لا حديث يعلو الآن على الحديث عن المضاربات التي تجري في الوقت الراهن حول مقاعد الترشح على قوائم الأحزاب السياسية، فقد بلغت قيمة الموقع الأول على رأس اللائحة الوطنية أكثر من ثلاثين مليون أوقية، ووصلت قيمة رأس اللائحة النيابية ببعض ولايات نواكشوط لسبعة ملايين أوقية.
أخطر ما في الأمر هو صمت الطبقة السياسية على هذه الممارسات والتطبيع معها كما لو كانت تصرفات طبيعية. والواقع أنها ظاهرة شاذة عن الأعراف الحزبية، وفيها ابتذال للممارسة السياسية، بل إنها خطيرة على العملية الديمقراطية برمتها؛ فمن لم يتورع عن شراء مقعد للترشح لا يتصور منه التورع عن شراء الأصوات لكي ينجح؛ ومن استطاع إغراء هيئات سياسية بالمال لن يعجز عن شراء ذمم ما يكفي من الناخبين ليصل إلى مبتغاه؛ ومن وصل إلى منصب تمثيلي بهذه الطرق لن يكون مستغربا منه أن يتاجر بالمواقف ويستغل النفوذ ويسيء استخدام الوظيفة.
إن استمرار هذا المشهد سيجعل حيزا واسعا من ساحة التنافس الانتخابي حكرا لثلة من "تجار السياسة"، وسيحول البرلمان القادم إلى غرفة مختلطة الاختصاصات من غرف اتحاد أرباب العمل تتمثل الاهتمامات الأساسية لأعضائها في امتيازات جواز السفر الدبلوماسي والحصانة البرلمانية، وسهولة النفاذ إلى المسؤولين لاستغلال النفوذ، وترصد الصفقات العمومية لتعويض نفقات الحملات وما قبلها، وتحين مواسم المضاربة بالمواقف السياسية.
تسليع العملية الانتخابية على هذا النحو خطير على الحياة السياسية وعلى السلطة التشريعية بصفة خاصة، وهو أيضا خطير على مناخ الأعمال وعلى الحياة الاقتصادية عموما، لأنه يفقد العمل السياسي قيمته ويقتل العمل البرلماني، ولأن الجمع بين السياسة والتجارة مضر بالسياسة وبالأعمال.