يترقب الرأي العام بكثير من القلق معرفة طبيعة الاجراءات التي ستتخذها السلطات لمواجهة ما يعترضها من تحديات، هل ستكون مثل ردود أفعالها السابقة تجاه وضعيات مماثلة؟ أم أنها ستحمل تغييرات عاصفة وشاملة ونوعية في طريقة إدارة الشأن العام كما تذهب إلى ذلك بعض التوقعات أو التسريبات؟
مرت موريتانيا في السابق بظروف مماثلة بل قد تكون أحيانا أكثر صعوبة، وظلت ردود أفعال السلطة في خانة "التغيير في ظل الاستمرارية" محكومة بميزان القوة الداخلي الذي تضافرت عوامل خارجية وداخلية لتجعله يميل لمصلحة السلطة، فأية مستجدات طرأت لتسمح برفع سقف الانتظارات وببعض التفاؤل الملاحظ حول إمكانية رؤية تغييرات جدية تضع الأسس السليمة للخروج من حالة "عدم اليقين" الحالية؟
شكلت إدارة ملفي الصراع السياسي والاجتماعي، التحدي الأبرز منذ بداية المأمورية الثانية وذلك في ظل أزمة اقتصادية خانقة أو على الأقل ما تعترف السلطة بأنه "صعوبات مالية معتبرة". وقد أسفر التفاعل بين الملفين السياسي والاجتماعي والصراع المستعر على خلافة الرئيس عزيز، عن بروز تحول في ميزان القوة تمكن رؤية ملامحه الأكثر وضوحا حتى الآن من خلال الضغط الخارجي المكثف على السلطة سواء من داخل دول شبه الاقليم أو على المستوى الدولي، وكذلك من خلال تراجع أهم الشعارات التي سيطرت في المرحلة السابقة.
ولعل أبرز انعكاسات هذا التحول على المستوى الداخلي، تظهر فيما يسمى بملف "الحوار السياسي"، حيث تقف السلطة عاجزة –رغم الاستعداد المعلن وبذل الجهود المعتبرة- عن إثارة اهتمام أبرز تشكيلات المعارضة للجلوس معها على طاولة المفاوضات وحيث تنجح مختلف فصائل المعارضة في الداخل والخارج، في تحقيق تقارب غير مسبوق قد يفضي مستقبلا إلى تشكيل تحالف واسع أو جبهة موحدة لانتظار السلطة في منعطف 2019 أو حتى لاستباقه.
لا تتوقف انعكاسات التحول في ميزان القوة على استعادة المعارضة لزمام المبادرة وتوجهها نحو تجميع قواها، بل ينعكس أيضا على وضعية أنصار السلطة أو ما يسمى بالموالاة حيث أصبح التمزق والتناحر وانفجار الطموحات، سادة الموقف في ظل غياب خط سياسي ناظم وعلى إيقاع تكاثر مراكز القوى لدرجة تبدو معها المأمورية الحالية وكأنها ليست مأمورية الرئيس بقدر ما هي مأمورية من نجح في اقتطاع "جزء من الدولة" وعرف كيف يستغله في مآربه الخاصة، أي مأمورية هذا الاقطاعي أو ذاك!
يمكن بالفعل تصور مواصلة السلطة لسياسة النعامة، أي أن تستمر "في دفن رأسها في التراب" في انتظار انقضاء المأمورية وتعيين خلف، لكن هل تمكن المجازفة بوضع يحاكم فيه عشرات الموظفين بتهم الفساد أو توجه إليهم أوامر التسديد وتتكاثر فيه أعداد الشباب المحكوم عليهم بالسجن بسبب أنشطة احتجاجية؟ وهو نفس الوضع التي تضيع فيه "فجأة" 12 مليارا من شركة مثل سونمكس فيما يشبه التخريب الاقتصادي المتعمد، ويقال فيه مدير أكبر شركات البلاد بعد 4 أشهر من تعيينه!
ومع ذلك لا يلوح في الأفق سوى "حوار بمن حضر" قد يسفر عن إصلاحات تبرر الدعوة لانتخابات بلدية ونيابية أو حتى لاستفتاء دستوري مشوب بالمخاطر، بالإضافة إلى تعديل وزاري قد يقذف بوجوه جديدة قديمة يأتي عليها الدور لحضور الاجتماعات الدورية لمجلس الوزراء والقيام بزيارات ميدانية للدواوين والادارات التابعة لها التي تحول بعضها إلى مستودعات للرداءة فيما أصبح بعضها الآخر خارج السياق من دون أي دور يلعبه.