يصاحب الصندوق المشاريع المقدمة للتمويل من بداية مرحلة دراسة الجدوائية الى أن يتمكن المشروع من تسويق مخرجاته مع مصاحبة القائمين عليه من خلال اليات التقويم والمتابعة الكفيلة بعدم انحرافه عن النتائج المرسومة له مسبقا و أن يسدد القرض المقدم له أصلا ليمكن الصندوق من تمويل مشاريع أخرى. كما يمكن للصندوق من خلال خبرائه تقديم مشاريع تتماشى مع متطلبات السوق الوطنى حيث يتم جمع الشركاء فيها من خلال عقد شراكة يكون الصندوق فيه ضامنا , على ان تتم تلك الشراكة حسب علاقة اختصاصاتهم بالمشروع مع دمج كذلك شركاء من غير حملة الشهادات على ان يعتمد الصندوق نفس الالية فى التسيير.

تحفيز وجذب الاستثمارات

فى اطار جذب الاستثمارات يجب العمل و بشكل جدى على :
- استقلالية فعلية للعدالة و سرعة تطبيق أحكامها مما يعطى ثقة للمستثمرين الأجانب.
- اقرار فترة اعفاء للمستثمرين الأجانب لفترة يراعى فيها فترة الاعفاء فى الدول الواقعة على ضفة النهر ودول المغرب العربي.
- تمكين المستثمرين و بإقرار مكتوب من امكانية تحويل نسبة من أرباحهم من المشاريع الى دول الاصل مع مراعاة النسبة التى يجب اعادة استثمارها فى البلد.
- مراجعة النظام الضريبى و بطريقة لا يمكن فيها الى الرجوع الى فترة سابقة إلا فى حالات يتم تحديدها , على ان يتم وضع اليات كفيلة بان تتم الجباية بشكل شامل و فعال.
- التطبيق الفعلى للإستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة والفساد
- الاسراع بإكمال انجاز مشروع انتاج الطاقة من الغاز و وضع مشاريع أخرى للطاقات المتجددة لوفرتها , و لتمكين المستثمرين من الطاقة الازمة لمشاريعهم و بأسعار تنافسية مقارنة بدول المنطقة.
- العمل على تمكين القوات المسلحة و قوات الأمن من مواصلة عملها المتميز فى تأمين المواطنين و ممتلكاتهم و حدود البلاد و بمقاربة أمنية متميزة.

التكوين والتعليم

 

 

 

 

 

ولما لقطاع التكوين والتعليم من دور فى خلق الثروة وفرص العمل فإننا نري بأن التصور التالى سيعطى لا محالة نتائج واعدة للاقتصاد الوطنى و يمكن تلخيصها فى النقاط التالية:
- الرفع من انتاجية الفرد الموريتانى من خلال دعم التكوين الفنى و الثانويات المهنية , تعدد المسارات فى الباكلوريا , تدعيم نظام اللصانص و الماستر والدكتوراه و تغيير المسارات حسب حاجة السوق.
- دعم للتعليم ما قبل المدرسي بشقيه النظامى و شقه المحظرى و الذى يعتبر خصوصية موريتانية أثبتت فى الماضى جدوائيتها.
- على مستوى التعليم الأساسي و الثانوي يجب اعادة النظر فى الخريطة المدرسية من خلال فتح مدارس متميزة و مجهزة بشكل مكتمل من حيث التجهيزات و الكتاب المدرسي و الطواقم التربوية.
- على مستوى التعليم العالى , فيجب ضبط مسارات التكوين مع السوق الوطنية من خلال اعتماد برامج تعتمد على نظام الفصول التحضيرية فى مدارس المهندسين وفى الفترة الثانية من التكوين يراعى طلب السوق المحلى و مع تكوين جيد يمكن المنافسة على المستوى العالمى , على أن يتم النظر فى هيكلة المدارس التى تم فتحها والتى نري بانعدام سوق لها نتيجة التخصص المثبت على جدولة تكوينها.
كما يجب فتح معاهد لتكوين فنيين سامين فى الاختصاصات التى يظهر النقص فيها على أن يتم اتباع استراتجية فى التكوين تراعى متطلبات السوق , كما يجب الربط بين مسارات الباكالوريا المهنية و المعاهد العليا.