حصار مالي .. أبرز احداث عام 2022م على مستوى غرب افريقيا

لو سئلت قبل فرض الحصار على مالي في مدى صبر شعب افريقي تجاه حصار جائر عليه من قبل دولة مثل فرنسا واذنابها في المنطقة لما صدّقت ، وخاصة مع شعب مالي ..

لكني كنت مخطئا في تقديري هذه المرة … برغم أن الحالة الوطنية -بالفعل – كانت تبشر بالخير والصمود ، إلا أن شبح الاخفاق كان حاضرا في ذهني ، وخاصة بعد تجييش منظمة الايكواس الكثير من الشخصيات السياسية والمنظمات المدنية من أجل الضغط على حكام باماكو ومحاولة شيطنتهم وتقزيمهم في الوجدان الشعبي .

نعم ، كانت هناك حملات قوية من أجل الضرب في عزيمة الشعب لكي تتخلى عن السلطات المالية التي قرّرت المواجهة ووقفت بشرسة في وجه الحملات الاعلامية المغرضة .. وطردت السفير الفرنسي لأول مرة في التاريخ ما بعد الاستقلال وأوقفت وسائل اعلام فرنسية ، بل وقررت توقيف علاقتها الدفاعية مع فرنسا وطردت قوات برخان وقوات تاكوبا التي كانت حاضرة في مالي منذ 9 سنوات تقريبا ..

إنها مواقف لا يمكن لأي شخص في القارة أن يتخيلها … لكنها بالفعل حصلت وعايشناها كما عايشتك بطبيعة الحال …

وتعاملت السلطات المالية ببسالة في إدارة ملف الحصار بجدارة ..فلم نسمع خلال أيام الحصار عن مجاعة طاحنة حصلت في أي قطر من اقطار مالي الشاسعة .. ولم نسمع بانقطاع رواتب الموظفين أو تأخرها رغم أن اقتصادها مرتبط بالبنك المركزي في غرب افريقيا …

بل وبدا للجميع فيما بعد ، أن الحصار بدل أن يكون أداة للضغط على السلطات فقد كان مصدر استلهام ومصدر قوة لها ، بل قدّم نتائج وارتدادات عكسية على دول الجوار وخاصة في السنغال وساحل العاج … حتى كاد المحاصَر أن يكون محاصِرا …

وقد رأينا تقارير تثبت أن ٧٠% من البضائع التي تنزل في ميناء داكار كلها تمرّ إلى مالي وسبّب هذا الحصار موجة من البطالة لدى من يعملون في الميناء من موظفين وسائقين .. والحال هي هي في ساحل العاج … حيث وجدنا فرحة الجميع بعد رفع الحصار لأن الجميع كان متأثرا به وقاسيا على عوائده المالية والاقتصادية ..

وبرغم إشادتنا بصمود الشعب المالي إلاّ أننا يجب علينا أن نعترف أن الشعوب الافريقية قاطبة أو معظمها وقفت مع مالي وأيدتها ودافعت عنها بكل عال ونفيس وأشادت بمواقفها وخياراتها …

وهذه أول مرة تتوحد فيها آمال قارة بأكملها في هدف واحد ولقضية موحدة وهي أن لا بد ل مالي أن تصمد وتنجح في حربها ضد المستعمر القديم والجديد ومن يقف معه …

واكتشف الحصار مدى تواطؤ رؤساء دول المنطقة مع أعداء القارة ضد بعض الدول وانكشفت حقيقتهم للجميع وافتضحت خبيئتهم أمام الشعوب ..

والأحداث عادة ما تكشف معادن الرجال ..

لقد كانت المقاومة والصمود هما اللحن الذي كان يعزف في أوتار قلوب الأفارقة وأصدقاءهم من شعوب العالم .. كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والشعر حسب التعبير النبوي ..

ووفق الله مالي في هذه الفترة أن تجد رئيسا كان في مستوى التحدي ، ورئيس وزراء كان كابوسا على فرنسا منذ خطابه الشهير في أكبر مؤسسة دولية وهي الأمم المتحدة ، ومواقف وزير الخارجية الواضحة في احترام خيارات مالي والقارة ينبغي أن يحترمها الجميع ..

ولا بدّ هنا أن ننوّه بمواقف دول مثل #موريتانيا و #الجزائر و #غينيا التي رفضت الحصار ورفضوا غلق الأبواب رغم الاغراءات التي قدّمت هنا وهناك كل هذا من أجل إركاع الشعب المالي والشعوب الافريقية ..

كما لا ننسى وقوف روسيا ورئيسها بوتين الذي وقف أيضا مع الشعب المالي ودعم عسكريا الدولة التي تعاني من طاحون الارهاب الذي كاد أن تقتلع أضلاعه ويقضي على وجوده .. فباعت لها الأسلحة وقدمت الذخيرة وحتى وصل بها الأمر لتقديم القمح والشعير كشارة تضامن معها في الأزمة الغذائية عقبت الحرب الروسية الأوكرانية.

وهذا ورغم إيماننا أن بوتين يريد أن يلعب بورقة مالي للضغط على خلف الناتو وخاصة على فرنسا .. إلا أن وقوفه هذا كان له اعتباره الخاص في عيون الشعوب الافريقية وها هي الدول تتسارع لتعقد علاقات عسكرية دفاعية مع روسيا لأن الجميع ادركت تصاعد الجيش المالي منذ بدء العمليات المشتركة مع المدرّبين الروس ..

عموما ، الحديث ذو شجون في هذا الموضوع ، ولقد انتهى الحصار وانتهت تبعاته لكن الآثار ستبقى في النفوس طويلا ، لكنها ستتحوّل لصمود أكثر صلابة وقوة في مواجهة الحاضر وبناء المستقبل ليس لمالي فقط وفقط لكل من رام الخروج من ربقة الاستعمار القديم والجديد ..

ونتمنى أن نرى يوما القارة وقد تحررت بالكامل من التبعية الفرانكفونية والانبطاحية المستمرة بسبب المساعدات الغربية التي ما زالت وسائل لها لفرض سياساتها بل وقاذوراتها الاخلاقية على شعوب القارة …

حمدي جوارا
كاتب من دولة مالي
٢٤/١٢/٢٠٢٠ م