تسعى الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خلال فترة حكمها جاهدةً نحو إعادة بلورة الاستراتيجية الأمريكية تجاه القارة الإفريقية؛ من خلال محاولتها المستمرة بالانخراط الفعَّال في شؤون القارة السمراء؛ عن طريق لَعِب دور في حلحلة أزمات المنطقة المتفاقمة، وما تفرضه من تداعيات تَضُرّ بالمصالح الأمريكية فيها، هذا على النقيض تمامًا من الفترة السابقة للولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الرئيس السابق، دونالد ترامب.
وبالتالي فقد برز هذا التوجُّه في البداية مبكرًا، وقد ظهر هذا جليًّا من خلال الرسالة التي قام بتوجيهها بايدن خلال القمة الإفريقية الافتراضية التي عُقدت في فبراير 2021م؛ حيث أعلن عن تطلُّعه نحو تعزيز الشراكة الأمريكية– الإفريقية.
ومِن ثَم، فقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية لتعميق وتوطيد علاقاتها مع إفريقيا؛ من خلال الزيارات المتعددة التي قام بها المسؤولون الأمريكيون في محاولة جديدة لفرض سيطرتها، بالإضافة إلى إيجاد موطئ قدم ومنافسة القوى الكبرى كالصين وفرنسا وروسيا في القارة الإفريقية([1]).
وفي هذا السياق، يسعى هذا المقال إلى توضيح أثر ودلالات الجولات الأمريكية في القارة الإفريقية؛ وذلك من خلال إلقاء الضوء على محاولة الولايات المتحدة إعادة رسم الصورة الأمريكية داخل القارة الإفريقية، وتعزيز الشراكة الأمريكية بالقارة الإفريقية، ومنافسة القوى الكبرى كالصين وروسيا وفرنسا داخل القارة الإفريقية، فضلًا عن الدعم الأمريكي متعدّد الجوانب، بالإضافة إلى تعميق الجذور والهوية الإفريقية كقضية إنسانية.
محاولة الولايات المتحدة إعادة رسم الصورة الأمريكية داخل القارة الإفريقية:
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال سلسلة من الزيارات والجولات المتتالية والمتكررة رفيعة المستوى إلى القارة الإفريقية (التي قام بها كلٌّ من قرينة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، والسفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-جرينفيلد، ووزيرة الخزانة جانيت يلين)، في محاولة منها لإعادة رسم السياسة الخارجية الامريكية ضد النفوذ الصيني الروسي المتنامي في القارة، وذلك في أعقاب متابعة تنفيذ نتائج القمة الأمريكية الإفريقية التي عُقدت في ديسمبر2022م في واشنطن؛ خاصةً مع اقتراب الانتخابات الأمريكية المقررة عام 2024م([2]).
حيث استهل وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، الجولات الأمريكية مطلع العام الجاري 2023م، بزيارة الدولة المصرية في يناير 2023م، باعتبار أن مصر هي مدخل إفريقيا ومفتاح حلّ قضايا الشرق الأوسط، في فبراير 2023م، كما قامت السيدة الأولى للولايات المتحدة الأمريكية، جيل بايدن بجولة في القارة الإفريقية، زارت خلالها عددًا من بلدان القارة، وهي ناميبيا وكينيا؛ وذلك “لتعزيز الشراكة” بين الولايات المتحدة والبلدين الإفريقيين، كما سبقت زيارة جيل زيارة وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين القارة السمراء في ديسمبر 2022م([3]).
وفي هذا السياق، تُعد جولة نائبة الرئيس الأمريكي “كامالا هاريس” خلال الفترة من 26 مارس حتى 2 أبريل 2023م، هي الخامسة لمسؤولي إدارة بايدن إلى إفريقيا، مع التمهيد لجولة محتملة لبايدن نهاية العام الحالي، وقد زارت “هاريس” كلاً من غانا وتنزانيا وزامبيا، عقب القمة الأمريكية الإفريقية التي استضافها الرئيس جو بايدن بواشنطن في ديسمبر 2022م، ودعا خلالها إلى قيام شراكة واسعة مع القارة السمراء، وبالتالي تحاول واشنطن تقديم نفسها في شكل “الشراكة”، وليس كبديل تنافسي مع الصين أو روسيا؛ حتى لا تفقد حضورها الإفريقي؛ من خلال إعادة رسم صورتها بالتأكيد على أن الأفارقة أنفسهم جزء من التاريخ الإمريكي، من خلال بناء قصص إنسانية كمحاولة لإلغاء مفهوم التبعية، وإعادة التصور الأمريكي بأنها مكان الحرية والإنسانية والديمقراطية([4]).