كتبت منذ عشر سنوات مقالا تحت عنوان :" ليتوقف التمييز". وعمليا بعد مضي عشر سنوات لاتزال القضية معاشة في الحاضر.. من أجل قراءة أفضل للجزء الأول من المقال" الجزء رقم 1". (منذ بعض الوقت هناك موضوع حساس جدا، يتعلق بالمسألة الوطنية،وهو في خضم النقاشات في نواكشوط، خاصة داخل المكاتب الحكومية والصالونات.. الخ.
في الواقع، على التوالي أطلق الوزير الأول مولاي ولد محمد لغظف،و وزيرة الثقافة السيدة سيسى منت بيده،تصريحات غير صحيحة، بالمرة وغير لائقة، تجاه جميع الموريتانيين،وخاصة عرقيات البولار، والسوننكى، والولوف.
فقد أكد الوزير الأول، في ختام أيام ترقية اللغة العربية،إرادته، " جعل اللعة العربية، لغة المراسلات الإدارية، ولغة التعليم، والبحث العلمي". وتابعت وزيرة الثقافة نفس المنحى، بعده بأيام قليلة قائلة:" إن التحدى الكبير الذي تواجه اللغة العربية، هو انتشار اللغات واللهجات المحلية". إن موقف الوزير الأول،ووزيرته للثقافة، يعبر بوضوح عن إرادة مهزوزة، للحسم في مسألة الوحدة الوطنية التي ما تزال هشة وكذا إمكانية المصالحة في موريتانيا بين مختلف مكوناتها، لأن التأكيد على عروبة موريتانيا يمثل خرقا صريحه وجليا للدستور الموريتاني، في ديباجته التي تنص أن موريتانيا جمهورية إسلامية وإفريقية . فالعروبة مفهوم ثقافي،والإفريقية إطار جغرافي، يحيل إلى العرقيات الثلاث الزنجية ،التي تشكل موريتانيا ولغاتها، وأبعد من ذلك ينص الدستور، في مادته السادسة، على أن اللغات الوطنية هي: العربية،والبولارية،والسوننكية،والولفية، واللغة الرسمية هي اللغة العربية. ولم يوجد فارق بين الوزير الأول، ووزيرته للثقافة حول هذه المسألة. في حين أن من وظائف رئيس الجمهورية حراسة الدستور، وعلى المجلس الدستوري السهر، على احترام تطبيق الدستور،عند إعداد القوانين، وكذلك التدخل عند محاولة تفسيرها وتأويلها بما لاينسجم مع ما تنص عليه. إذن، لماذا لم يتدخل رئيس الجمهورية، أو المجلس الدستوري في هذه القضية؟ وهل يريدون فعلا التهرب من مسؤولياتهم؟. في جميع الحالات فالصمت الملاحظ أمام تصريحات الوزير الاول، ووزيرة الثقافة يفضح تمالؤ هذه المؤسسات:رئيس الجمهورية والمجلس الدستوري. فيما يخص تصريحات وزيرة الثقافة فقد أدعت أن اللغات الوطنية " الزنجية"،تشكل عراقيل،أمام تطور اللغة العربية،وهو ما يعكس الجهل،حتى لا نقول تخلفا في العقليات وإلا فإن تعليم أي لغة بجانب أخرى لا يشكل فنيا، ولابيداغوجيا، أي عائق ثقافي. فالثراء الثقافي لموريتانيا،يتأسس من تنوعها اللغوي، ويجدر أن نذكر الوزير الأول ونذكر وزيرة الثقافة،أن هذا التنوع ينبغي أن يأخذ مساره الصحيح ليشكل أساس وحدتنا الوطنية،ويزودها بجميع عوامل البقاء والنمو. أن هذا الانحراف يمارس من أعلى هرم في السلطة، ومن مسؤولي الحكومة من طرف مسؤولي،قضية تعني الجميع، خاصة من يحلمون بالعدالة ويتطلعون لسيادة السلام، بين الأعراق، ليتعايشوا جنبا إلى جنب،في موريتانيا المساواة والعدل. إننا نقول إنها قضية تتعلق بالجميع، لأن كل موريتاني يؤمن بضرورة السلام والعدالة ،عليه أن يدين هذا التجاوز الصارخ والإهانة التي ينبغي أن تشعر بها كل الأعراق المشكلة للنسيج الاجتماعي للبلاد. في الواقع ،ومرة أخرى المجموعات العرقية، خارج المجموعة العربية- البربرية ،أقصد عرقية البولار، والسوننكى، والولوف، اصيبوا بصدمة على مستوى تعلقهم بالوطن الموريتاني، لأن هناك إرادة حكومية، سافرة للحيلولة دون انتشار وتوسع اللغات الوطنية أن لم نقل إطفاء جذوتها بالكامل. إنها استمرار لسياسة ثقافية تمييزية وعنصرية، انتهجت منذ سنوات،تحت حكم الديكتانور السابق معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطايع، وهي نفس السياسة التمييزية، التي نجدها على مستوى التعيينات في المناصب العليا في الإدارة العامة. أن التاريخ يعلمنا أن حق الفرد، أو أي مكون وحتى أي شعب لا يمنح بالمجان،بل هو ثمرة نضال وتضحيات وموريتانيا وعرقياتها الزنجية، ليست الاستثناء!! إنها اذنـ، سياسة تمييزية، يقودها الوزير الأول،كرئيس للأكوسترا، مدعوما من وزيرته للثقافة في حفلة عامة. ولا يمكننا أن نفهم الصمت الملاحظ، من الطبقة السياسية، والمجتمع المدني،وخاصة من طرف الرجال والنساء المثقفين، الذين عليهم أن يدافعوا،عن ترقية اللهجات الزنجية الوطنية، وعن الثقافة التي هي لحمتها وسداها. أزيلوا كل الغموض وأبعدوا كل التأويلات واللبس فالأمر لا يتعلق مطلقا بمحو مكتسبات اللغة العربية،ولا بالدفاع كما يعتقد كثيرون عن اللغة الفرنسية أن الأمر يتعلق قبل كل شيء برفض قمع أو تهميش اللغات الوطنية ،التي هي البولار والسوننكى والولوف المدونة في الدستور كلغات وطنية، بجانب اللغة العربية التي نصبت كلغة رسمية بالرغم من كل ذلك. لأجل ذلك،ولمواجهة هذه الحالة،نحن نطلق هذه الدعوة لكافة أبناء موريتانيا، لسد الطريق أمام كل الدعوات المضادة للوطن،لأن تشجيع الخلاف الوطني،يتعارض مع كل شعور بالروح المدنية. ونطلب من العرقيات الزنجية امتلاك الشجاعة، وتحمل مسؤولياتهم،حتى لا يفاجؤوا بقرارات الأيام الوطنية حول التعليم المعلنة،من أجل حفظ مستقبل الأجيال القادمة،وأيضا من أجل تجنيب موريتانيا الوصول إلى وضعية كارثية، تضعف أكثر وحدتنا الوطنية، التي وصلت إلى الحضيض في تاريخنا الماضي القريب. ففي جامعة نواكشوط، وفي جميع الكليات ساندنا حراك الطلاب الزنوج، في حقهم في الوجود القانوني لممارسة نشاطهم لمواجهة التحدي الجسيم.لبناء موريتانيا التي نحلم بها. موريتانيا خالية من كل مظاهر الظلم،والمسلكيات والمناهج المنافية للديموقراطية،و بصوت عال بالاحترام الصارم لحقوق الإنسان. فقد كتب عالم الاجتماع السياسي فوستيل دى كولانج،في استعراض حول اداة العيش المشترك لمواطني نفس الدولة، عبر العوامل الموضوعية وغير الموضوعية،التي تجمعهم، حيث يقول:(أن يشعر أولئك الأشخاص، من صميم قلوبهم،انهم شعب واحد ،عندما توجد وحدة في الأفكار والمصالح وفي الآمال والذكريات).
إنها تلك الاعتبارات التي تحدد وجود أمة.